أين نحن منه…؟!
ما نسبة الأسر والأفراد في سورية ممن يستطيعون حالياً الادخار، من مجمل الموجودين فيها؟ وهل ظل للمواطن ما يمكن أن يدخره، في ظل واقع معيشي ومداخيل، متدنية لحدود مقلقة جداً..؟ وأي معالجات أو سياسات حكومية أو وزارية اتخذت في هذا الشأن الغاية في الأهمية والضرورة الاقتصادية والتنموية، وبالمحصلة النهائية من تلك الأسئلة وغيرها العديد، هل نعي الوعي الكامل ما يعنيه موضوع الادخار عامة والعائلي الفردي خاصة..؟، وما يشكله الخلل أو عدم وجود الادخار في اقتصادنا الوطني ومستقبلنا الاقتصادي..؟ وأية عوائد يؤمنها الادخار، وأية توظيفات واستثمارات يمكنها أن تكون لو كنا ندخر..؟
نسأل لأن الادخارات العائلية أو الفردية، تعد حجر أساس تطور جميع أنواع الاقتصاديات، ولاسيما الاقتصاديات ذات النهج الرأسمالي، كونها تعتمد على التراكم الرأسمالي في تمويل استثماراتها المحلية والخارجية..، إذ يمثل قطاع الأفراد الأساس في دورة تكوين الدخل واستمرار تدفقه بشكل سليم، ومن أجل ضمان تدفق الدخل فإن وجود الادخارات ضروري من أجل ديمومة الاستثمارات وتمويلها.
إلا أننا نجد ضعفاً حقيقياً لهذه الحلقة المهمة في دولنا ومجتمعاتنا، لاسيما الريعية، وحتى تلك المرتفعة الدخل منها، فادخاراتها والتي تمثل المتبقي من الدخل بعد الاستهلاك، عادة ما توجه نحو قطاعات خدمية غير إنتاجية وهي استهلاكية في الغالب، لارتفاع معدل الاستهلاك فيها على حساب الادخار الوطني.
هذا ووفقاً لخبراء الاقتصاد، يعود لأسباب عديدة منها: تدني مستويات الدخول الفردية، مقابل ارتفاع ميل الأفراد إلى الاستهلاك..، فضلاً عن مستويات التضخم المرتفعة وضعف القطاعات الإنتاجية المحلية والاعتماد على الاستيراد أكثر من الإنتاج والتصدير وغير ذلك.
أسباب ورغم ما لها من دلالات وما يجب أن نوفره لها من حلول ومعالجات، لكننا لا نزال غير مدركين أن للادخارات المختلفة دوراً كبيراً في نمو الاقتصاد، وأن مجموع هذه الادخارات يدخل ضمن ما يعرف بالادخار الوطني والذي منه: الادخار الأسري والادخار التجاري والادخار الحكومي.
علماً أن المدخرات العائلية هي المصادر المحلية الرئيسية، لتمويل رأس المال في البنى التحتية والتعليم والتكنولوجيا..، وإلى جانب ذلك فإن وجود مستويات أعلى من مدخرات الأسرة تسمح أن يتم تغطية وتمويل الجزء الأكبر من الدين الإجمالي للبلد داخلياً.
إذاً للادخارات المحلية الخاصة أهمية تتمثل في كونها تشكل تراكماً لها في شكل استثمار في السلع المنزلية المعمرة، وهذا الشكل من المدخرات له تأثير إيجابي على التنمية الاقتصادية؛ لأنه يحفز إنتاج السلع الاستهلاكية وكذلك الطلب على الاستثمار.
وأيضاً الاستثمار في الأوراق المالية، وهو نوع من الادخار، يؤدي إلى زيادة رأس مال المستثمرين، وفي الوقت نفسه يحفز الطلب على الاستثمار.
وكذلك حفظ الأموال في الودائع المصرفية، وهذا الشكل من الادخار، يعطي البنوك رأس مال جديد؛ ما يمكنها من منح القروض والائتمانات، وهذا يحفز هذه المؤسسات وتحقيق الأرباح..؛ بينما حفظ المال أو اكتنازه، هو عامل سلبي، وهذا الشكل من الادخار ليس مهماً للنمو الاقتصادي.
ما تقدم، يتطلب جملة من الأمور- بضع منها يُدَّعى أنه مطبق- اتباع سياسة ادخارية رشيدة تركز على زيادة الادخار المحلي وخفض الاعتماد على المدخرات الأجنبية (الاستثمار الأجنبي أو الاقتراض من الخارج)، وترشيد الإنفاق العام غير الضروري، سواء كان مدنياً أو غير مدني، ومنع الإسراف في السلع الترفيهية والكمالية، والاحتفاظ بالدعم على السلع الضرورية، والسعي لتحقيق العدالة في توزيع الأعباء الضريبية، باعتبار الضرائب تلعب دوراً حاسماً في ترشيد الإنفاق العام ورفع معدلات الادخار…كما يتطلب تنسيق وتضافر جهود كل من السياسات الاقتصادية عبر الاهتمام بقطاعات الإنتاج السلعي الزراعي والصناعي لزيادة إنتاجيتها؛ والمالية من خلال زيادة كفاءة النظام الضريبي ليتلاءم مع التغيرات في توزيع الدخل؛ والنقدية وذلك بزيادة أسعار الفائدة ومنع الائتمان، إلا في ضوء الحاجات الحقيقية واجبة الإشباع في الاقتصاد القومي.
كما يتطلب العمل على تعبئة المدخرات المحلية في الداخل والخارج، داخلياً من خلال خلق أوعية ادخارية لجذب مدخرات الأفراد، وتنمية الوعي المصرفي لدى المواطنين بأهمية الادخار.. إلخ، وخارجياً من خلال إصدار سندات ذات عائد مرن ومتميز يتماشى مع تقلبات أسعار الفائدة في أسواق المال العالمية؛ وذلك لجذب المدخرات الموجودة في الخارج..، فأي مما سلف فعلنا..؟!
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com