البرلمان الأوروبي الجديد لن يحل مشكلات القارة الاقتصادية
ترجمة: علاء العطار
عن “ذا نيويوركر” 30/5/2019
لم توضح نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية المسار الذي ستسلكه أوروبا مستقبلاً وما تبعات ذلك على الكيان الأوروبي، لكن الواضح على الأقل أن موازين القوى تتغيّر، إذ تتراجع أحزاب الوسط أمام صعود الأحزاب اليمينية والشعبوية في عدد من البلدان، ولا تزال هناك تساؤلات لم تلقَ أجوبة حتى الآن؟.
شعر كثيرون بالارتياح من نتائج الانتخابات الأوروبية التي صدرت في نهاية الأسبوع الماضي، والتي شهدت كبحاً لصعود اليمين المتطرف إلى حدّ ما، مؤقتاً على الأقل. ونجحت الأحزاب القومية التي تبنّت فكرة التعصب الأوروبي في بريطانيا وفرنسا والمجر وإيطاليا، أما في النمسا وألمانيا وإسبانيا، فقد حصلت هذه الأحزاب على حصة أقل من الأصوات مقارنة بما حصلت عليه في الانتخابات الوطنية الأخيرة، وفي الدانمارك وهولندا عانت من نكسات كبيرة. وعندما يجتمع البرلمان الجديد، ستسيطر مجموعة متنوعة من الأحزاب اليمينية المعادية للأجانب على ربع المقاعد، ما يجعلها قوة فعّالة ولكن غير مهيمنة.
وكان من بين الفائزين في الانتخابات مجموعتان مؤيدتان لأوروبا، هما: حزب الخضر الفرنسي الذي كسب نحو تسعة في المائة من الأصوات زيادة عن الآخرين، والتكتل الليبرالي الديمقراطي الوسطي الذي تعزّز حضوره بفعل تحالف النهضة بقيادة إيمانويل ماكرون. تقول القراءة المتفائلة للنتائج إنه مع صعود الخضر وتشجيع الوسطيين سيتمكن البرلمان الجديد من توفير القيادة التي تحتاجها أوروبا بشدة بعد عقد من الأزمات السياسية والركود الاقتصادي.
لكن للأسف هناك أسباب تدعو للتشكيك فيما إذا كانت الانتخابات بحدّ ذاتها ستحدث فرقاً ملحوظاً، ذلك لأن البرلمان الأوروبي لا يزال يحتل موقعاً ثانوياً أمام مراكز القوة الحقيقية في الاتحاد الأوروبي، أي المفوضية الأوروبية، وهي هيئة إدارية تقترح التشريعات وتدير الأمور يومياً، والمجلس الأوروبي الذي يضمّ رؤساء جميع الدول الأعضاء وكذلك رئيس المجلس (دونالد تاسك) ورئيس المفوضية (جان كلود يونكر)، ومنذ عقود، علّق الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان بسخرية أن البرلمان “لا يتمتّع بأي سلطة سياسية”. لقد تغيّرت الأمور قليلاً في السنوات الأخيرة، ولكن نطاق البرلمان للتأثير على الاتجاه العام للاتحاد الأوروبي لا يزال مقيداً بشدة، ولأن المجلس أصبح اليوم أكثر تجزئة مما كان عليه، إذ يسرد الموقع الإلكتروني “يوروب إليكتس” اثنتي عشرة مجموعة متباينة سيتمّ تمثيلها في المجلس، فقد يواجه بعض الصعوبة في ممارسة صلاحياته التي تشمل المساعدة في تخصيص ميزانية الاتحاد الأوروبي والرقابة وتحديد المواعيد.
وكما جرت العادة في الاتحاد الأوروبي، لن يتمّ أي تغيير حقيقي إلا من خلال العواصم الوطنية، وخاصة باريس وبرلين، ولكن بوجود الاتحاد الذي يضمّ اليوم ثمانية وعشرين عضواً، بات من الصعب التوصل إلى اتفاق على إصلاحات مهمّة، وحتى منطقة اليورو الأساسية التي تضمّ تسعة عشر عضواً، يبدو أنها غير قادرة على القيام بأكثر من الخروج من أزمة والغرق في أخرى.
قد تكون المواجهة التالية في إيطاليا، التي تمتلك ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فقد دعا ماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء ورئيس الرابطة اليمينية المتطرفة التي حصلت على أكثر من ثلث الأصوات في الانتخابات البرلمانية، إلى تخفيض كبير في الضرائب لتعزيز الاقتصاد الإيطالي البائس، وقال: “نحتاج إلى علاج ترامب وعلاج أوربان وصدمة مالية إيجابية لإنعاش البلاد”.
لا شك أن الاقتصاد الإيطالي يواجه مشكلات أخرى، بما في ذلك نمو الإنتاجية الضئيل وعدم كفاءة نظام التعليم وارتفاع مستوى الدين العام، ولكن هذه المشكلات بالكاد تبرّر مطالبة الشعب الإيطالي بتحمل عقد ضائع آخر. ومع ذلك، ترفض سلطات الاتحاد الأوروبي التراجع. وحتى قبل بيان سالفيني، كانت سلطات الاتحاد تهدّد بتغريم إيطاليا بمليارات اليورو بسبب انتهاكهم القواعد المالية في منطقة اليورو.
لا يمكن تخفيف صعود اليمين المتطرف الأوروبي بالكامل ليصبح بمستوى الاقتصاد المحافظ، ففي بعض البلدان، مثل بولندا وألمانيا، ارتفعت شعبية الأحزاب المتطرفة على الرغم من معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الجيدة. ولعبت الهجرة والعنصرية والديماغوجية وتطور وسائل التواصل الاجتماعي أدواراً مهمة، لكن وعود المشروع الأوروبي تتمثّل بالسلام والحرية اللذين يدعمهما الرخاء الاقتصادي المتنامي.