استفزاز
عبد الكريم النّاعم
في عديد اللّقاءات التي رأيتُها، أو سمعتُها، يستفزّني الذين ألقوا بوجدانهم في سلّة القمامة، ويتحدّثون بدوافع أهواء منخورة، مشبوهة، يتقطّر منها السمّ الزّعاف، وسأتوقّف في هذه الزاوية عند مفاصل أساسيّة يتفاصح بها أصحابها في كلّ مناسبة، وإنْ لم يجدوا مناسبة اخترعوها، وأقحموها، لفتح رائحة تزكم الأرواح قبل الأنوف،
-لافتة تقول ماذا فعلت سوريّة من أجل استرجاع الجولان؟!! الجولان محتلّ منذ أكثر من نصف قرن، فلماذا لا يسترجعونه؟!!
هذا الكلام المحشوّ بالتجاهل، والتأليب، والاتّهام، يتعمّد نسيان أنّ تحرير الجولان يحتاج إلى تضافر عدد من الظروف والشروط الذاتيّة والخارجيّة، كما يقفزون عن أنّ مسألة الجولان هي جزء من الأراضي العربيّة المحتلّة، وأنّ الجولان قد حُرّر معظمه في حرب 1973، حرّره أبطال الجيش العربي السوري، وتراجعوا عنه حين خان السادات الحرب، استجابة لدعوة صديقه كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي، فلم نخسر الجولان وحدها، بل خسرنا مفهوم أنّ المعركة واحدة، والمصير واحد، خسّرنا إياها انضواء السادات تحت جناح أمريكا، وأكمل فعلته بزيارته للأرض المحتلّة، وظلّت سوريّة رغم كلّ ما عُرض عليها من إغراءات، ورغم الدمار الذي لحق بها بمؤازرة من حكام البترودولار، ظلّت متمسّكة بأنّ الجولان أرض سوريّة محتلّة، مدركة أنّ كلّ تلك الحرائق قد أُوقدت لإيصال الأمّة إلى حالة يأس واستسلام، وإعطاء مفاتيح المنطقة للصهيونية، ولولا الصمود السوري والحلفاء لكنّا في وضع صعب على التصوّر.
-سؤال ليس أقلّ خبثا وضراوة وهو قولهم: لماذا لا يقوم حلف المقاومة بتحرير فلسطين؟!!
تُرى على من تضحكون، وأيّة بضاعة فاسدة تهرّبون؟!! إنّ حلف المقاومة، أعني سوريّة، وإيران، وحزب الله، وفصائل المقاومة الفلسطينيّة الآخذة بنهج التحرير حين تجد الظرف المُواتي لن تتردّد في ذلك، وعلى المستعجلين من أصحاب الدسائس، ومَن يؤازرهم أن لا ينسوا أنّ جيوش (الفرنجة) الغازية التي احتلت مساحات شاسعة من هذه الأرض، في القرون الوسطى، أسّست إمارات، وممالك، ووجدت مَن يتعامل معها، ويتّجر، بل ويتزاوج،.. تلك الهجمة الباكرة تشبّثت بالأرض أكثر من قرن ونصف، ظانّة أنّها ستبقى فيها أبد الدّهر، وحين تهيّأ الظرف المُواتي، وجدوا أنفسهم يفكّكون خيامهم وأحلامهم، وتعصّبهم، ويعودوا من حيث أتوا، أذكّر بهذا ليس لأنّ التاريخ استنساخ بل لأنّ فيه من العِبَر ما يجب أن يُستلهَم.
بالمناسبة هل أطلق التكفيريّون وزُمرهم طلقة واحدة ضد إسرائيل، أم أنّهم قبلوا أوامرها، ومالها، والتعاون معها؟!!
إنّ بؤرة المحرق في هذه المعركة الدّائرة منذ سبعين عاما هي فلسطين، وماتزال فلسطين قادرة على تحريك الوجدان الجماهيري فوق هذه الأرض، وعلى مَن يريد التأكّد أن يُدقّق في المظاهرات الشعبيّة التي ملأت الساح العربيّ في أوقات متتابعة، منذ أن كسر حلف المقاومة حدّة الهجمة التكفيريّة، وبدأت موازين الفوز تتبدّل لصالح مشروع المقاومة، فلْيتوقّف متوقّف عند تظاهرات الجزائر، وتونس، والسودان، واليمن، ليُدرك أنّ هذه الروح ماتزال حيّة، متأجّجة، قابلة لأن تُبدّل الكثير من المعالم التي أرادت أمريكا فرضها بالقوّة على أهل هذه البلاد.
يقول أحدهم متهكّما: “ماذا بقي من فلسطين”؟ وأنا أقول له بقيت الأجيال المتتابعة التي لم تفرّط، وهنا لابدّ من الفصل الحاسم بين ما هي عليه معظم حكومات هذه المرحلة، وبين وجدان الجماهير، مع الإصرار على روح المقاومة، وتنميتها، وتأهّبها بما يجعلها قادرة على المواجهة وعلى تحديد معالم النصر.
هذا الكلام ليس شعارات، وليس “لغة خشبيّة”، بل هو ابن الواقع الذي يقول إنّ عنصريّي ذلك الكيان لم يعد بمقدورهم شنّ حرب ساعة يشاؤون، وإذا شنّوها فلن يكون إيقافها بمُكنتهم، والجواب عند المقاومة في لبنان، وفوق أرض فلسطين، وفي الموقف السوريّ الذي لم يُهادن، ولم يُساوم، والذي لولاه لكنّا في واد آخر.
aaalnaem@gmail.com