مشهد متكرر وعقلية نمطية..!
منذ فترة ليست طويلة تناولنا واقع الزراعة، ومعاناة من يعمل فيها، واليوم نعيد ما قلناه، ونحن على ثقة بأننا سنكرره في المراحل القادمة، رغم العرس الزراعي الدائم الذي تقرع طبول أفراحه في مختلف التصريحات، وعبر وسائل الإعلام، حيث تتراقص الوعود على إيقاعات الطبلة الزراعية في مختلف الاجتماعات واللقاءات التي تتحول إلى أعراس مزدحمة بالحضور، ومتخمة بزغاريد الفرج التي باتت أكثر نمطية وتقليدية من حيث الطرح والتكرار الممل لحالة التشخيص، والتسابق على تبني قضايا الفلاح الذي يتعرّض في كل موسم لصدمة عدم التجاوب مع متطلبات العملية الزراعية، ليفجع بعدها بفشل جهوده التسويقية في مختلف المحاصيل.
ولعلمنا بوجود من يشكك أو سيشكك في صلاحية كلامنا حول واقع عمل الجهات الزراعية، نقدم من على خشبة الواقع بعض الطقطوقات الزراعية التي يطربنا بها أصحاب القرار في كل اجتماع، حيث ينشد الجميع سيمفونية الاستمرار في دعم قطاع الزراعة بما يعزز تنافسيته، ويسهم في تطويره، وتوفير الأمن الغذائي، والتشديد على تطبيق القوانين التي تحمي المصادر الطبيعية، وتعزيز القدرات لقياس المؤشرات والمنافع للمشاريع الزراعية الخدمية، والمشاريع ذات الأثر البيئي، وإعادة العمل بنظام الحوافز في المشاريع الإنتاجية لرفع كفاءة العمل، واعتماد الميزة النسبية لمناطق الإنتاج الزراعي، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية، والجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وتحديد الأولويات الاقتصادية لإنتاج المحاصيل الزراعية.. وو.
وما ذكرناه هو ملخص التوصيات الدائمة التي تخلص إليها الاجتماعات المتلاحقة في ماراثون المناقشات السرمدية الدائرة بين وزارة الزراعة، واتحاد الفلاحين، واتحاد الغرف الزراعية، المتعلقة بالخطط التسويقية والإنتاجية للمواسم الزراعية المتعاقبة، حيث تتكرر الأجندة ذاتها على طاولة الحوار: (أهداف الخطة، وأسس إعدادها، وأولوياتها المستقبلية)، وشيئاً فشيئاً يدخل الجميع في العمق الزراعي، ويبدأ الصراخ الفلاحي الداعي إلى تأمين مستلزمات الإنتاج من خلال القطاع العام والخاص بالكميات والأوقات المناسبة، ومع احتدام المواجهة يشتعل فتيل الاتفاق على تأمين الضروريات حسب الإمكانيات المتوفرة، لتلتقي المقترحات على طاولات البحث عن بدائل ذات ريعية اقتصادية عالية، والتشديد على تطوير البحث العلمي الزراعي، والإرشاد، والتعليم، والتأهيل، وتوطين التقانات الحديثة، واستمرار تعديل بعض التشريعات والقوانين، ثم يبدأ دور اوركسترا الوعود من خلال موال زيادة الاستثمارات الخاصة بقطاع الري، والإسراع بتنفيذ مشاريع الري الحكومية، وتشجيع إقامة الشركات والمؤسسات التسويقية في كل القطاعات لزيادة فرص التسويق، وإيلاء الإنتاج الحيواني أهمية أكبر، وتأمين فرص عمل بديلة داعمة للدخل الزراعي، وخاصة في حالات الكوارث.
الغريب أن هذا المشهد الفلاحي المتكرر والغارق في الجدل والنقاش ينتهي من حيث يبدأ ، فتمتلىء مكاتب أصحاب القرار بالطبيلة الذين تفننوا في تقليم كل ما من شأنه بناء اقتصاد زراعي حقيقي بالملفات والمطالب الفلاحية الباحثة عن حلول حقيقية، فهل هناك أمل في إحداث التغيير الحقيقي في هيكلية هذه الجهات، وعقلية إدارتها للدفة الزراعية، أم ستستمر على حالها دون تغيير..؟!.
بشير فرزان