ثالوث المعاناة الزراعيةارتفاع تكاليف الإنتاج وضعف التسويق وتواضع الدعم.. والأراضي في ذمة الخسائر المتلاحقة
معاناة المزارعين هذا العام قد لا يدركها تماماً إلا من يعيش الحالة، فالخسائر التي مني بها مزارعو السويداء خلال الموسم الماضي، وارتفاع تكاليف العمل، سينعكسان على واقع العملية الزراعية في محافظة السويداء هذا الموسم، ولو قدر لأصحاب القرار التواجد عن كثب بين المزارعين لأدركوا تماماً حجم معاناة المزارع الذي يعد العمود الفقري في الاقتصاد الوطني، وصموده من صمود الوطن، وغيرها من الشعارات الرنانة التي تصطدم اليوم بحقيقة الدعم المتواضع في ظل حالة اليأس التي يعيشها، وتدل عليها آلاف الهكتارات التي مازالت بلا حراثة حتى اللحظة.
تكاليف مرتفعة
خطوات عدة على المزارع أن يقوم بها، وكل خطوة تحتاج إلى جهد جبار في ظل صعوبة العمل الذي سببته كثافة الأعشاب مثل: “العزاقة والعشابة”، بحيث يتطلب إنجاز هذا العمل تكاليف عالية، عدا عن الجهد الكبير الذي تحتاجه، المهندس محمود قيسية، وهو مزارع يملك عشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية المشجرة بالعنب والتفاح، ويملك وحدة تبريد مازالت فيها عشرات الأطنان من التفاح حتى اليوم، تحدث عن المشكلة بعمق شارحاً الضرر الذي يمكن أن يلحق بالأراضي الزراعية في حال لم تخدم، ومع ذلك فهو يعذر الفلاح الذي لا يستطيع تحمّل تكاليف الإنتاج، وأضاف بأن معظم الأراضي الزراعية مازالت بلا حراثة، وقد لا تحرث في ظل ارتفاع تكاليف العملية الزراعية.
يبدو أن العمل الزراعي سيخضع إلى تقسيم طبقي، ويصبح حكراً على الأثرياء بالمجتمع، فتكلفة يوم زراعي واحد تزيد عن ١٥ ألف ليرة، كما يقول المزارع فريد الديك من قرية مفعلة، تتضمن ثمن مادة المازوت، والبنزين، وأجور عمال، وزادت هذا العام على تكاليف الإنتاج عمليات التعشيب التي تحتاج إلى آلة خاصة تعمل على البنزين كونه لا يمكن القيام بعملية التعشيب يدوياً بسبب كثافة النباتات وطولها، وجاء ذلك في ظل النقص الشديد بالمادة، حيث يتم شراء اللتر الواحد من البنزين بحوالي ٨٠٠ ليرة سورية، وتحتاج الآلة يومياً لنحو أربعة لترات، ويضيف المزارع صالح غانم كثرة أعطال العزاقات التي يعتمد عليها المزارعون في عمليات الحراثة بسبب صعوبة الأرض ووعورتها، حيث زادت تكاليف الإصلاح عنده هذا العام عن ٢٠٠ ألف ليرة، أما المزارع فادي الذي يعاني من عدم تسويق نحو ١٠ أطنان من التفاح الموسم الماضي حتى اليوم فقال إنه لن يقوم بعمليات الحراثة هذا العام بسبب خيبات الأمل التي أصيب بها العام الماضي، وعدم قدرته على تحمّل خسائر إضافية.
تساؤلات ومطالب
نقص مادة المازوت وضع الجهات المعنية في موقف صعب أمام تساؤلات ومطالب المزارعين التي لا يمكن وصفها الا بالمحقة والملحة، فبضعة آلاف من اللترات يجب توزيعها على آلاف المزارعين لحراثة مئات الآلاف من الهكتارات، والعيون ترنو دوماً إلى تحقيق عدالة في التوزيع، جداول اسمية، ولجان توزيع، ومتابعة دقيقة خوفاً من سلوك تلك اللترات طريقاً غير مشروعة، خاصة أن الوقت أصبح داهماً، وأيام استرخاء المزارع التي طالتها حالة تعاقب الأمطار وامتدادها لأشهر الربيع أصبحت معدودة.
إحسان جنود رئيس اتحاد الفلاحين أكد بأن تأخر عمليات الحراثة سببه تلاحق الأمطار الذي استمر لفترة طويلة، وهذا أدى إلى كثافة في الأعشاب، وإلى صعوبة في عمليات الحراثة.
