“صفقة القرن” على خطى أوسلو و خارطة الطريق
ترجمة: البعث
عن موقع غلوبال ريسيرتش 17/6/2019
هناك العديد من نظريات المؤامرة الخاطئة في التداول الحالي، ولكن هناك أيضاً مؤامرات حقيقية جداً. واحدة من هذه الأخيرة هي ما يسمى “صفقة القرن” ، وهي خطة رجعية شاملة أعدتها إدارة ترامب.
المتآمرون الرئيسيون في هذه المؤامرة، بالإضافة إلى حكومات الولايات المتحدة وإسرائيل، هم عدد من الأنظمة العربية الرجعية، خاصةً السعودية، والإمارات المتحدة، والبحرين. هذه الملكيات الرجعية المطلقة كانت تتظاهر على الدوام بأنها داعمة للقضية الفلسطينية، لكن واقع الحال أنها كانت تخشى منذ فترة طويلة من نضال التحرير الفلسطيني وجميع حركات المقاومة الأخرى في المنطقة.
صحيح أن التفاصيل الدقيقة تظل غير معلن عنها، إلا أن العناصر الأساسية للمؤامرة معروفة على نطاق واسع، ومهندسيها هم ثلاثة من مؤيدي إسرائيل الصهيونيين: صهر ترامب جاريد كوشنر، ومحامي ترامب جيسون غرينبلات، والسفير الأمريكي الجديد لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، وهؤلاء الثلاثة يتقاسمون مع الرئيس الازدراء التام للفلسطينيين.
لم تبد إدارة ترامب أي اهتمام بالشأن الفلسطيني، بل على العكس ازداد ازدراؤها للفلسطينيين وقضيتهم، وتجلى ذلك في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، و الاعتراف بـ “السيادة” الإسرائيلية على مرتفعات الجولان (الأراضي السورية)، و قطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة التي تقدم خدمات الصحة والتعليم والإسكان وغيرها من الخدمات لملايين اللاجئين الفلسطينيين، ولم يقدم نشطاء الإدارة الأمريكية سوى عداء غير محدود للشعب الفلسطيني.
ولبدء هذا المشروع “صفقة القرن”، تم تعيين “ورشة عمل اقتصادية” في البحرين بين 25-26 حزيران. وكما هو معلوم فإن البحرين هي موطن الأسطول الخامس الأمريكي الذي يهدد منطقة الخليج بأكملها. الغرض من هذا الاجتماع هو جمع التبرعات بشكل رئيسي من دول الخليج الغنية بالنفط لتوفير “حوافز اقتصادية” للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة ، مقابل التخلي عن نضالهم من أجل تقرير المصير وإقامة الدولة. يقال إن المبلغ المتوقع من جمع التبرعات يتراوح بين 70 و 90 مليار دولار سيقدم جزء منها إلى البلديات الفلسطينية والمشاريع الاقتصادية.
مقابل ذلك، ستضم إسرائيل الكتل الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية التي تضم الآن أكثر من 700000 إسرائيلي، والطرق التي تربط نظام الفصل العنصري ، وتحتفظ بالسيطرة على وادي الأردن سواء تم تسمية دولة أو لم يتم تسميتها – يتم طرح اسم “فلسطين الجديدة” – وبذلك ستكون فلسطين التاريخية أجزاء من الأرض، على عكس أي دولة أخرى على وجه الأرض، ولن يُسمح للدولة الفلسطينية الجديدة أن يكون لديها جيش، وستظل تحت “السيطرة الأمنية” الإسرائيلية.
إذا تم إقرار “صفقة القرن” ، فستكون الدولة الفلسطينية مستعمرة، ومسيطر عليها بالكامل اقتصادياً وعسكرياً ، كما هو الحال في الضفة الغربية اليوم، والجزء الأكبر من الأموال التي خصصتها “الصفقة” للدولة الفلسطينية سينتهي حتماً في حسابات الشركات والهيئات الحكومية الإسرائيلية. وهذا يعني، من الناحية العملية، زيادة مليارات الدولارات كدعم للاقتصاد والدولة الإسرائيليين.
ولكن بعد أكثر من عامين من الوعد بـ “خطة سلام” جديدة ، يبدو أن “صفقة” ترامب من المرجح أن تواجه نفس المصير الذي واجهه الكثيرون الذين سبقوه من خطة روجرز واتفاق كامب ديفيد في السبعينيات، إلى اتفاق أوسلو في التسعينات ، إلى “خريطة الطريق” في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
لم تنجح أي من المحاولات العديدة الماضية في حل الصراع، ولن تنجح هذه المحاولة، ولكن إذا تم تنفيذها، فقد تتسبب هذه الخطة في معاناة إضافية كبيرة للسكان الفلسطينيين الذين يعيشون بالفعل تحت الاحتلال العسكري الوحشي ونظام الفصل العنصري، لأن الهدف الأساسي من “الصفقة” هو تصفية حركة التحرير الفلسطينية، وهي الأحدث في سلسلة طويلة من هذه المحاولات التي يعود تاريخها إلى الأربعينيات عندما أقيمت دولة إسرائيل على أساس أرض فلسطينية مسروقة وطرد أكثر من 750000 فلسطيني.
داخل مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، هناك شكوك واضحة حول آفاق “الصفقة”. وفي تسجيل صوتي لجلسة خاصة مع قادة يهود أميركيين حصلت عليها واشنطن بوست في أوائل حزيران، قال وزير الخارجية اليميني مايك بومبو إنهم أدركوا أن الكثيرين سوف ينظرون إليها على أنها “صفقة لا يمكن إلا للإسرائيليين أن يحبوها” ، وقالوا إنها قد “لا تكتسب قوة” ، وقد تكون “غير قابلة للتنفيذ”، ومع ذلك فإن إدارة ترامب تمضي قدماً في “ورشة العمل الاقتصادية” في البحرين، حيث تقوم باستخدام كافة الأسلحة لإقناع الدول العميلة وحلفائها بالانضمام.