أفضلية المستورد!
بعد نقاش طويل يمكن وصفه بالعقيم، رفعت الراية البيضاء معلناً انسحابي من الحوار مع أحد أطباء الأطفال الذين لا يؤمنون بالصناعة الوطنية، ولديهم قناعات خاصة ترجح كفة الأدوية المستوردة (الأجنبية المهربة أو النظامية) على الوطنية التي استثناها من وصفته كونها حسب رأيه غير فعالة، ولا تحقق الإصابة المباشرة للفيروسات المرضية، أو المنفعة الصحية كما سماها، رغم أن الوصفة تتضمن دواء (الكلس) الذي لا يختلف في مكوناته ما بين الوطني والمستورد إلا من حيث السعر، فالوطني سعره (1500 ل.س)، والآخر (6000 ل.س).
الحالة ذاتها تكررت عند أحد الصيادلة من أنصار الأدوية الأجنبية (المهربة والنظامية)، فبعد أن طلبت منه استبدال الدواء الأجنبي بالبديل الوطني المضمون من ناحية المصدر استشاط غضباً وقال لي بكل صفاقة: (لتكون دكتور ونحنا مو عارفين.. تعال اشتغل محلنا)، فالتزمت الصمت تاركاً له حرية التصرف على مبدأ: (أعط الخباز خبزه ولو أكل نصفه)، وخوفاً من نعتي “بالكحتوت” من قبل زوجتي والحاضرين في الصيدلية، ولكن حتى صمتي لم أهنأ به، فقد تلاشى تحت ضربات الأرقام الصادرة من الآلة الحاسبة التي أوقعت في محفظتي أكبر الخسائر التي كان من الممكن تجنبها بوجود البدائل الوطنية الحنونة بأسعارها وذات الجودة العالية التي تتفوق على الأجنبي بكل أصنافه.
وفي المقابل لا يمكن تجاوز الملاحظات على الصناعات الدوائية المحلية التي تحتاج إلى تفعيل الرقابة على الصناعات الدوائية من أجل العمل على معالجتها، وإنهاء هذا الجدل وهذه المواجهة لصالح الصناعة الوطنية التي يتم تحييدها لأسباب تجارية بحتة، بالرغم من أنها مسألة وطنية بامتياز، فهناك فئة من الأطباء والصيادلة تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في تشويه صورة الدواء الوطني، وتسويق الأجنبي، وبكل تأكيد، لا حباً في مصلحة المواطن، بل طمعاً في نسبة الأرباح العالية، إضافة إلى ما تغدق به الشركات من عروض وهدايا عليهم.
البقاء بين تفاصيل تلك المعادلة التفاضلية ما بين الوطني والمستورد التي للأسف تم حسمها في بعض الأوساط الشعبية لصالح الأدوية المستوردة، مع تنامي الثقافة الرافضة للمنتج الوطني أياً يكن، يستدعي جهوداً كبيرة، وعملاً مسؤولاً لتعديل الكفة بالاعتماد على الآراء العلمية المبنية على حقائق وأرقام تنقض الفرضية التسويقية، وتقدم وجهاً آخر للحقيقة المخبأة في جيوب الكثير من العاملين في قطاع الصحة الذين يعملون بشكل مباشر وغير مباشر على توجيه ضربات موجعة للصناعة الدوائية الوطنية بدلاً من التعاون لتطوير ودعم المنظومة الدوائية باعتبارها من الصناعات الرائدة والداعمة للاقتصاد الوطني؟!.
بشير فرزان