رغم استهدافها بالمنع والحرائق عمليات استلام محصول القمح.. آليات سلسة وأسعار مناسبة.. واستنفار وتشاركية مؤسساتية للإنقاذ
لم تنقطع خلال سنوات الحرب محاولات النيل من الاقتصاد الوطني الذي بقي صامداً رغم الاستهداف المباشر لمقوماته التي لم تسلم من التخريب والتدمير الممنهج الذي لم يستثن أي قطاع، فكانت هجمة شرسة وشاملة على حياة المواطن، ومصادر رزقه، ولقمة عيشه التي تتعرّض هذا العام لأكثر الجرائم دناءة من خلال محاولات منع تسليم المحاصيل، وحرق تعب الفلاحين، وحرمان الاقتصاد من ثروته الزراعية عبر استهداف حقول الحبوب بنار الحقد والإرهاب الذي عمل لسنوات على تكرار جرائم سرقة محصول القمح، ومنع الفلاحين من تسليمه إلى مؤسسة الحبوب.
صحيح أن الحرائق المفتعلة نالت من آلاف الدونمات الزراعية 55905 هكتارات لجميع المحاصيل، إلا أنها بكل تأكيد لم تنل من عزيمة الناس وإصرارهم على إطفاء نار الإرهاب وطرده خارج الحدود، فالجهود التي تبذل اليوم بتشاركية ناجحة بين الفلاحين ومؤسسات الدولة على اختلافها لتأمين وصول آخر حبة قمح وشعير إلى صوامعها، تبشّر كما بشّرت كميات الأمطار التي هطلت بأن الأمور ستكون على ما يرام، فعمليات الاستلام مستمرة هذا العام بآليات سلسة وأسعار نوعية في كافة مراكز استلام الحبوب التي بلغت 40 مركزاً للقمح بإشراف المؤسسة العامة للحبوب ، و18 للشعير بإشراف مؤسسة الأعلاف.
كوادر المؤسسة
المهندس يوسف قاسم، المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب، بيّن أن إجراءات استلام محصول القمح التي بدأت في 40 مركزاً على مستوى القطر مستمرة على مدار الساعة بعد أن تم تأمين الكوادر البشرية والفنية الخبيرة، وتفعيل مراكز بيع أكياس الخيش بكلفة 700 ليرة سورية للكيس، على أن تعاد قيمتها بعد تسليم المحصول إلى المراكز، وبالنسبة للمنطقة الشرقية فإن المراكز التي تم إنشاؤها تقع تحت سلطة الدولة، وسيتم استلام المحصول عبر كوادر المؤسسة وفق ما هو متبع، مع استعداد المؤسسة لاستلام كامل كميات الإنتاج من الفلاحين مهما بلغت.
دون حسميات
وأضاف قاسم بأن أسعار محصول القمح لهذا العام تميزت بارتفاعها نسبة للمواسم السابقة بمبلغ 175 ألف ليرة سورية للطن الواحد، مضافة إليها 10 آلاف ليرة سورية لكل طن قمح مسلم لتشجيع الفلاحين على تسليم محاصيلهم لمؤسسات الدولة، مبيّناً أن مبلغ الـ 10 آلاف ليرة سورية لا تخضع لأية حسميات.
وكشف المدير العام للمؤسسة العامة للحبوب أن أسعار هذا العام تميزت بزيادة نسبة الأرباح، ففي الأعوام السابقة كانت نسبة الأرباح تدرس بناء على الكلفة، يضاف إليها هامش ربح يقدر بـ 25%، ولكن هذا العام زادت النسبة لأول مرة لحدود 40% من قيمة الكلفة.
دمج
وأشار قاسم إلى قانون دمج كل من مؤسسات الحبوب والصوامع والمطاحن في إطار التوجيهات لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة الإنتاجية بما يتماشى مع مصلحة الوطن والمواطن، حيث تمت دراسة ملف الدمج بشكل مفصل، والوصول إلى القانون 19 لعام 2019 القاضي بدمج كل من مؤسسات الحبوب والصوامع والمطاحن في مؤسسة واحدة تحت تسمية المؤسسة السورية للحبوب بهدف تحقيق الحد الأدنى من الكلفة لتخفيض العجوز التموينية المترتبة على رغيف الخبز المدعوم بمئات مليارات الليرات السورية، إضافة إلى تجميع الكادر الفني في هذه المؤسسات بهيكلية واحدة، والاستفادة المثلى من خبراتهم، وتجميع أسطول السيارات التابع لهذه المؤسسات، واستثمارها بأكبر عائد وأقل تكاليف، وتخفيض العبء الاقتصادي.
وأضاف قاسم بأن الهدف الآخر من الدمج هو تحقيق القيمة المضافة في المؤسسات من خلال استلام مواد أولية، وتسليم مواد مصنعة، وسيظهر أثره الملموس في الفترة القريبة القادمة، بالإضافة إلى تخفيض كلفة إنتاج الطن من الدقيق التمويني الذي سينعكس بشكل إيجابي على الوطن والمواطن، وتخفيض العجوز التموينية آنفة الذكر.
