على طبق من ذهب
تزيد الولائم التي يقيمها رجال الأعمال في الفنادق والمطاعم الفارهة من حيرة المواطن الذي يسأل عن حقيقة ما يجري، وإن كانت حياته على هذه الطاولات والموائد حاضرة كمسألة وطنية لها الأولوية أم مجرد صفقة وشراكة قائمة على أنقاض معيشته التي باتت بحد ذاتها مشروعاً استثمارياً مشبعاً بالثروات المتدحرجة إلى البنوك، خاصة أن آماله وأحلامه تشكلان بوصلة لتوجيه أهداف المشاريع الاستثمارية.
وما يزيد من ضبابية الرؤية الاستثمارية أن الكل يعلم أن الحكومة لم تتوقف عند دعوة رجال الأعمال للاستثمار وإقامة مشاريع في كل المجالات، بل قدمت التسهيلات بمختلف أشكالها ودعمت القطاع الاستثماري بكل ما لديها، ولكن السؤال – هنا في بلد أعيته الحرب – إذا لم نقل دمرته وحشية الإرهاب، ما الذي يغري المستثمر للعودة والاستثمار، علماً أن الحرب لم تنتهِ بشكل كامل بعد، ومازالت مخالب الإرهاب والعدوان والحصار الاقتصادي مغروسة في لقمة عيش المواطن السوري وحياته التي لم تعرف الاستقرار لأكثر من ثماني سنوات.
وطبعاً صعوبة الإجابة عن هذا، تكمن في عدم القدرة على نزع الدوافع الوطنية عن المستثمرين، وفي الوقت ذاته العجز عن تحييد الغايات والأهداف الربحية البحتة لصاحب رأس المال، فمن الصعب التمييز والتفريق هنا، وما يزيد الطين بلة – كما يقال – تلك الهواجس من وجود شراكات واستثمارات من تحت الطاولة مع بعض الشخصيات المتنفذة التي أتقنت لعبة الترويج والتسويق للمشاريع الاستثمارية التي تعود عليها بالثروات.
وما يثير الغرابة أنه رغم سياسة الأبواب المفتوحة أمام الاستثمار، إلا أن ذلك لم يضف شيئاً للملف الاستثماري الذي بقي مفتوحاً لقبول المزيد من الإجراءات الداعمة والقوانين التي على ما يبدو لم تطفئ عطش المستثمرين للأرباح وزيادة الأرصدة البنكية، واللعب في آمال الناس وأحلامهم، ورسم خرائط الكنوز المخبأة في مغارة علي بابا دون أن تعطى كلمة السر، وهنا نستعين باتهام السلطة التنفيذية لرجال الأعمال والاستثمار بأنهم “تجار أزمات” لندعم الشكوك التي نضعها أمام الرأي العام.
ولاشك أن تقديم المواد الأولية للمستثمرين بشكل مجاني – وعلى سبيل المثال (الخردة) – يشكل سابقة في العمل الاستثماري والتجاري، وتخفي ما تخفيه من هواجس ومخاوف من حقيقة هذا الاستثمار، وتلتقي هذه المخاوف مع إشارات استفهام عديدة حول الاستثمارات العقارية وحقيقة استهدافها المواطن السوري بأسعارها الخيالية، هذا عدا عن عدم رضى المستثمرين على كل ما يقدم لهم من تسهيلات ويعتبرونها ناقصة ولا تحقق مناخاً استثمارياً صحيحاً، ولسان حالهم يقول (هل من مزيد؟!).. فهل ستستمر استراتيجية تقديم الأموال العامة بكل تسمياتها على طبق من ذهب للمستثمرين في الوقت الذي يحرم فيه القطاع العام من موارده؟! وهل ستكون البوابات الوطنية مفتوحة أمام أحلام ثرواتهم دون أي ضوابط أو حتى سكنر تفتيشي لماهية استثماراتهم التي على ما يبدو أسقطت المواطن السوري من خارطة جدواها الاقتصادية.؟ وباختصار المطلوب استثمارات متكافئة بين العام والخاص، وشراكات حقيقية لا تدخل في مزادات الصفقات ؟!
بشير فرزان