“الترويكا الطاغية” الحقيقية
ترجمة: لمى عجاج
عن موقع ذا ناشن30/5/2019
لطالما امتازت أمريكا بسياستها الخارجية العبثية المنغمسة في التدخلات العسكرية بشؤون غيرها من الدول بطريقة غير مقبولة ولا معقولة، وآخرها كان في المعركة الجديدة التي اختار فريق ترامب أن يخوضها في أمريكا اللاتينية، فالعم سام يريد متابعة حربه الباردة مع جيرانه الجنوبيين، فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، باللعب على وتر “الاشتراكية” التي وصفها جون بولتن بـ”ترويكا الطغيان”.
إنها كذبة مثيرة للضحك وهي ليست الأولى من نوعها، فقد كذب بوش قبلها كذبة مماثلة في 2002 عندما وصف إيران والعراق وكوريا الديمقراطية بمحور الشر. إن الكذبة ممجوجة ومكرّرة، إلا أن الجديد فيها أنها بالغت في الانحدار والاستهزاء بعقولنا للحدّ الذي جعلهم يتخيّلون بأنه من الممكن أن نصدق مثل هذا التزييف الذي يختبئ وراءه الهدف الحقيقي في استحضار المزيد من الألم والخوف للشعب الفنزويلي لتبرير رغبة فريق ترامب في إزاحة النظام في أمريكا اللاتينية كنسخة مصغرة عما حصل في الحرب الباردة. فعلى قدم وساق وبالتناوب فيما بينهم يقود كلّ من بولتن ووزير الخارجية مايك بومبيو عملية إعادة إحياء الحرب الباردة في أمريكا اللاتينية، وكلاهما ينتمي إلى المحافظين الجدد قساة القلوب المنادين بالحرب على نصف الكرة الأرضية، وهما العقلان المدبران اللذان يضغطان من أجل الحرب ضد إيران. وقد بات هذا واضحاً بشكل متزايد في رغبة الرئيس دونالد ترامب في أن يصبح “قائد حرب” تظهر في تصريحاته وأفعاله التي تُنذر برغبته بقرع طبول الحرب. وبما أن النتائج المترتبة عن شيطنة “اشتراكيي” أمريكا اللاتينية وحرب رعناء في الخليج الفارسي ستكون كارثية فعلينا التأهب والاستعداد، والظروف التي نعيشها حالياً تذكرنا بما قاله كارل ماركس “التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي المرة الثانية كمهزلة”. والمفارقة المضحكة في هذه الكوميديا السوداوية تكمن في أن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية وإسرائيل هم “الترويكا الطاغية” الحقيقية وهم الطغمة الطاغية التي تعمل على إثارة الفوضى في منطقة الشرق الأوسط والعالم. فالسعودية هي صاحبة الحظوة لدى أمريكا، وهي منجم الذهب الأسود بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وتاريخ الدعم الأمريكي للعائلة المالكة السعودية يعود إلى وقت طويل، إلى الحرب العالمية الثانية، عندما التقى الرئيس فرانكلين روزفلت بالملك عبد العزيز على متن البارجة الأمريكية كوينسي في الخليج وأبرما الصفقة الشيطانية المشتركة فيما بينهما والتي حافظت على مدى كل هذه العقود على تدفق النفط على الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك مقابل الدعم الذي ستقدمه واشنطن للمملكة السعودية وغضّ الطرف عن انتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان.
لقد استخدم أفراد العائلة المالكة في السعودية ثرواتهم النفطية لنشر العقيدة الوهابية المتعصبة للنظام والتي مهّدت الطريق لهجمات الحادي عشر من أيلول، فضلاً عن الدعم الذي قدمته السعودية لجبهة “النصرة” في الحرب على سورية، وهو النظام نفسه الذي أعدم 37 رجلاً إعداماً جماعياً وقطّع رؤوسهم، فضلاً عن العرض العلني للجثث المقطوعة الرأس، هذه الإعدامات التي أدانتها منظمة العفو الدولية. واليوم يواصل آل سعود إرهابهم ضد المدنيين في اليمن، فما لا يقلّ عن 85000 طفل يميني جوّعوا حتى الموت بسبب الحصار والقصف السعودي الوحشي في الحرب التي يشنّها على اليمن والتي تسبّبت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم إلى جانب تفشي وباء الكوليرا. وعلى الرغم من كل ذلك دأبت واشنطن على البقاء إلى جانب العائلة المالكة، حتى أن ترامب أظهر حجماً أكبر من الدعم للسعودية أكثر من سابقيه، ناهيك عن علاقات الصداقة التي تربط بين صهر ترامب جيرارد كوشنير وبين ولي العهد محمد بن سلمان.
وبالتأكيد لم يعد الطرف الثالث في هذه “الترويكا الطاغية” خافياً، فالقمع الوحشي الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بات مفضوحاً عبر ممارساته العنصرية، ونظام الفصل العنصري الذي تقوم به إسرائيل بطريقة ممنهجة ومنظمة في كل مكان من الأراضي الفلسطينية أصبح واضحاً من خلال ضم الأراضي الفلسطينية وسحبها من الفلسطينيين ومنعهم من ترميم المنازل أو إنشاء الأبنية الحديثة، ورفض نتنياهو وقف بناء المستعمرات اليهودية على الأراضي الفلسطينية ليزيد من اضطهاد الفلسطينيين بالتشجيع على التمييز الطائفي، وتفتيت المجتمعات العربية تحت غطاء من الدعم اللا محدود من الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة ترامب الذي قام بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة واعترف بضم إسرائيل غير الشرعي لمرتفعات الجولان السورية المحتلة وزاد من تدفق المساعدات العسكرية والأسلحة لإسرائيل.
لا عجب أن تكون إسرائيل هي من تدير هذه المجموعة الثلاثية “الترويكا الطاغية” لأن “بيبي” نتنياهو هو من يقود السياسة الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. واليوم تسعى إسرائيل والسعودية ( دولتا الترويكا) إقناع الطرف الثالث (الولايات المتحدة) ودفعه لخوض حرب ضد إيران في سيناريو أشبه بـ”هزّ ذيل الكلب” والذي تلعب فيه واشنطن دور الكلب.