وبيّن جنود أنه تم توزيع لتر مازوت واحد لكل دونم زراعي كحل إسعافي للمزارعين للقيام بعمليات الحراثة، مبيّناً أنه تم توزيع كمية تزيد عن ٤٠٠ ألف لتر لكل المزارعين، علماً أن هذه الكميات غير كافية، ولكنها تسد الرمق، ولا إمكانية لتوزيع كمية إضافية كونه سيتم البدء بعمليات التوزيع للحصادات بمعدل ٢ لتر لكل دونم.
أصل المشكلة
عند الحديث عن العملية الزراعية لابد من الوقوف عند خيبة الأمل التي أصيب بها مزارعو السويداء هذا العام جراء عدم تسويق إنتاجهم، وحالة الخوف التي باتت تسيطر عليهم وتكبلهم عن القيام بالدور المطلوب هذا العام، فآلاف الأطنان من التفاح مازالت مكدسة أمام أعينهم، وقد هبط سعر التفاح بشكل لا يسد تكاليف إنتاج العام الماضي، حيث عانى ومازال يعاني ضعف التسويق، هذا ما أجمع عليه فلاحو المحافظة أصحاب مشاريع التفاح بعد أن تكبدوا عناء وتكاليف الفلاحة، والتقليم، والرش، والقطاف مقابل سعر زهيد للمادة!.
يقول أبو عماد صاحب مشروع تفاح في قرية مياماس إنه اشترى كيلوغرام التفاح عن الشجرة قبل القطاف بـ 175 ليرة، إضافة لتكاليف النقل، لتصبح تكلفة كيلوغرام التفاح 200 ليرة، ومنذ بداية الموسم وحتى انتهاء عقد التخزين في البــراد يتم بيع الكيلوغرام الواحد من التفاح بـ 70 ليرة، أي أن (صندوق التفاح) يباع بـ 1500 ليرة، وهي سابقة من نوعها، ولاسيما خلال سنوات الحرب، أي خســارة كبيرة ومضــاعفة، والسبب بذلك عدم وجود رقابة تموينية على الأسواق، ولا حتى على تجــار المفرق!!.
ففي معظم ريف السويداء يعتمدون الزراعة، وخاصة التفاح، كمورد رزق أساسي لهم، حيث تطال خسارة موسم هذا العام جميع المزارعين، في وقت تقف فيه الجهات المعنية موقف المتفرج، إذ لم تتخذ أي إجراء ملموس للتخفيف من معاناة الفلاحين وخسارتهم التي لا تقدر بثمن، ورغم الوعود الكثيرة بأنه سيتم إبرام عقود تصدير التفاح إلى العراق ليتم تصديرها إلى الخارج، ولكن «على الوعد يا كمون»!.
رئيس الجمعية التسويقية للمنتجات الزراعية شحاذة قطيش أوضح لنا أن سبب الانخفاض الكبير لسعر التفاح مرده أولاً إلى الحصار الاقتصادي على سورية، حيث كان معظم تفاح السويداء سابقاً يصدر إلى الأردن والعراق ومصر، إلا أن سياسة هذه الدول مع سورية، والحصار الاقتصادي حالا دون خروج المادة مع بقائها في البرادات حتى صارت قابلة للتلف، والسبب الثاني هو الطبيعة، إذ إن أكثر من 70% من تفاح السويداء مصاب بالبرد، ما جعل سعره ينخفض ويباع بأقل الأثمان!.
بين فكي كماشة
بات المزارعون بين فكي كماشة: إهمال أرضهم، وجعلها مسرحاً للأعشاب والحشرات الضارة على حساب الأشجار المثمرة التي ستتراجع حكماً أمام قوة تأثير هذه الحالة، أما الفك الثاني، الأكثر إيلاماً، فهو ارتفاع تكاليف الإنتاج التي باتت مرهقة كثيراً للمزارعين، وهنا لابد من اتخاذ خطوات من قبل الحكومة تطمئن الفلاح على تسويق الموسم الحالي، ودعم المزارعين عبر إجراءات تخفف من تكاليف الإنتاج، وتحميه في حال تعرّضه لأية انتكاسة عبر تفعيل صندوق دعم المزارعين، ومنح قروض عاجلة من المصرف الزراعي دون فوائد، أو بفوائد بسيطة تسمى قروض عملية الإنتاج الزراعي تخصم نهاية العام من التعويض الذي يمنحه الصندوق في حال تفعيله من قبل الباحثين عن منافذ دعم حقيقي تساهم في زيادة وتيرة الإنتاج الزراعي المرشّحة للتراجع في ظل الانتكاسات المتتالية التي يتعرّض لها الفلاح منذ بداية الموسم الماضي، ابتداء من العوامل الجوية التي أتت على معظم الموسم، وعدم وجود خطط تسويقية ساهمت في عمليات الكساد في الموسم الزراعي، خاصة التفاح الذي مازالت آلاف الأطنان منه مكدسة في وحدات التخزين؟!.
رفعت الديك