اقتصادصحيفة البعث

تشبه العلامات التجارية ولا يحق لقطاع الأعمال تملكها المؤشرات الجغرافية تعزز القيمة الاقتصادية للمنتجات الوطنية وتدعم جودة الإنتاج

يسهم المؤشر الجغرافي (إشارة توضع على سلع ذات منشأ جغرافي محدد أو صفات أو شهرة أو خصائص يمكن أن ترتبط أساساً بذلك المنشأ) في حماية الثروات الوطنية سواء أكانت طبيعة أم صناعية أم حرفية، بالنظر لكونها تشكل قيمة مضافة للمنتجات المحلية، وتحقق عديد الفوائد للمنتج والعميل والمستهلك في آن معاً.

وساعد تعدد المناخات في البلاد، عبر مناطق جغرافية مختلفة من سواحل وسهول وجبال وصولاً إلى البادية، على إيجاد بيئة خصبة ومناسبة لمنتجات متنوعة وصناعات وحرف شعبية اشتهرت بها سورية لقرون طويلة، فهناك السيف الدمشقي وأقمشة البروكاروالدامسكو والموزاييك وقمر الدين المعروف على نطاق واسع عربياً، والذي قدمته سورية للعالم منذ العصر الأموي، والحلاوة الطحينية وغيرها من المنتجات، التي يفخر السوريون بأنهم دون غيرهم من قدمها للعالم.

فارق مهم..

يخلط كثيرون بين العلامة التجارية والمؤشر الجغرافي، ولكن واقع الحال يقول إن ثمة اختلافاً مهماً بينهما، هو أن الأولى تنتمي لشركة أو مؤسسة، بينما الثاني لبلد أو إقليم، وهكذا، فإن العلامة التجارية إشارة تنتفع بها شركة لتميز منتجاتها وخدماتها عن منتجات شركات أخرى وخدماتها، وتمنح مالكها الحق في منع الغير من الانتفاع بالعلامة، في حين أن المؤشر يبين للمستهلك أن المنتج صادر عن مكان معين، ويتسم بصفات تعزى إلى مكان إنتاجه. ويجوز لكل المنتجين الذين يصنعون منتجاتهم في ذلك المكان، أن ينتفعوا ببيان جغرافي على منتجاتهم التي تتسم بالصفات نفسها.

مساهمة اقتصادية

تعد المؤشرات من الأصول غير الملموسة (المعنوية)، ما يعزز الدور الذي يمكن أن تقدمه للباعة والمستهلكين والمنتجين وحتى الحكومات، ولما كانت السلع التي تنتمي للمؤشرات المحلية، محل تعد وتقليد في الأسواق الداخلية والخارجية، أصبحت الحاجة ملحة لحمايتها، فمن المألوف أن يقوم بعض المنتجين بطرح منتجات رديئة، ويسوقونها على أنها منتجة في سورية، كإنتاج صابون رديء وبيعه على أنه مصنوع من أوراق الغار؛ ما دفع الدول للمسارعة في حماية مؤشراتها في السنوات الأخيرة بشكل واضح، حتى باتت سلع هذه المؤشرات معروفة ومشهورة، بل يتبادر إلى أذهان العملاء والمستهلكين حول العالم بأن هذه السلعة تكون فاخرة وثمينة حين تنتج في هذا البلد أو ذاك؛ لذا نجد الجلد الإيطالي وتبغ هافانا والزجاج الفرنسي والساعات السويسرية والحرير الكشميري والسجاد الأصفهاني وهكذا..

الوردة الشامية.. مثالاً

لمنتجات المؤشرات أهمية اقتصادية وتنموية كبيرة، فمثلاً تشكل منتجات الوردة الشامية مصادر دخل لعديد الشرائح الاجتماعية، حيث يدخل ماؤها في الصناعات الطبية والصيدلانية ومستحضرات التجميل، وفي صناعة المربيات والحلويات، ناهيك عن الأثر البيئي والطبيعي لها، إذ توفر بيئة ملائمة لتربية النحل، ولاسيما أنها تزرع بعلاً وسقياً، كما تسهم في الحد من التصحر، وتنمية عمل المرأة الريفية والترويج السياحي.

