السيناريو الكيميائي وأجندة الحرب الأمريكية
علي اليوسف
عندما دمرت ما يسمى قوات التحالف الدولية مدينة الرقة السورية، واستخدمت لذلك كافة صنوف الأسلحة المحرمة دولياً وغير المحرمة، لم يعقد مجلس الأمن أي جلسة طارئة لمناقشة موضوع إزالة مدينة كاملة عن الخارطة السورية وتهجير أهلها، ولكن مجلس الأمن ذاته، الذي يفترض أن يكون على الحياد وعلى مسافة واحدة من الجميع، يدعوا دائماً إلى جلسات طارئة على الشبهة أو الاعتقاد، وعلى معلومات كاذبة وتضليلية، وهو الشيء الذي حصل في الحالة السورية وبات يسجل أرقاماً ملحوظة في عدد الاجتماعات التي عقدت تحت بند معلومات كاذبة، وكان أخرها بتاريخ 17/5/2019 بحجة أن هناك احتمالات استخدام أسلحة محرمة دولياً في معركة ادلب، مع العلم أن جريمة خان العسل في عام 2013 التي ثبت بالدليل القاطع أن أمريكا وإرهابييها هم الذين افتعلوها، لم تبدأ اللجنة المكلفة بالتحقيق بهذه الجريمة عملها حتى الآن .
مع بدء معركة تحرير مدينة ادلب، استشعر أطراف الأزمة أن نتائج المعركة محسومة لأصحاب الحق، ولا توجد أي طريقة لوقف هذا التقدم العسكري إلا بافتعال أزمة كيميائية كما جرت العادة في أكثر من منطقة على الجغرافيا السورية، وهذا يقودنا إلى تأكيد أن حرب الغرب ضد سورية هي حرب تضليل بنيت على ذرائع مزيفة مليئة بالأكاذيب والخداع، هي كانت حرب من جرائم الحرب الدولية العليا تحت كذبة “الحرية والديمقراطية”، وما جرى بالفعل أنه تم إعطاء الموافقة على مرتزقة إرهابيين لتدمير سورية، ونشر الفوضى والتفسيرات الأصولية المشوهة .
وفي برنامجه “وجهاً لوجه مع الحقيقة”، يقول الكاتب الكندي مارك تاليانو: “تصبح الأكاذيب الكبرى جزءاً لا يتجزأ من وعينا الجماعي، وتزرع جذورها وتنتشر وتصبح أصعب ولا يمكن إزاحتها. وإن فكرة أن الحرب على سورية “إنسانية” هي فكرة سخيفة للغاية، لأن الواقع كان هو طمس الذاكرة التاريخية من وعي الشعب السوري، لكن على مدى السنوات الثماني الماضية كانت الكذبة الكبيرة تتفكك كل يوم على الأرض”.
الكل يعلم أن القنوات الإعلامية التابعة للشركات العالمية تسيطر على الرأي العام العالمي، وبالتالي كانت تسود الرسائل السامة. كان يعلم كل من يهتم بهذه الأزمة أن الحرب على سورية ليست حرباً أهلية، وأنها كانت ومازالت مدبرة من الخارج، ومُركبة، وأن الامبراطورية الأمريكية وشركاءها هم الذين يتحملون المسؤولية الكاملة عن الخراب العمراني والإنساني في سورية.
بدأت الحرب على سورية قبل عام 2011 بوقت طويل بهدف تغيير نظام الحكم، وهذا النوع من الجرائم يصنف بـ “جرائم الحرب الدولية العليا” حسب القانون الدولي، وهي لا تحدث عادة إلا في حالات زعزعة الاستقرار لصالح أطراف أخرى والمقصود هنا الكيان الإسرائيلي، على عكس ما كانت عليه الاستعدادات للحرب ضد أفغانستان ، أول دولة تعرضت للهجوم بعد 11 أيلول.
لقد تم تهيئة الأرضية اللازمة لجرائم الحرب والإرهاب العلنية ضد سورية، ونلاحظ أن ذات الامبراطورية الإعلامية الأمريكية تستخدم استراتيجيات مماثلة في صنعها للحرب ضد فنزويلا وإيران وخارجها. هي تعتمد بالدرجة الأولى على تشويه قيادة الحكومات المعنية، وتشن حرباً اقتصادية ضدهم، وتقوم بإعداد قوات إرهابية بالوكالة لغزو بري، وكما هو الحال مع سورية، سيتم استخدام نفس الإرهابيين الذين يدعمهم الغرب، بما في ذلك “داعش والقاعدة” كذرائع للغزو.
لم تنته الحرب على سورية بعد، و لا يزال الإرهابيون المدعومون من الغرب يحتلون إدلب، وكذلك التنف، والمناطق الغنية بالموارد الاستراتيجية في الجزيرة السورية. ولا يزال مخيم الركبان، المعتقل القسري، يضم حوالي 40.000 أسير بانتظار الموت، بالإضافة إلى معسكر الهول الذي يضم 73 أسيراً.
تؤكد الناشطة الأمريكية والكاتبة “جانيس كورت كامب” الكل يعلم أن إرهابيي الغرب مستهلكون، لكن الغرب يدعمهم جميعاً ، بما في ذلك تنظيم “القاعدة وداعش” وجميع الفصائل المسلحة. وتحت ذريعة ملاحقة “داعش”، قصفت قوات التحالف الغربي الرقة، بعد أن شحنت “داعش” من جديد. استخدمت نفس الاستراتيجيات في الجزيرة السورية وما ورائها الرقة والحسكة ودير الزور. لذلك إن “داعش” هم ليسو أعداء الامبراطورية الإعلامية الأمريكية، لكنهم أماكن إقامة، يحتلون ويخلون من مناطق شاسعة ليتم استبدالهم بمحتلين جدد. وفصائل المعارضة المحلية هم نتاج مناطق تطهير لـ “المحتلين الجدد”، ودورها المساعدة على خلق فوضى – كما يفعل جميع الإرهابيين الغربيين – وبالتالي فتح مناطق أمام الامبراطورية الأمريكية لسرقة ونهب وإقامة معسكرات اعتقال واحتلال، وجميع هذه الاستراتيجيات مجتمعة تتكون من جرائم “الحرب الدولية العليا”.
ومع ذلك لازالت الدعاية الغربية منتشرة مثلها مثل العملاء الغربيين السريين، والقوات الخاصة، وما إلى ذلك التي جميعها تعمل بشكل غير قانوني في سورية. وتلقي التقارير التي يسرب أجزاء منها هنا وهناك مزيداً من الضوء على ممارسات قوات التحالف الغربي، إذ جميعها تشير إلى أن أمريكا جندت عبر هؤلاء العملاء مقاتلين محليين ودفعت بهم كوقود في الحرب المفبركة ضد “داعش”، ومن ينظر من زاوية أخرى يتأكد أن هذا السيناريو يحاكي التدريبات العسكرية العملياتية، أي أن أمريكا كانت تخضع إرهابييها إلى دورات قتالية حية، وهذا ما يفسر عملياً نقل الولايات المتحدة قيادة “داعش” عدة مرات في لحظات حرجة من مدينة الرقة والباغوز، وبعدها تعرضت مدينة الرقة وجميع المدن العربية الأخرى على نهر الفرات للقصف المتعمد لإجبار السكان على النزوح رغم أن قيادة “داعش” قد نُقلت جواً.
وحسب تلك التقارير أيضاً، فقد استخدمت الفصائل المسلحة 20٪ فقط من الأسلحة التي تم تسليمها لهم من قبل أمريكا ودول الخليج الداعمة لهم ، أما الـ 80% المتبقية فقد تم تهريب أغلبيتها إلى سلسلة جبال قنديل في شمال العراق على الحدود مع إيران بهدف زعزعة الاستقرار في طهران عندما تصدر الأوامر.
إذاً إن ما تم في سورية منذ عام 2011 كان مقدمة لما يحضر لـ إيران، وهو الأمر الذي استقرأته القيادة الإيرانية. يقول مارك تاليانو في مقالته المنشورة في أيار 2018 بعنوان “حرب واشنطن على العقول الغربية”: “كان زبغنيو بريجنسكي، منظر السياسية الخارجية الأمريكية، مهندساً معمارياً في استخدام الإرهابيين المتعصبين لغزو وتدمير البلدان. استخدمت واشنطن هذا التكتيك في أفغانستان، وما زالت واشنطن تستخدم ما يسمى بالإرهابيين “الجهاديين” لتدمير الدول غير المتوافقة. لقد قامت واشنطن بتدمير سورية من خلال هؤلاء الإرهابيين الوهابيين المناهضين للديمقراطية والمكرهين للثقافة لأكثر من ثماني سنوات حتى الآن”.
وهذا الكلام يعني بالتأكيد أن واشنطن شنت حرباً ناجحة إلى حد كبير على العقول الغربية، فهي استطاعت سلب مهارات التفكير من المجتمعات إلى درجة أن السكان الغربيين ما زالوا يتبنّون الرسائل التلفزيونية السامة التي تبثها الامبراطورية الإعلامية، متناسين الديمقراطية والمساواة في الحقوق والتنوع الديني والقيم الحضارية.