فرحان بلبل.. وتاريخ المسرح في حمص
يعلم معظم المهتمين بالمسرح فضل دمشق على نشأة المسرح السوري والعربي عموما من خلال المؤسس أبي خليل القباني الذي مهد لبداية حركة مسرحية مزدهرة على الساحة الفنية العربية، من خلال عدد من العروض الغنائية والتمثيلية التي قدمها في دمشق مثل “ناكر الجميل- هارون الرشيد- عايدة” وغيرها. وكذلك اسكندر فرح”١٨٥١- ١٩١٦” الذي عمل مع القباني قبل أن يستقل عنه ويشكل فرقته الخاصة. لكن قلة هم المطلعون على بدايات الحركة المسرحية في حمص وروادها الذين عملوا بالتوازي مع رواد دمشق في تلك الفترة. هذه الحركة الهامة كانت باكورة نشاط الجمعية التاريخية السورية في حمص التي استضافت المؤلف والمخرج المسرحي فرحان بلبل للحديث عنها تحت عنوان “تاريخ المسرح في حمص” إذ يرى أن المسرح العربي لم ينشأ لحاجة ثقافية بل نشأ لحاجة اجتماعية تثقيفية، فهو احد أهم أركان عصر النهضة وولد في ذروتها، ورغم مرور أكثر من قرن على ولادته فإنه مايزال حاجة اجتماعية تثقيفية، وليس حاجة ثقافية، ومن هنا يفهم بلبل سر العلاقة بين المسرح وبين الناس، فما دام يتناول قضايا الحياة ومشاكلها الاجتماعية والفكرية والسياسية، فإن الناس يقبلون عليه إلى يومنا هذا، ويدافعون عنه ويطلبونه، فإذا تخلى عن هذه المهمة انفضوا عنه، ومن يسترجع النشاط المسرحي في سورية والوطن العربي في ستينيات وسبعينيات إلى أواخر ثمانينيات القرن الماضي يتأكد من هذه الحقيقة. ومن هنا يفهم أيضا لماذا لا يقتنع الناس بالحديث عن جماليات الفن المسرحي، فليس مهما عندهم أن تتكامل جماليات العرض المسرحي إذا لم يكن موجعا لهم في جوانب حياتهم.
أما عن المسرح في حمص فقد بدأ بشكل فعلي كما يقول بلبل منذ عام ١٨٧٠، أي بعد القباني بعامين أو ثلاثة، وقد أصاب هذا النشاط توقفات كثيرة لكنه استمر حتى الحرب العالمية الأولى، فكانت خلال خمسة وأربعين عاما موئل النشاط المسرحي، وحملت وحدها بعد توقف القباني شعلة المسرح السوري.
وقسم بلبل تاريخ المسرح في حمص إلى مرحلتين: الأولى من عام ١٨٧٠ إلى ١٩٠٤ وفيها عرف الشيخ عبد الهادي الوفائي الذي تصدى للكتابة المسرحية، وإحياء النشاط المسرحي، وبرع في الشعر والموسيقى وكان من أمهر عازفي الناي في عصره، وقد التقى الشيخ القباني وحضر مسرحياته، وعندما عاد إلى حمص قدم عدة مسرحيات في بيت المير بحي التركمان، وقدم بين عام ١٨٧٠و ١٨٨٠ خمس مسرحيات منها (رعد، نسيم، كوكب الإقبال) أقبل عليها أهل حمص إقبالا شديدا وخصص ريعها للمشاريع الخيرية. حاول الوفائي أن يساير عصره فكانت مسرحياته شعرية بالعامية نظرا لأن أكثر الجمهور ذو ثقافة محدودة، كما استعان بالموسيقى والغناء لخلق فرجة مسرحية.
الرائد المسرحي الثاني هو داوود قسطنطين الخوري الذي ولد في حمص وأخذ عن والده علوم اللغة العربية وآدابها، وتعلم الموسيقى وعيّن في دمشق موظفا وهو دون سن العشرين من عمره، فتعرف هناك على القباني عن مدحت باشا. عاد إلى حمص عام ١٨٨١ فأخذ يدرّس الرياضيات والموسيقى في المدارس الأرثوذكسية، وفي عام ١٨٩٠ اتجه إلى المسرح وكتب بين عامي 1890 و1891 سبع مسرحيات منها (اليتيمة المسكوبية، جنفياف، المهاجر، الصدف المدهشة، العجوز، الابن الضال)، بالإضافة إلى عدد كبير من الروايات الصغيرة.
الرائد الثالث يوسف شاهين الذي قدم مسرحية الملك ووضع الألحان لها داوود الخوري عام 1890.
والرابع هو الشيخ محمد خالد الشلبي، وهو أهم كاتب عرفته حمص في تلك الفترة، وأكثرهم أثرا فيها وفي بلاد الشام كما يرى بلبل، ويعد من أوائل الذين اتجهوا بالمسرح نحو السياسة وجعله يخوض المعركة الوطنية ضد المحتل العثماني. ولد عام 1867، واشتغل في التعليم متأثرا بالفكر القومي وحينما اتجه إلى المسرح كانت مسرحياته تتمحور بين الدعوة لإنشاء المدارس، والتغني بأمجاد العرب، ومن أهم المسرحيات التي كتبها (سليم وسلمى، نجم الصبح، الخلان الوفيان) وغيرها، وتميز مسرحه بالاستغناء عن الغناء لاقتناعه بأن الغناء تحول من وسيلة جذب إلى عنصر معوق لإيصال الفكرة.
المرحلة الثانية امتدت حتى الثورة السورية الكبرى١٩١٩- ١٩٢٥، ففي عام 1919 توقف المسرح في دمشق بشكل نهائي، لكنه استمر في حمص حتى الثورة السورية الكبرى، وقد أنشأ أهل حمص النادي العربي في تلك الفترة وهو امتداد للنادي العربي في دمشق، وقدم عشر مسرحيات وطنية إلى أن أغلقه الفرنسيون بعد دخولهم حمص.
وعرف المسرح سياسيا مؤيدا للحكم الفيصلي وثوريا معاديا للسلطة الفرنسية، وكانت هذه السلطة تدرك ذلك لهذا كان المسرحيون ينتقون نصوصا فرنسية لمحاربة الانتداب من خلالها فكانت غايتهم ليس التثقيف والإقناع بل قتال الفرنسيين بالمسرح.
آصف إبراهيم