إجراءات
وعن الإجراءات اللوجستية التي تمت لاستلام محاصيل القمح أكد قاسم بأن عمل المؤسسة بدأ بعد الانتهاء من موسم الحصاد، وإحضار المحاصيل إلى مراكز المؤسسة، حيث يتم الاستلام وفق دورة تم تحديدها من قبل المختصين، فتؤخذ عينات من المحصول، وتحدد درجاته وقيمته، ومعرفة نسبة الشوائب التي يجب ألا تتجاوز 20% من الكمية المسلّمة، وبعد عملية الاستلام يتم التخزين والتعقيم والتوزيع إلى المحافظات بحسب الحاجة، ليصار إلى أخذها إلى المطاحن وطحنها لتصل دقيقاً جاهزاً إلى المخابز بالنسبة للقمح، كما يتم صرف ثمن المحصول خلال فترة لا تتعدى 72 ساعة، وقد أقرت الحكومة هذا العام لأول مرة تسليم سلفة أولى ثمن أقماح بقيمة 25 مليون ليرة سورية قبل البدء بعملية الحصاد، علماً أن الحكومة رصدت 400 مليار ليرة سورية ثمن المحصول لهذا العام، مع استعداد المؤسسة لاستلام كامل الكميات التي ترد إليها من المزارعين.
توقعات
وبيّن أحمد صالح إبراهيم، رئيس الاتحاد العام للفلاحين، أن هذا الموسم حمل خيرات غير مسبوقة نتيجة الأمطار الغزيرة والمنتظمة التي هطلت على الوطن، علماً أن كميات الإنتاج تختلف عن كميات التسويق نتيجة عدة عوامل، منها إبقاء الفلاحين جزءاً من الإنتاج كبذار ومؤونة، ولكن بالعموم فإن الموسم مبشّر لهذا العام، وستكون له مردودية ممتازة على الجميع، وجاء رفع سعر القمح إلى مبلغ 175 ألف ليرة للطن مضافاً إليها مبلغ 10 آلاف ليرة تشجيعاً ممتازاً للفلاحين، بينما بقي الشعير على وضعه بمبلغ 130 ألف ليرة سورية للطن، وهو مبلغ جيد نتيجة وفرة الإنتاج للأسباب التي تم ذكرها.
صعوبات
وبيّن رئيس اتحاد الفلاحين أن هناك بعض الصعوبات التي عانى منها الفلاحون تمثّلت بجزء منها بمضايقة سيارات نقل المحصول في بعض المناطق، حيث وجّه السيد رئيس مجلس الوزراء لحل هذه الصعوبات بأية طريقة، وكان تأمين المحروقات لنقل المحاصيل من أهم الصعوبات التي عانى منها الفلاحون، لكن وزارة النفط والثروة المعدنية قامت باتخاذ الإجراءات اللازمة لحل هذه المشكلة، وكان لنقص اليد العاملة، “كالعتالين”، دور أساسي في تأخير التسليم في بعض المراكز، ومازالت هذه المشكلة قائمة، ويتم العمل على إيجاد الحلول اللازمة لمعالجتها، ونتيجة لهذه الظروف فإن أعضاء الاتحاد العام للفلاحين كانوا في حالة جهوزية واستنفار في كافة مراكز التسليم.
وأكد إبراهيم أن القمح السوري من أفضل أنواع القمح على مستوى العالم، ويتميز أيضاً بعدة مجالات، منها الثمن بالقطع الوطني، وأن مراكز استلام الحبوب انقسمت إلى جزأين: مراكز المؤسسة العامة للحبوب لاستلام محصول القمح، ومراكز مؤسسة الأعلاف لاستلام محصول الشعير، وكل يقوم بعمله وفق برنامج غاية في الدقة، ويتم تسليم أثمان المحاصيل للفلاحين خلال فترة أقصاها 72 ساعة.
تخريب متعمّد
وحول الحرائق التي طالت مساحات كبيرة من الأراضي في مختلف مناطق القطر، أكد إبراهيم أن المجموعات الإرهابية المسلحة هي التي تقف بشكل أساسي خلف الحرائق التي انتشرت مؤخراً على مساحة جغرافيا الوطن، لكن كافة مؤسسات الدولة، ومنها الاتحاد العام للفلاحين، قامت باستنفار كافة الجهود لمنع انتشار هذه الحرائق من خلال التنسيق الذي يتم مع كافة مراكز المحافظات، ومراكز الإطفاء الموجودة، وكان للفلاحين دور هام وأساسي في منع انتشار النيران عبر فلاحة الأراضي، والمساهمة بعدم امتداد النيران، وقامت هذه المجموعات مؤخراً باعتقال أحد رؤساء الروابط الفلاحية في منطقة الجزيرة نتيجة نشاطه ومحاولاته مساعدة الفلاحين على تسليم محاصيلهم لمؤسسات الدولة، كما هددوا بحرق بعض المحاصيل في المنطقة، وقاموا بإحراق الكثير من الأراضي لمن أصروا على تسليم محاصيلهم للدولة.
