قبل أن تقع الفأس بالرأس؟!
حقيقة لم نتفاجأ ونحن نقرأ خبراً مفاده، أن عدد السكان في سورية يتزايد بمعدل نمو مرتفع خلال الحرب وهو ما أدى إلى زيادة في عدد السكان على الرغم من الهجرة والوفاة وغيرها من الأسباب.
لن نخوض في أسباب ذلك التزايد، إذ وبالأصل تعدّ سورية من أوائل الدول الأعلى نمواً بمعدل التزايد السكاني في العالم، ولا نعتقد أن الأمر تغيّر كثيراً، لا بل مستمر على حاله..!، وهنا مربط الفرس؟.
بداية وقبل الانتقال لما نريد التنبيه منه، نورد معلومة صدرت مؤخراً؛ تقول المعلومة: إن “20% هي نسبة سكان البلدان المتقدمة من سكان العالم، و80% يشكلون سكان البلدان النامية، في حين أن 80% من الدخل العالمي هو من نصيب سكان البلدان المتقدمة و20% فقط هو من نصيب سكان البلدان النامية”.
والسؤال المبرّر طرحه على ما سبق: هل بمقدورنا استراتيجياً المحافظة على نسب نمو معدل زيادة سكانية سنوية مدروسة جداً، ونحظى بنسبة دخل أعلى تتناسب طرداً مع وضعنا السكاني والاقتصادي؟.
لا نريد ذلك على المستوى العالمي، بل على الأقل على المستوى العربي، حيث كان معدل نمونا سكانياً قبل الأزمة 2.45% سنوياً، وكنّا نشكل 5.8% من عدد سكان الوطن العربي البالغ 307 ملايين نسمة..!، فالهدف الأسمى والأجدر الواجب الوصول إليه دون إبطاء، هو محاولة الحدّ من استهلاك أو ابتلاع أي نسبة نمو اقتصادي محقق، هذا مرحلياً.
أما الطويل الأمد أو المستدام، والواجب أيضاً تحقيقه، فهو التحوط من أي انفجار سكاني يذهب، في غفلة انشغالنا بأولويات لا تزال غير واضحة، بأي أمل في تحقيق معدلات نمو اقتصادي مستقبلية، حيث ميزان الموارد والسكان، وواقعهما في أسوأ حالاته.
وعليه فإن عدد السكان في سورية وتوزعهم الجغرافي، ومراحل التحول الديموغرافي، يفرض قراءة جديدة لواقعنا، وعلاقته بالتنمية الاقتصادية والتنمية البشرية والصحة ومشكلة البطالة والرعاية الاجتماعية والعشوائيات وتآكل الفئات الوسطى، إضافة إلى توزيع الثروة والدخل القومي، ناهيكم عن أن أي ارتفاع لمعدل النمو، لهو ما له من انعكاسات خطيرة على الموارد الطبيعية والبيئة وتدهورها.
إن مؤشر تزايد النمو السكاني بشكل يومي، يحتاج إلى مراقبة يومية مع تدقيق سريع، لمعرفة أبرز التطورات فيه، وإطلاق سياسات تتناسب مع هذا النمو المتزايد، وذلك قطعاً لأي ثغرات قاسية تؤثر على عملية التنمية المجتمعية، وبالتالي تنعكس على البطالة، والدخل، والاستثمار وغيرها الكثير. كما أن النمو السكاني غير المدروس والمحدّد، يؤثر على سوق العمل، فيزيد من عرض قوة العمل، إلاَّ أن هذا العرض الإضافي لا يساهم في زيادة الإنتاج، إذا لم يتناسب مع الموارد المتاحة، وإنما سيؤدي إلى زيادة معدلات البطالة ويخفض من مستوى الأجور، وبالتالي تدني المستوى التأهيلي لقوة العمل المستقبلية، بسبب تأثير انخفاض الأجور على التركيب التعليمي للسكان. أما النمو السكاني على الادخار والاستثمار، فيؤدي إلى زيادة انخفاض الادخار والاستثمار، وبالتالي انخفاض معدل النمو الاقتصادي والدخل الفردي، فالتزايد السكاني يؤثر سلباً على عملية خلق التراكمات اللازمة لعملية التنمية..
كما أن ارتفاع عدد السكان يرفع عدد المواليد في المجتمع، وهذا يؤدي بدوره إلى انخفاض نصيب الفرد الواحد، ما يضعف مقدرة الأسر والأفراد على الادخار، وانخفاض مستوى دخل الأسرة بالمقارنة مع عدد أفرادها يجعلها لا تفي باحتياجات هؤلاء الأفراد من المادة الاستهلاكية الأساسية، ويمنعهم من أي مدخرات ذات معنى، وعندما يكون حجم الادخار في المجتمع ضعيفاً، فسيكون بالتالي حجم الاستثمار ضعيفاً أيضاً، والنتيجة ستضعف قدرة المجتمع على المشاريع الاستثمارية، والتي ستعرقل عملية التنمية الاقتصادية.
قصارى القول: إن التخطيط للنمو السكاني المتزايد عبر آليات حديثة، يحتاج إلى دراسات مستفيضة في هذا الشأن، لتفادي ما سيحدث مستقبلاً، ورحمى من قال: “أن تجبرها قبل كسرها خير ألف مرة من أن تجبرها بعد أن تكسر”، فهلا تنبهنا قبل أن يصبح الفأس بالرأس؟!.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com