“اللغة الفينيقية– دراسة مقارنة مع اللغات الشرقية القديمة” في أبي رمانة
ما علاقة اللغة الفينيقية باللغة العربية؟ سؤال أجاب عنه الباحث د. إياد يونس في الندوة المرافقة لتوقيع كتابه”اللغة الفينيقية –دراسة مقارنة مع اللغات الشرقية القديمة- الصادر عن دار دلمون الجديدة في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- ليصفها بالعلاقة الأبوية.
قدمت الأمسية الإعلامية هدباء العلي واستهلت بعرض فيلم توثيقي عن الحضارات القديمة وشرح رموز شعار دار دلمون الجديدة، وكرّمت مديرة الدار عفراء هدبا مع الأديب نذير جعفر د. إياد يونس بتسليمه درع الدار، وأوضحت أهمية إطلاق هذا الكتاب الذي يعد نواة لتأسيس مركز للدراسات يعنى بدراسة اللغات القديمة وحفظ تراث سورية.
يعتمد الكتاب على جانب توثيقي بدراسة النقوش والخرائط، وعلى المقارنة بين المفردات واستخراج الأمثلة من خلال النصوص لإيضاح العلاقة بين اللغة الفينيقية واللغات الشرقية القديمة واللغة العربية، وكيف وصلت العربية إلى سماتها وخصائصها الحالية؟ فتضمن أبحاثاً بعلم النحو والصرف والصوتيات مثل دراسة مقارنة للأصوات اللغوية الصامتة واللينة، إضافة إلى الملحقات، منها: مفردات اللغة الإيبلائية ومعناها باللغة العربية، ومفردات اللغة الفينيقية ومعناها بالعربية، مفردات اللغة الآرامية ومعناها باللغة العربية، وكذلك اللغة الأكادية، فبدا الكتاب على شكل قاموس للغة العربية مع اللغات القديمة.
التزييف التوراتي الصهيوني
ومما حفز الباحث على الخوض بخصائص الفينيقية وسماتها ومقارنتها مع اللغات القديمة والعربية هو التزييف التوراتي والصهيوني الذي طال الإرث الحضاري السوري، فأغلب الباحثين في مجال اللغات القديمة -كما ذكر الباحث- من الأوروبيين الذين اعتمدوا على المدرسة التوراتية الصهيونية في تزييف الحقائق التاريخية، وتابع بأن لغتنا الأساسية هي اللغة الكنعانية الفينيقية، فهي الأم الحاضنة للغة العربية، إذ تصل مترادفات اللغة الكنعانية الفينيقية باللغة العربية إلى نسبة96%، كما أنها تحتوي على نظام لغوي قواعدي وصرفي كامل مثل الجملتين الفعلية والاسمية والأزمنة والمبني للمعلوم والمجهول وغيرها، ومما نستشفه بأن اللغة العربية أخذت نتائج الجوانب اللغوية في اللغات القديمة وخاصة الفينيقية. ونوّه الباحث إلى تسمية اللغات القديمة باللغات الشرقية القديمة رافضاً تسميتها باللغات السامية لأنها نظرية صهيونية، وبيّن بأن اللغات الشرقية القديمة انطلقت من الأراضي السورية –سورية الكبرى- وأعطت إشعاعها إلى العالم الغربي، وأكبر دليل اللغة اللاتينية التي اعتمدت النظام الأبجدي الفينيقي “ألفا بيتا دلتا”. كما توقف المؤلف عند أحد الأبحاث التي تطرق إليها في الكتاب أصل كلمة”عرب”، التي ارتبطت بأماكن المياه عكس النظرية الصهيونية التي روّجت بأن العرب هم البدو الرحل أهل الصحراء، فحاولوا أن يفصلوا العرب عن المجتمع الزراعي، وتابع بأن الحضارة الكنعانية الفينيقية هي حضارة سلام وحضارة متطورة، تنقلت في أرجاء العالم حتى وصل الفينيقيون إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقدم الباحث باللغات القديمة نذير جعفر إضاءة على هذا الكتاب معرباً عن سعادته بتأليفه من قبل باحث عربي سوري بعيداً عن أقلام المستشرقين الأجانب والصهاينة وكل من يحاول أن يبني تاريخاً لحضارة ينسبها إليه، ورأى بأن الكتاب سيثير كثيراً من النقاش كونه يصحح التاريخ وتكمن جماليته بأنه لا يسير كما سار عليه المستشرقون، فالباحث يناقش ويثاقف ولاينقل نقلاً حرفياً، وأثنى على الجهد الكبير الذي قدمه الباحث في جمع النقوش بنفسه كونه يعمل بمؤسسة الآثار، وبالمقارنات اللغوية والمفردات التي بعضها انقرض إلا أنها ما تزال حية فينا، وسنجد أن جذور اللغة العربية التي نتحدث بها موجودة في اللغة الفينيقية، والآرامية والسريانية، ليخلص إلى أن الكتاب هو خطوة بالاتجاه الصحيح من حيث إنه قيمة علمية كبرى يناقش وجهات نظر كانت غير قابلة للنقاش، ويقدم مادة علمية واسعة سواء بالنقوش الجديدة التي بعضها لم ينشر سابقاً أو بجمع المادة العلمية الصعبة من مصادر متعددة أجنبية وعربية، ومترجمة ، ولابد من أن يثير نقاشاً حول إعادة مسألة طرح لغات الشرق العربي القديم أو لغات المشرق القديم، وأكد جعفر ما قاله المؤلف بأن العبريين ينسبون هذه اللغات إلى سام بن نوح ويريدون بذلك أن يدخلوا اليهود ويخرجوا قسماً من العرب من هذه المنطقة، وأشار إلى أن الفينيقيين أسسوا الحضارة الفينيقية وتوطنوا بالساحل السوري الذي يعد من أغنى مناطق العالم حضارة ولغة وعطاء للبشرية فأول أبجدية في التاريخ انطلقت منه، وهذه حقيقة لم يستطع حتى المستشرقون أن يغيروها.
ملده شويكاني