الاستراتيجيات الوطنية بين التشريع والتنفيذ
أوائل شهر أيار الماضي تدارست الحكومة برنامجها في مجال التطوير الإداري والمؤسساتي، والعمل لإعداد قانون الكسب غير المشروع، وأكدت أن التطور الإداري والمؤسساتي، مرتبط كلياً بإصلاح وتطوير منظومة التشريع السوري. وأواخر الشهر التقى السيد رئيس الجمهورية فريق المشروع الوطني للإصلاح الإداري، بحضور رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، ووزيرة التنمية الإدارية ورئيس هيئة تخطيط الدولة، وأمين عام رئاسة مجلس الوزراء، واستمع لاستعراض وتقييم ما تم إنجازه خلال المرحلة التأسيسية، من عمر المشروع، كما تم تقديم عرض موسع لما سيتم تنفيذه، ووجه بضرورة تحديد أولويات العمل بشكل أدق خلال الفترة المقبلة، وبالشكل الذي يضمن إنجازاً حقيقياً أكبر على الأرض، مشدداً على أهمية تحديد المعوقات التي واجهته وطرق معالجتها، وتم تقديم عرض موسع لما سيتم تنفيذه خلال الفترة المقبلة.
في بدايات هذا الشهر- حزيران – أقر مجلس الوزراء وثيقة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، باعتماد تطوير عمل الهيئات الرقابية وضمان استقلالها، وبناء بيئة مؤسساتية ومجتمعية، تعي مخاطر الفساد وتسهم في مكافحته، وفق مستويات تشخيص الحالة الراهنة ووضع التدخلات المناسبة لمكافحة مظاهر الفساد وفق برمجة مادية وزمنية محددة، تضمن استثمار الواقع الحالي للمؤسسات القائمة الرسمية والخاصة بما في ذلك المجتمع الأهلي، لتدعيم دور القانون والتضييق على ظواهر الفساد، انطلاقاً من أن هذه الإجراءات تعتبر من أولويات العمل، بالتوازي مع إعداد قانون الكسب غير المشروع وإصلاح وتطوير عمل المؤسسات الرقابية، وتفعيل بوابة إلكترونية لتعزيز مشاركة المواطنين من خلال تقديم الشكاوى والمقترحات المتعلقة بأداء الجهات العامة واتخاذ القرارات، بمشاركة سائر الجهات العامة وخاصة وزارة التنمية الإدارية.
لا يخفى على أحد أن هذه الطروحات سبق وأن طرحها السيد الرئيس منذ سنوات، إذ لدي في أرشيفي الصفحتان الأوليان لجريدتي الثورة والبعث، تاريخ 7/ 4/2002، والمعنونتان “الرئيس الأسد يترأس اجتماعاً لمجلس الوزراء، ويؤكد على ضرورة الإسراع في عمليات الإصلاح الإداري في الوزارات، من خلال إرساء أسلوب فريق العمل كأساس للعمل في إطار المؤسسة، وضرورة ممارسة المسؤول لصلاحياته بعد تحديدها بدقة، وتوصيف الأعمال الإدارية، والمعايير المطلوبة لدى ترشيح الكفاءات للمناصب الإدارية العليا، وأكد على أهمية توضيح صلاحيات معاون الوزير، وأشار إلى ضرورة أن تكون النصوص التشريعية المعبرة عن هذه التشريعات مرنة تسمح بالتوافق مع الطابع المختلف للوزارات أكان إدارياً أو فنياً، كما طلب السيد الرئيس من الحكومة دراسة إمكانية تشكيل مجالس استشارية في الوزارات تؤمن توسيع المشاركة في دعم اتخاذ القرار يشارك فيها الخبراء والمستشارون إلى جانب المعاونين والمديرين المركزيين، وأكد على أهمية اقتراح آليات إدارية تسمح للوزارات، وكان أمل كل مواطن، أن تكون الإعدادات العملية المتوجبة لاحقاً تقضي بتحقق الإصلاح المنشود، وعلى الأقل بتباشير أولية كحد أدنى، مع بدايات عام /2019/ التزاماً بالمشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس حديثاً قبل سنتين، ولكن الإصلاح المنشود لم يتحقق سابقاً، ولا مجدداً، فهل اتضح بشكل جلي أسباب ذلك، ومن هم المسؤولون، عن تتالي هذا التأخير المتكرر والمزمن.
عند تمعن أي منصف في توجيهات السيد الرئيس – قديمها التليد وحاضرها الجديد – من حقه وواجبه أن يتساءل أين الحكومات المتعاقبة من تنفيذ ما تم التوجيه به – من مقام الرئاسة – بشأن الإصلاح المنشود منذ عقود، رغم ترجمة الكثير من التوجيهات عبر العديد من التشريعات، ولا جدال أن القصور الملحوظ، بل المشين يقع على عاتق الوزارات وعلى الإدارات العليا والمتوسطة مجتمعة ومنفردة، بل أيضاً يقع على عاتق المنظمات الشعبية والاتحادات والنقابات المهنية، التي خلل بعضها ينوف عما هو قائم في بعض الإدارات.
قد يقول قائل من المؤكد أن الحرب الظالمة على بلدنا منذ عام / 2011 / أعاقت عملية الإصلاح ، ولا يخلو كلامه من حق، ولكن من حق قائل آخر أن يقول إن مشاريع الإصلاح الإداري وإصلاح القطاع العام، ومكافحة الفساد وتطوير التشريعات، مقترحة من السيد الرئيس قبل سنوات من عام / 2011 / وكل كلامه حق، فإن إن يكن من غير الممكن مساءلة من بقي حياً من الحكومات والإدارات السابقة عن قصورها، فمن غير الجائز ألا تُساءل الحالية عما تعهدت به، والتالية عما سيعهد لها مجدداً، فالمطلوب الإسراع في عمليات الإصلاح الإداري، وهذا الإنجاز يدخل ضمن مشروع إعادة الإعمار، فأين أولي الأمر من هذه الأمور.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية