واشنطن وبكين.. إلى أين؟
لا يخفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبته في كبح جماح التنين الصيني ومنعه من النهوض، حيث يصرّ في حربه التجارية المعلنة عليه على الزعم بأن الشركات الصينية تحصل على المواد الأولية من السوق الأمريكية، ثم تعود لتنتج بضائع تنافس البضائع الأمريكية من حيث الجودة والسعر، وبالتالي تستحوذ التكنولوجيا الصينية الرخيصة على الحصة الأكبر في السوق العالمية، وهذا بالضبط ما يحاول ترامب، بإيحاء ربما من بعض الشركات الأمريكية الكبرى، إيقافه، ولكن هل يستقيم له هذا الأمر؟. إذا تتبّعنا مشكلة ترامب مع شركة “هواوي” عملاق الهواتف والاتصالات الصيني، نجد أنه ينتقد استحواذ هذه الشركة على الحصة الكبرى في السوق على حساب عملاق صناعة الهواتف الأمريكي “آبل”، التي تشتري هواوي منها بعض الأجزاء الدقيقة لتنتج أجهزة تمتاز بالجودة الأمريكية والسعر الصيني الرخيص، وهنا يحاول أن يمنعها من الحصول على هذه المواد، لتتجه الأخيرة إلى الاستغناء عن السوق الأمريكية والتوجّه نحو سوق أخرى، وهذا طبعاً يعني استمرار الشركة الصينية في تفوّقها، مع فارق بسيط هو أن شركة “آبل” ستخسر كل الإيرادات التي تحصل عليها منها عبر بيع المكوّنات إلى شركة هواوي، ما يعني أن ترامب عملياً يعاقب شركة “آبل”، وهذا الأمر ينسحب طبعاً على جميع الشركات الأمريكية التي تعمل في السوقين، الأمريكية والصينية، وبالتالي لا يدرك ترامب أنه بعمله هذا يضرّ الشركات الأمريكية بالدرجة الأولى، وخاصة أن الصين تستطيع أن تحصل على بدائل، ولكن السوق الصينية سوق حيوية للشركات الأمريكية.
ترامب يراهن على أن الطرف الآخر سيضطر للخضوع لإرادته، لكنه لا يعي جيّداً النتائج الحقيقية لهذه العملية، فيُؤخذ بالتهويل الإعلامي الذي يرافق حملات العقوبات التي يشنّها على الدول الأخرى، متناسياً أن السوق العالمية بالنتيجة هي سوق واحدة مترابطة، وأن أيّ ضغط في أي مكان من العالم على سلعة مشتركة، يمكن أن تطول تداعياته وارتداداته الطرف الذي يبدأ بهذه الحرب التجارية.
والآن بعد أن أدرك ترامب أن الصين لن تستكين للضغط الأمريكي، وأن لديها خيارات متعدّدة لمواجهة العقوبات الأمريكية، وكلها خيارات قاتلة تحدّثت عنها الصحافة الصينية الرسمية كسندات الدين الأمريكية والمعادن النادرة التي يأتي 90% منها من الصين، فضلاً عن منع البضائع الأمريكية من الدخول إلى السوق الصينية، على اعتبار أن السوق الصينية، هي السوق الأهم في العالم للبضائع الأمريكية، فهل يستمرّ في تحدّي الصين على هذا النحو، أم يخبره العقلاء في إدارته، إن كان ثمة عقلاء، أن عليه التفكير مليّاً قبل أن يخوض غمار هذه الحرب، وخاصة أن الصين أعلنت على لسان وزير دفاعها هذه المرة، أنها ستدافع عن مصالحها حتى لو اضطرّت إلى ذلك بالوسائل العسكرية، وقد تحدّث الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر حديث العقل في هذا الإطار؟.
بين التعقّل والجنون شعرة بسيطة، إذا ما قرّر ترامب قطعها نهائياً، فربّما تكون الشعرة التي ستقصم ظهر الاقتصاد الأمريكي، وتعلن السقوط المدوّي للامبراطورية الأمريكية؟.
طلال الزعبي