دراساتصحيفة البعث

عندما تتحدى التضاريس جنون ترامب!!

ترجمة وإعداد: هيفاء علي

في ظل التهديدات المتواصلة التي تطلقها إدارة ترامب ضد إيران كنوع من الضغوط لانتزاع تنازلات منها، يقف العراق في وجه التحريض الأمريكي المستمر بحكم جوار مع إيران.. ولحسن الحظ بالنسبة لإيران، فإن رياح التغيير في العراق والعديد من البلدان المحلية الأخرى التي تتعرض لنفس النوع من التهديد هي سلسلة متواصلة من الدعم من الحدود إلى الحدود. هذا الدعم يرجع جزئياً إلى التعاطف مع إيران والموقف الصعب الذي واجهته في أحدث صيحة من الفتوة الأمريكية.

في سياسة الشرق الأوسط، المال هو جوهر كل القضايا. على هذا النحو، فإن هذه المجموعة من الدول الدفاعية تتحرك بشكل جماعي وسريع نحو المجال الجديد للتأثير الاقتصادي الصيني الروسي لتشكل الآن محيطاً دفاعياً جيو-سياسياً مع دخول العراق إلى المجموعة، ما يجعل الحرب البرية الأمريكية مستحيلة تقريباً والحرب الجوية محدودة جداً في الفرص.

في غضون الشهرين الماضيين، أطلق النواب العراقيون نداءات ذات حجم تطالب بمغادرة جميع القوات العسكرية الأجنبية – وخاصة القوات الأمريكية – البلاد على الفور، ودعا سياسيون من الكتلتين في البرلمان العراقي المنقسم إلى التصويت لطرد القوات الأمريكية ووعدوا بتحديد موعد لعقد جلسة خاصة لمناقشة القضية.

من جهته، صرح السفير العراقي في موسكو حيدر منصور هادي إن العراق “لا يريد حرباً مدمرة أخرى في المنطقة”. وقال في مؤتمر صحفي في موسكو لاحقاً “العراق أمة ذات سيادة. لن نسمح للولايات المتحدة باستخدام أراضينا”. ومن ثم تم تقديم طلب لمطالبة الولايات المتحدة وإسرائيل بتعويضات عن الحرب لاستخدام أسلحة محظورة من قبل التحالف الدولي أثناء تدمير العراق لمدة سبعة عشر عاماً دون العثور على “أسلحة الدمار الشامل” هذه.

مع استمرار نمو الروابط الاقتصادية بين العراق وإيران، وقع العراق مؤخراً على مليارات من الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي الإيراني، فيما تم اعتماد التحول إلى النفوذ الروسي عندما أرسل العراق وفداً إلى موسكو للتفاوض على شراء أنظمة الصواريخ الروسية S-400. ربما يكون النفوذ الأمريكي في العراق قد انتهى في 18 أيار 2019، عندما تم الإعلان أن البرلمان العراقي سيصوت على مشروع قانون يجبر المحتلين على المغادرة.

العراق له حدود مشتركة مع إيران، لذلك تحاول الولايات المتحدة يائسةً السيطرة عليها من خلال شن حرب برية، كما تشترك الدولتان أيضاً في ديموغرافيا دينية مماثلة وتعددية الثقافات متشابهة إلى حد كبير، كما يشترك كلاهما أيضاً في كراهية عميقة إزاء أمريكا.

يتطلب التدخل البري حدوداً مشتركة وآمنة، ومن دون العراق تصبح هذه المشكلة الاستراتيجية للقوات الأمريكية كبيرة. الدول الأخرى التي لها حدود مع إيران هي أرمينيا وأذربيجان وتركمانستان وتركيا وأفغانستان وباكستان. جميعها لديها عدة أسباب وجيهة لعدم استخدامها من قبل القوات البرية الأمريكية.

مع اعتقال الرئيس الأرمني السابق روبرت كوتشاريان في أعقاب الاحتجاجات الضخمة المناهضة للحكومة في عام 2018، قد يخرج بولتون هذا الاسم من القائمة أولاً. والوضع في أذربيجان ليس أفضل حالاً من الوضع في أرمينيا المجاورة، حيث تتزايد الاحتجاجات المتكررة التي تشير إلى تحول نحو الرياح الشرقية. أياً كان الأمر كذلك، فإن أذربيجان، مثل تركمانستان، هي دولة منتجة للنفط، وعلى هذا النحو، ترتبط بقوة مع روسيا اقتصادياً. يبدو الولاء السياسي واضحاً لأن النفوذ الأمريكي محدود في البلدان الثلاثة جميعاً، نتيجة لموقف الولايات المتحدة، الذي يتجاهل بشكل أعمى الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن النفوذ الاقتصادي الروسي يدفع نقداً. النفط الخاضع للسيطرة الروسية هو شريان الحياة لكلا البلدين. تظهر التطورات الأخيرة والعقود الدولية الجديدة مع روسيا بوضوح لمن يستمع لهؤلاء القادة حقاً.

