الكتابة للطفل
نزار بدور
إن الجانب المثالي لمعنى “اللغة” في دورها بعداً تواصلياً, إنما يؤكد حيوية هذا المسار في وعي العلاقة العضوية الترابطية في تحقيق جمالية الخطاب, ولا سيما, الخطاب المتبادل حيث إن “اللغة” أداة الفكر, ووسيلة المعرفة, وبذار العقل المبدع أيضاً0
هذا, وقد أكدت جميع نظريات النمو المعرفي/ العقلي أن أصل الذكاء الإنساني كامن فيما يقوم به الطفل من أنشطة حركية حسية, إنما تراه يتراءى بعداً مثالياً تواصلياً ضمن المستوى النمائي له من حيث متسعه بعداً لغوياً, هو قسط من نتاج الخبرة الجماعية التراكمية في فك الرموز تعزيزاً لمضمون المخزون اللغوي الذي ينسرب تجدد ثراء في تساوق ربط بين مفردات الرموز وأشكال الواقع إذ القراءة تغدو سبيلاً واضح المعالم في إبراز هذا الحال الناهض في إدراك مهارة القراءة تنفيذاً لمعنى: القراءة فنّ يقظة الكلمات, من خلال غنى المعارف بشكل عام, وعلى المستوى النمائي للطفل على المستوى الخاص.
إن مراعاة خصائص النمو الانفعالي عند مباشرة الكتابة للطفل, أو حتى التحدّث إليه تقتضي التوقّف عند دلالة النمو الانفعالي والاجتماعي والعقلي, واللغوي لأن مجمل تلك المدارات هي بمنزلة البيئة الوجدانية المتكاملة الأبعاد معنى ومبنى، فالخبرة هي الأصل، وهذا كلّه يفسح في المجال إلى المزيد من استنهاض المضاربة لدور القراءة في نشر عبق التذوق الفني الجمالي عبر فيض الأسيقة التعبيرية ذات الخصوصية الدلالية في وعي المفردات والتراكيب والجمل والجمل التي تفيض بسمات الكتابة للطفل وفق الجانب النفسي لعلم النفس النمائي ومقاربة بناه المعرفية على دروب التواصل والإبداع له0
ومن المؤكد أن محاكاة الحاجات الأساسية للطفل وتجسيدها عبر منتج في جنس من أجناس الأدب- نشيد أقصوصة- سوف يحقق دافعية الشغف والتعلّق لدى الطفل في محاولة تبصّر جملة الأشياء التي تسعد رغائبه, وقد توافرت في تلك الأجناس مرامي خصوصية الكتابة للطفل لغةً, وسعة الخيال عنده فضاءً متخيّلاً مما يثري ما ينزع إليه من إشباع حيث الدفء والطمأنينة والحنان, واللعب, والتعرّف والاكتشاف.
إن الكتابة بوعي بنائيتها معرفياً ومنظومة قيم, قوتها في مدى تحقيق تلقائيتها فطرياً إلى مدى تجسيدها إدراكاً عقلياً ووجدانياً بما يجسّد حضور ذلك كله في مهارة سلوك يتماشى والوعي الجمالي والتربوي والقيمي, فإنّ هذه الكتابة تحاكي هذا الطفل في مستواه العمري فيسهم ذلك في العمل على إعداده لينتقل تدريجياً من مجتمع صغير إلى حيث تترافد الخبرات في وعي المجتمع الكبير لذلك ترى أن الجانب النمائي يتسرب في أعطاف الخبرة المعرفية النفسية لآلية الكتابة المتدرّجة والموافقة لتسلسل المراحل العمرية حتى يتماشى ذلك والرؤية المنطقية في منطلق التجربة المعمارية لإعداده وفق مرتسمات المعارف والخبرات والمهارات، وتنوّع معطيات ثنائية المساندة الاجتماعية والنفسية، وقد تعاضد في ذلك وعي الحلقة الأولى في معطى المجتمع “الأسرة” ومن ثم “الرياض” وبعدئذٍ “المدرسة” ومن ثم “المدارس الخلفية” من وسائط معرفية متعددة تتسع لها مجالات الحياة0
لا شك أن الفروق الفردية حاضرة في الكتابة للطفل من حيث المبدع ومدى تمثّله لخبرات هكذا نمط كتابي, وكذلك حاضرة بالنسبة للمتلقي لذلك نرى تردد دافعية التعلّق بعمل دون غيره/ حكاية, نشيداً, مسلسلاً../ إنما تتجلى في آلية التوازي بين فرق العتبة أو ضيقها لدى كل من المرسل “المبدع” أو المتلقي “الطفل” وهذا يعني تجاوز تنميط محدد من جانب, ويوضح جمالية التباين في المعرفة والتذوق من جانب آخر، لكننا مع ذلك نجد توافقاً أكثر اطراداً في موضوعات قالها منتج إبداعي ليغدو قاسماً مشتركاً على لسان أغلب الأطفال وفي احتفائهم به، لكأن هذا التوافق هو صدى خبرة وعي الكتابة للطفل في إدراك سمات خصائصها النفسية في محاكاة عوالمه على صعدها المختلفة والمتنوع، فالكتابة للطفل في وعيها “كتابة عالمة” تعني مسؤولية كبيرة مداها عقلٌ معرفي واسع الاطلاع, وذهنية منفتحة على كل ما هو جميل.