ري حديث
وكشف رئيس اتحاد الفلاحين أن القانون 46 جاء لمن يودون تسديد الديون السابقة عليهم للدولة، وذلك قبل شهر آب القادم دون فائدة، كما كان لإعادة تفعيل المشروع الوطني للري بالطرق الحديثة بعد توقفه في بداية الأحداث دور كبير ومبشّر للموسم القادم، حيث ستقوم الحكومة بمنح 50% من قيمة شبكات الري للفلاحين الراغبين بالعمل بها ممن يقومون بتسديد ديونهم للدولة نظراً للمردودية العالية لها، حيث ستوفر نحو 35% من المياه اللازمة للري بالطريقة القديمة، وترفع مردودية المحاصيل بنسبة 40% تقريباً، على أن يبدأ التسديد بعد ثلاث سنوات من تاريخ تقديم المعدات للفلاحين، حيث ستكون مساهمة الدولة بالمعدات وليس بالأموال النقدية، كما ستقوم الدولة بتقديم 60% من قيمة معدات الري الحديث في حال تسديدها نقداً، وقد وجّه السيد رئيس مجلس الوزراء بإعطاء قرض بقيمة مليار ليرة سورية لإعادة تفعيل معمل أدوات الري الحديث في محافظة حلب في منطقة الشيخ نجار بعد طلب الاتحاد العام للفلاحين ذلك.
معوقات وحلول
بدوره المهندس هيثم حيدر، مدير التسويق في وزارة الزراعة، بيّن أن الوزارة قامت بدراسة دقيقة للمحصول لهذا العام، حيث بلغت المساحات المزروعة 1796 ألف هكتار، وإنتاجها المتوقع 3727 ألف طن، بمردود للمروي 3134 كغ للهكتار، والبعل 1031 للهكتار، وبلغت نسبة التنفيذ على المستوى الوطني بحدود 75%.
وبيّن حيدر أن أهم أسباب عدم تنفيذ الخطة في بعض المحافظات يعود لتضرر شبكات الري الحكومية، وعدم توافر حوامل الطاقة، والتوجه لزراعة الشعير البعل على حساب القمح المروي نظراً لقلة تكاليف زراعته، وغرق بعض مناطق زراعات محصول الحبوب نتيجة الأمطار الغزيرة، خصوصاً في محافظات حماة وادلب، وصعوبة تنفيذ خطة الزراعة لمحصول الحبوب في بعض المناطق غير الآمنة نظراً لممارسات المجموعات الإرهابية فيها.
ورأى حيدر أن التجهيزات التي اتخذت من مختلف الجهات الحكومية لاستلام المحصول كانت عبر تجهيز مراكز الاستلام، سواء في المؤسسة العامة للحبوب بالنسبة لمحصول القمح، أو المؤسسة العامة للأعلاف بالنسبة لمحصول الشعير، وتأمين كافة المستلزمات لضمان تسليم مريح للمحصول، والتنسيق مع وزارة النفط والثروة المعدنية لتأمين المحروقات اللازمة للنقل، وتخصيص أماكن تخزينية لدى المؤسسة العامة للحبوب لصالح المؤسسة العامة للأعلاف لتأمين استلام كميات إضافية من محصول الشعير.
تعاون
وبيّن حيدر أن وزارة الزراعة قامت بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بتأمين الموافقة على منح إجازات استيراد حصادات مستعملة لزوم جني المحصول، وسد النقص الحاصل في هذا المجال، وقد تكللت الجهود بالنجاح من خلال منح وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية عشرات إجازات الاستيراد يتم تنفيذها حتى اليوم.
وبيّن مدير التسويق في وزارة الزراعة بأن المؤسسة العامة للأعلاف قامت بالتعاون مع وزارة التجارة وحماية المستهلك باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسويق محصول الشعير، وتذليل كافة الصعوبات التي تعيق استلامه من خلال تأمين العدد الكافي من الأكياس “2 مليون كيس”، وتجهيز 16مركزاً رئيسياً لتسويق المحصول موزعة على المحافظات، وتجهيز 4 مراكز احتياطية، وتم رصد 70 مليار ليرة سورية سيتم صرفها للفلاحين لقاء تسليمهم المحصول للموسم الجاري، وبسعر 130 ليرة سورية للكيلوغرام بهدف تشجيع المزارعين على تسليم المحصول.
من الآخر
إن الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل كافة الجهات الرسمية أو المجتمعية دليل واضح على حسن التعاون، رغم ما يشوبه من عقبات، ودليل على أن مؤسساتنا بدأت بالتخطيط السليم، وهي قادرة على النهوض بالعمل في كافة القطاعات على غرار قطاع الحبوب، وبداية مبشّرة لإعادة الإعمار.
مرهف هرموش