ثقافةصحيفة البعث

صورة المثقف في رواية “شوكة في الحلق”

يحمل عنوان رواية الزميل الأديب نصر محسن تساؤلا مشروعا عن ماهية وكنه هذه الشوكة في الحلق، وهو يعرض بكثير من الحرفية والإخلاص للفن جوانب من الحياة النفسية للفنان وهو هنا ليس التشكيلي بحد ذاته، بل من حيث يمثل شريحة من المثقفين، اختلف كثيرا في صورة هذا المثقف وعلى مثال هو..
لا أدري ما إذا كان نصر قد جعل همه فضح هذه الشريحة وتعريتها وبيان ما يعتري سلوكها من متغيرات تبدو في كثير من الأحيان غير منطقية ولا تستند إلى مشروعية، والأهم كونها متباينة بين مثقف وآخر، إنما يجمعها هذا القلق والازدواجية. ولا يتورع الكاتب من أن يبوح بلسان بطله سلفادور العربي (بشير عبد الله) بكل ما يراه من صفات لا تليق بالإنسان العادي فكيف بالمثقف والذي مازالت صورته نقية محرضة على الإقتداء، وليس على تحاشيها، فهي، وهنا بين يدي الكاتب لا ينقصها عيبا من عيوب المجتمع، وهي التي يتسم بها السلوك المنحرف كالرياء والنفاق والتردد وتضخم الأنا.
وهنا لابد من الاعتراف بمهارة الراوي في تقديم صورتين غير مألوفتين الأولى كما ذكرت الفنان كممثل لشريحة، والثانية صورة الأم عبر الحديث عن أم بشير، تلك المرأة التي قدمها الراوي كنموذج فرعوني مستبد، هي الآمر الناهي، وأكثر ما آلمني في صورتها أنها تخفي الحنان ولا تظهره على أي نحو، سوى أنها بنت غرفتين لسلفادورها لكي ينعم بحياة زوجية تقطع عليه تردده ما بين الاستقرار في بلده وبين الهجرة والبحث عن الذات في معاهد الفن العليا بباريس، حيث الشهرة والعالمية التي وصل إليها أستاذه حميد عارف.
هذا الفنان الأستاذ نموذج آخر أو صورة مغايرة عن المثقف حيث يسجن ويغيب ثم يعود نجمه للظهور في الجنوب اللبناني بعد انتصار الجنوب بصموده الرائع، قادما من باريس، وليكون محرضا لسلفادور على إنجاز لوحاته التي ستعرض احتفاء بالنصر، وهنا تظهر قدرات المعلم وتأثيره على طالبه الحرن، فيبدع لوحة تنال الجائزة الأولى وعنوانها “شوكة في الحلق”.
مما لا شك فيه أن الكاتب نجح في مسعاه حين ربط انتصار مشروعه الفني الكبير بانتصار المقاومة في الجنوب، وهو الحدث العظيم في تاريخنا المعاصر والنصر الذي نحتاجه في زمن انعدمت فيه الإنجازات الأصغر من النصر على عدو مدجج بكل صنوف القهر، يسانده نظام رسمي عربي أوغل في الوهن والتردي والخيانة. نجاح نصر محسن صاحب رواية العفن التي أراها واحدة من الروايات الأجمل في أدبنا الروائي في تقديم صورة مغايرة للأم، لا ينفي موقفي من هذه الصورة فليس محمودا ولا مفيدا أن نكسر تلك الصورة الأيقونة التي نعلقها في قلوبنا وعقولنا للأمهات، وإن كان يملك من تبرير لهذه الصورة بالاستناد إلى الواقعية فهذا شأنه.
“شوكة في الحلق” إضاءة على واقع قابل للكشف والتعرية يطول الحديث عنه ويتشعب، وربما هو أكثر عريا مما يبدو عليه من انكشاف خذلانه، فالطموحات كبيرة في أن يأخذ المثقف دوره في الحياة بحيث تأتي البيادر على قدر حسابات الحقل، لا أن يتحول المثقف إلى عاجز يبيع أغلى ما لديه كما باع سلفادور العربي لوحاته ليقتات، فالعجز هو السمة الغالبة، وأين المفر؟ وكيف لنا أن نحدد سبل الخروج مما نحن فيه من دون مشرط الجراح أو دون حوار معمق يضع النقاط على الحروف، ليس للتباهي وعرض العضلات في بيان الواقع بل لتلمس ملامح الدرب والسير ولو خطوة، ولا حاجة لأن نظل نلعن الظلمة دون أن نتعلم كيف نصنع الشموع، وقد أرى أن هذا البيع، وإن صدر عن حاجة، إلا أنه لا يختلف كثيرا عن بيع الوسام في مسرحية “كاسك يا وطن” لمحمد الماغوط، والهدف واحد والذريعة ذاتها.
يبقى من الضروري والمفيد أن نشير إلى الحضور العربي في الرواية عبر شخصيات من المغرب العربي كالتونسي منصف بوعمة اللاجئ السياسي الهارب من الظلم، ومحجوب الفلسطيني الذي يحيا حياة مهمشة يقضيها في نادي الصحفيين على حساب ميساء النوري بنت جبيل، وهي الشخصية النسائية التي كشفت وعرت شخصية المثقف العاجز، وكذلك سماح القاضي الصحفية التي تكمل تلك الصورة. باختصار لم يكن الحضور النسائي تجميليا كما في كثير من الأعمال الروائية التي يطغي عليها التصيد.

رياض طبرة