اقتصادصحيفة البعث

الضمانة العقارية تلهبت أحلام الطامحين بقرض العشرة ملايين…و”التجاري السوري” يجهضها

 

دمشق – فاتن شنان
لا تزال آلية منح القروض المصرفية تشكل لغزاً عصياً على فهم الطامحين للحصول عليها، رغم التوضيحات الكثيرة التي اجتهدت بتقديمها إدارات المصارف، وذلك في إطار الترويج إلى أن الشروط مبسطة ومساعدة لكل من يستطيع إلى القروض سبيلاً، ولكن حال المراجعين لفروع التجاري السوري من الراغبين في الحصول على القروض الشخصية والتجزئة يعكس مدى تشابك آلية المنح وتعقيداتها؛ فالشيطان يكمن في التفاصيل، إذ أكد الكثيرون أن طلباتهم لمنح قرض العشرة ملايين قوبلت بالرفض، والبعض الآخر تمت الموافقة على قيمة مالية أقل بالرغم من تقديم ضمانة عقارية توازي 200% من قيمة القرض، وتعلل الجهة المصرفية ذلك الرفض، أو منح نسب أقل بعدم وجود دخل شهري يغطي القسط المطلوب، بينما اتهم المتقدمون المصرف بأنه غرر بهم لدى إدراجه ضمانة عقارية كشرط لازم للحصول على سقف القرض ضمن تعليماته، فما الفائدة التي رمى إليها المصرف من الضمانة وهي عاجزة عن منحهم القرض المطلوب..!

دون غيرها
لاشك أن ضآلة الرواتب الشهرية أجهضت أحلام الكثيرين بالاستفادة من سلة القروض التي أطلقها التجاري السوري، ولاسيما أن قرض المليونين يستلزم راتباً بقيمة 90 ألف ليرة أو ما يعادله من مجموع الراتب الشهري، مضافاً إليه تعويض معيشي وحوافز وطبيعة عمل ليحق للشريحة المستهدفة -وهي ذوو الدخل المحدود- الحصول عليه بحسب ما بينته دائرة الدارسات في المصرف، وخلال محاولاتنا الاطلاع على قائمة المستفيدين منها، تبين أنه من نال مبلغاً لم يتجاوز المليون ونصف المليون من قرض المليونين هي فئات محددة كشريحة القضاة، وذلك بوجود لصاقة تبلغ قيمتها نحو 50 ألفاً بالحد الأدنى تضاف إلى الراتب المقطوع ليحصل بموجبه على هذا القرض، وشريحة أخرى ممن يعملون في مؤسسات أو شركات إنتاجية والإنشائية كالرخام وغيرها والتي تبلغ حوافزهم أيضاً نحو الـ50 ألف ليرة، ولكن هل يشكل هؤلاء نسبة كبيرة من عموم الموظفين في القطاع العام، والتي تكاد تكون الحوافز رمزية أو شبه معدومة ليكونوا نموذجاً للإقراض.. مع العلم أنهم وبتلك الحوافز لم يحصلوا على كامل قيمة القرض.

فقاعة إعلامية
إشكالية أخرى صادفت المقترضين الذين حاولوا تعويض العجز الحاصل بدخلهم الشهري عن طريق تقديم ضمانة عقارية توازي 200% من قيمة القرض كما نصت التعليمات، طمعاً بالوصول إلى حلم العشرة ملايين ليرة، وهي ميزة لا يملكها الجميع، إلا أن المصرف أجاز قبول الضمانة العقارية المملوكة للغير وهو شرط ليس بالمتاح للجميع، ومع ذلك اصطدم قبول طلباتهم بضرورة وجود إثبات دخل شهري يغطي قيمة القسط البالغة 150 ألف ليرة؛ ما أعادهم خائبين، متسائلين ما الغاية من إدراج ضمانة عقارية أن لم تساهم في الحصول على العشرة ملايين، ولاسيما أن الكثيرين يسعون إليها بغية إقلاع مشاريعهم التي تضمن التزامهم في إيفاء أقساطهم الشهرية، معتبرين أنها لا تعدو وسيلة إعلامية للمصرف للترويج بأنه يقدم تسهيلات لذوي الدخل المحدود.

النتيجة ذاتها
في الضفة المقابلة كان غياب الثقافة المصرفية مخرجاً لتوضيحات المصرف مقابل ازدياد حجم السخط على قروضه التي مازالت بعيدة المنال، إذ بين مدير التسليف مازن حمزة أن المصرف حاول تقديم قروض متنوعة بشروط ميسرة لتستهدف جميع الشرائح وليس الدخل المحدود فقط، ولكن الإشكالية الأبرز تقع في خانة ضعف الرواتب؛ فقسط قرض يصل قيمته إلى مليون وخمسين ألفاً مثلاً يبلغ 23.700 ليرة مقابل راتب بقيمة 35 ألف ليرة صافٍ لا يتم اقتطاع أية حسومات مضاف إليه تعويض المعيشة وحوافز بقيمة أربعة آلاف ليرة تقريباً، وهي قيمة لم يحصل عليها الكثيرون لوجود أقساط لقروض أخرى، مشيراً إلى أن القرض يتم منحه بكفلاء فقط، ولكن وجود الضمانة العقارية يتيح تمديد مدة سداد القرض إلى عشر سنوات، ورفع قيمته لغاية العشرة ملايين. ولكن يبقى الأساس في حساب قيمة القرض بحسب ما أكده حمزة هو إثبات دخل شهري قادر على تغطية القسط الشهري الذي يبلغ 146.500 ليرة سورية، وهي الثغرة التي أدت إلى الفهم الخاطئ لدى المواطنين بأن الضمانة العقارية وحدها كفيلة برفع قيمة القرض، وهي التفسير الوحيد لرفض العديد من الحالات التي قدمت ضمانات تفوق قيمة القرض بأضعاف دون وجود دخول شهرية يستطيع المصرف ضمان التزام المقترض بأقساطه، مبيناً أن الضمانة العقارية هي خط الدفاع الأخير الذي يلجأ إليه المصرف في حال تعثر المقترض، ولكنه في حال تهاونه في إعطاء القرض لغير القادر على تسديده سيتحول القرض إلى عبء على المقترض وعلى المصرف أيضاً؛ وذلك كونها تستلزم مدة زمنية لطرحها في المزاد العلني واسترجاع أمواله.

روتين معرقل
في سياق قلة عدد طلبات القروض التي رشحت إلى الإدارة من الفروع والتي لم تزد عن 100 طلب، أشار حمزة إلى أن استكمال الأوراق المطلوبة يحتاج إلى وقت أقله خمسة عشر يوماً، كالاستعلام من المصرف المركزي عن وضع المقترض، إضافة إلى إجراءات تخمين قيمة الضمانات العقارية المقدمة وغيرها الكثير، إلى جانب نقص التجهيزات المطلوبة في الفروع لقبول الطلبات والتي تعوق عملية استقبال الطلبات، مشيراً إلى أن المصرف يسعى ضمن القوانين والأنظمة المعمول بها إلى استكمال هذه التجهيزات، مع الإشارة هنا إلى أن 45 من أصل 130 فرعاً يقوم بالمنح فقط.