أين تركيا من كل هذا؟

يبدو أن تركيا، المحسوبة على الناتو بالاسم فقط، تتأرجح بقوة في النفوذ الروسي. فمنذ إسقاط الطائرة الروسية الأولى والأخيرة، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتجاهل الأمريكيين ورفض الخضوع للضغوط الأمريكية وسوف يتلقى النفط الإيراني، وفي تموز، سوف يستلم أنظمة الصواريخ الروسية المضادة S-400.

على الصعيد الاقتصادي، بذلت أمريكا كل ما في وسعها لوقف خط أنابيب الغاز التركي ستريم الذي ركبته شركة غازبروم الروسية، والذي يعبر تركيا إلى أوروبا الشرقية وسيجلب مليارات الدولارات إلى أردوغان وتركيا مع دخوله حيّز الخدمة هذا العام. ومع اقتراب نهاية المهلة التي منحتها واشنطن لأنقرة للعزوف عن صفقة الصواريخ الروسية، تستعد أنقرة لتلقي العقوبات الأمريكية، وهي بذلك تخوض حرباً برية وجوية، لأن فاعلية كل طائرات S-400 هذه يمكن استخدامها جيداً إذا كانت أمريكا ستشن من مواقعها البحرية في البحر المتوسط. لم يعد الهجوم من البحر الأسود ذا صلة حيث باعتباره محاصراً من قبل الدول الواقعة تحت النفوذ الصيني الروسي وأي هجوم على إيران سوف يضطر إلى عبور المجال الجوي الوطني بشكل غير قانوني إلى جانب الدول التي تفضل تحالف صيني- روسي يعزز السلام.

أفغانستان مستبعدة نظراً لفوز حركة طالبان، إضافةً إلى التضاريس الصعبة بالقرب من الحدود الإيرانية التي تجعل الغزو البري أمراً مستبعداً. على الرغم من أن الرئيس الباكستاني الجديد عمران خان يمتلك كل السلطة، إلا أن السلطة الحقيقية تكمن وسط الجيش الباكستاني والاستخبارات الباكستانية التي أنهكها النفوذ الأمريكي. فقد عملت الاستخبارات الباكستانية على التسويق لحركة طالبان لسنوات طويلة، وكثيراً ما وفرت ملاذاً آمناً للقوات الأفغانية المعادية للولايات المتحدة، ما سمح لها باستخدام حدودهم المشتركة لتغطية نفسها. رغم أن المخابرات الباكستانية كانت في الماضي مرتزقة كلياً في ولاءاتها الغريبة المضللة، بعد عقد من الغارات الأمريكية بطائرات من دون طيار على الباكستانيين الأبرياء فإن احتمال السماح للقوات البرية باستخدامها منخفض جداً  وكما هو الحال في أفغانستان، فإن التضاريس تزيد من هذا الاحتمال.

وبالنظر إلى التضاريس ومواقع الحرب البرية وقياس حجم الفشل الذي يمكن أن ينتج عن عدم القيام بذلك، فإن فشل العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني عام 2006 أكبر شاهد على دور التضاريس، حيث تمكنت المقاومة اللبنانية من صد الهجوم البري والقضاء عليه وعلى الدروع الثقيلة ودبابات القتال في تلال جنوب لبنان. وقد كلف هذا الفشل رئيس الوزراء إيهود أولمرت وظيفته.

بالنسبة إلى دول الاتفاق الصيني-الروسي، وتلك التي تميل في اتجاهها، فإن تعريف المصلحة الوطنية للأجنبي لم يعد عسكرياً، بل إنه اقتصادي. أولئك الذين لديهم الموارد، وبالتالي مستقبل واعد كجزء من فلسفة التوسع والعرض الاقتصادي للميثاق الصيني الروسي لم يعد لديهم فائدة كبيرة من “عقوبات الامبراطورية”، وقادة هذه الدول يتمتعون برؤية طبيعية للغاية: الحرب… ليست مربحة بالنسبة لهم.

بالنسبة لإيران، فإن الدائرة الجغرافية والاقتصادية والجيو-سياسية للدول الدفاعية تكملها سورية ولبنان والعراق. فلدى سورية، كما العراق كل أسباب احتقار الأمريكيين واحتضان إيران وروسيا والصين ولبنان المجاورة. لدى سورية الآن نظام S-300 الروسي الخاص بها الذي يحطم الصواريخ الإسرائيلية بالفعل.. لا أحد يعرف ما الذي يمتلكه حزب الله، لكنه كافياً لإبقاء الإسرائيليين في وضع حرج إلى جانب الجيش اللبناني الذي بات أكثر استعداداً حالياً وحكومة العدو الإسرائيلي تعرف ذلك حق المعرفة.