ويشير رئيس الاتحاد العربي للمشاتل والأزهار المهندس محمد الشبعاني إلى أنه جرى تحديد وتسجيل منتجات الوردة الشامية وفقاً لضوابط هيئة المواصفات والمقاييس، خاصة مع ما تمثله هذه المنتجات من أهمية اقتصادية، لأنها تشكل منجماً مهماً من مناجم الطبيعة، وهي أغلى من الذهب وأبقى من النفط، فسعر الكغ الواحد من زيتها يصل إلى /37/ ألف يورو، كما أن عطرها يعتبر من أغلى العطور حول العالم.

وأثبتت الدراسات التي أجريت حول الوردة، أنها من موجودات البيئة السورية منذ آلاف السنين، وأن تحليل عوامل البصمة الوراثية لها (دي ان ايه)، يؤكد أنها انتقلت من سورية عبر القوافل التجارية والحجيج والحروب إلى أوروبا والمغرب وإيران وتركيا وبعض دول الخليج وغيرها.

ويمثل معرض الزهور المقررة إقامته في 26 من الشهر الجاري في حديقة تشرين بدمشق، وبمشاركات واسعة محلية وخارجية، فرصة مهمة للترويج للمؤشرات الجغرافية المختلفة، وللمساهمة في تنشيط السياحة الداخلية ولمنتجات الأزهار، وذلك بالتزامن مع التوجه لإقامة جناح خاص للزهور في معرض دمشق الدولي قريباً.

المؤشرات لا تسجل لأحد

ملكية المؤشر هي ملكية وطنية عامة، وبالتالي لا يمكن تسجليها باسم شركات أو مؤسسات أو أفراد، وهو أمر تصدر مديرية حماية الملكية في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تعاميم بشأنها على الوزارات والجهات ذات الصلة باستمرار، وفقاً لما يقول مدير الملكية سمير حسن، الذي يؤكد الانتهاء من تسجيل عديد المؤشرات، والتي من أبرزها.. الفستق الحلبي، الوردة الشامية، صابون الغار الحلبي وغيرها.. فيما تجري دراسة بقية المؤشرات مع الوزارات الأخرى، ولاسيما الزراعة والصناعة، لإنجاز تسجيلها واعتمادها.

ولفت حسن إلى أن تسجيل هذه المؤشرات لا يقل أهمية عن تسجيل باقي فروع حقوق الملكية الفكرية كالعلامات التجارية والنماذج الصناعية وغيرها، لما لها من مزايا، موضحاً أن عملية التسجيل تضفي على المؤشر صفة الشرعية القانونية، إضافة لمنع الآخرين من استخدامه، كما يمنح حقوقاً اقتصادية لمنتجي ومصدري السلع والمنتجات التي تأتى من منشأ جغرافي محدد.

ومن التسميات الجغرافية للمنتجات السورية التي من الممكن تسجيلها محلياً كمؤشر، وذلك لحمايتها عالمياً من القرصنة والحفاظ على ميزاتها المحلية الشهيرة.. تفاح الجولان السوري، غنم العواس، الماعز الشامي، الأبقار الجولانية والشامية، الخيول العربية الأصيلة، إضافة لبعض الحمضيات والتفاحيات والأعناب ونبات القبار والسوسنة، والصناعات اليدوية والحرفية المتنوعة.

ضعيفة..عربياً

ويرى خبراء أن أهمية حماية المؤشرات عبر الدول العربية، تنبع من كون القوانين المتعلقة بها غير مطبقة، بالرغم من وجود عدد قليل من الدول، التي سنت قوانين في هذا المجال، علماً بأن هناك مؤشرات عربية كثيرة ذات شهرة عالمية وتحتاج إلى حماية خاصة في بلاد الشام ومصر والخليج.

يذكر أن قانون العلامات الفارقة والرسوم والنماذج الصناعية رقم 8 لعام 2007، ترق ولأول مرة، إلى المؤشرات الجغرافية، وأفرد لها فصلاً خاصاً يتضمن حمايتها قانونياً، ولاسيما ما يتعلق بإنتاج ثلاث فئات محددة هي المنتجات الزراعية والطبيعية والصناعات اليدوية. وبما أن المؤشرات فرع من فروع حقوق الملكية الفكرية، فإن عملية تسجيلها أيضاً ليست إجبارية، ولكن يبقى تسجيلها السبيل الوحيد لتأمين الحماية القانونية لها ضد الغير.

أحمد العمار