يحطّم لبنان وسورية معاً احتمال وقوع هجوم بري، تاركين القوات البحرية الأمريكية والجيش الأمريكي يبحثان لفترة طويلة في المياه المفتوحة للخليج العربي انطلاقاً من الأراضي السعودية أو عبر أحد حلفائها القليلين من الناحية العسكرية في جنوب الخليج.

سيكون المجال الجوي الصديق أيضاً محدوداً جداً، بحيث تتم إزالة العنصر التكتيكي لمفاجأة أي هجوم وارد. واقع هذه الحلقة الدفاعية من الدول يعني أن الخيارات العسكرية الأمريكية ستكون محدودة للغاية. إن عدم وجود تهديد بغزو بري وغياب عنصر المفاجأة سيسمحان للدفاعات الإيرانية بتحديد الأولويات لتكون أكثر فاعلية. فقد طورت إيران مثل روسيا والصين، بعد أربعين عاماً من التهديدات الأمريكية الإسرائيلية، أسلحة وقدرات عسكرية جديدة، إلى جانب التكتيكات، ما سيجعل أي عدوان مباشر للقوات الأمريكية ضدها حرباً متوازنة.

وعليه، إذا شنت الولايات المتحدة عدوانها على إيران فسوف تخوضه بمفردها، باستثناء القليل من كلاب الجيب الأمريكية المتبقية مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وأستراليا مع تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة في دول بحر قزوين الجنوبي.

وفي هذه الحال من المؤكد أن إيران ستغلق مضيق هرمز عند الحد الأدنى، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وإغراق الاقتصاد العالمي في المياه المضطربة للغاية. حينها لن يكون قادة الرأسمالية العالمية سعداء. في ظل عدم وجود نقطة هبوط ودية للقوات البرية، سيتعين على الولايات المتحدة إما التخلي عن هذه الإستراتيجية لصالح حرب جوية، أو رؤية أكوام من الحقائب المحملة بجثث القتلى من الجنود الأمريكيين ضحايا هيمنة الإلهام الإسرائيلي يعودون إلى ديارهم قبل بضعة أشهر فقط من موعد الانتخابات الأولية عام 2020. إذا لم يكن هذا انتحاراً عسكرياً واقتصادياً، فمن المؤكد أنه انتحار سياسي.

ربما ستشهد الحرب الجوية كارثة مماثلة. نظراً لأن إمكانات الهجوم مقيدة بشدة، فإن الأهداف الواضحة مثل البرنامج النووي الإيراني غير العسكري والبنية التحتية الرئيسية سيتم الدفاع عنها بسهولة أكبر ويزيد احتمال مقتل الطيارين الأمريكيين.

فيما يتعلق بالقوة البحرية، لن يكون لدى بولتون سوى البحر الأبيض المتوسط كمنصة إطلاق، لأنه باستخدام البحر الأسود لبدء الحرب، سيكون الأسطول الأمريكي محاطاً فعلياً بدول منحازة للاتفاق الصيني الروسي، مع عدم نسيان أن القوات البحرية، بفضل التقنيات الحديثة والأسلحة المضادة للسفن هي اليوم فريسة سهلة للدبلوماسية الشديدة. سوف تتسبب الحرب البحرية الساخنة في الخليج العربي، مثل الحرب البرية، في سقوط عدد كبير من الضحايا في الولايات المتحدة أكثر بكثير مما شهده الرأي العام الأمريكي خلال حياته وستتحطم سمعة البحرية الأمريكية.

اتفاقيات ومشاريع كبيرة هي ثمرة التعاون الجاري من آسيا إلى الشرق الأوسط ودول البلطيق بقيادة روسيا والصين.. هذه الاتفاقية الصينية الروسية التي تتطور بسرعة كبيرة تعني مجتمعة نهاية التأثير التكتيكي الوحيد للأمريكيين الباقين: التدخل والجيش. في هذا السياق:

“يجب أن نعرف الآن أن قلب اللعبة الكبرى في القرن الحادي والعشرين هو الطبقات العديدة للمعركة بين الولايات المتحدة وشراكة روسيا والصين. تشير اللعبة الطويلة إلى أن روسيا والصين سوف تحطمان الحواجز اللغوية والثقافية لقيادة التكامل الأوروبي-الآسيوي ضد الهيمنة الاقتصادية الأمريكية التي تدعمها القوة العسكرية”.

يمكن لبقية العالم المتحضر، العالم الذي يفهم التهديد العالمي المتنامي القادم من أمريكا أن يهدأ. في ظل قيادة هذا النفوذ الصيني – الروسي الجديد ، وبدون العراق، لن تشن الولايات المتحدة حرباً على إيران.

يحيط محور العقل المتنامي بإيران جغرافياً واقتصادياً بكل محبة وتعاطف. وفي هذا الولاء الجديد للثروة في المستقبل، فإن روسيا والصين هما اللتان ستتوليان زمام الأمور وستقفان بالمرصاد أمام أي حرب لا ترحم تورط الدول العميلة الجديدة.