التنمية أهم من الثراء..!؟
“أن نلحق العالم الأول ونتابعه خير من معاندته، والتنمية أهم من الثراء”، هي عبارة لحكيم وراسم تنمية الهند جواهر لال نهرو “والد أنديرا غاندي وجد راجيف غاندي”.
بصراحة، استوقفتنا تلك العبارة ملياً، وبالأخص الشطر الثاني منها والمتعلق بالتنمية والثراء، لأنها وبفضل ما فيها من فلسفة اقتصادية اجتماعية، استطاعت إشعار المواطن الهندي بالسعادة لوجود التنمية، فعلى الرغم من فارق الحجم الاقتصادي بالنسبة لنظيره الأوربي (حيث الناتج المحلي للفرد في أوربا يساوي 34 مرة بالنسبة للفرد في الهند)، إلاَّ أن نسبة النمو الهندي ثمانية أضعاف الأوربي.
فمثلاً عندما ننظر لمحفظة الأوربي الاستهلاكية، والتي تحتوي سلة استهلاكه على شراء ومتابعة التقنية من أجهزة ذكية وغيرها، والتعمد لاستهلاك السلع الغذائية الطبيعية والخالية من المواد الكيمائية، نجد أن مثل هذا النمط من الاستهلاك يعد صورة من صور الترف لدى شعوب أخرى مثل الهند.
ما آنف يقودنا لما نرمي إليه من رسالة عامة، مفادها أنه عندما تكون الدولة قائمة بمؤسساتها وبدون أن تكون ضعيفة لأي سبب، سواء من أزمات داخلية أو تدخلات خارجية، فإن قدرتها على الإصلاح وتحقيق التنمية ممكنة، مهما كانت ظروفها الاقتصادية لنقل مواطنيها إلى طموحات ترقاها ومواجهة احتياجات وتحديات العصر…
أما الخاص في رسالتنا، التي عل وعسى تلقى حساً سمعياً وعقلياً وعملياً، عند المؤتمنين على إدارة مؤسساتنا كافة، وقبلهم ممن بيدهم السلطة التنفيذية والتشريعية، فمفادها أننا ومن خلال أغلب المؤشرات الاقتصادية الاجتماعية التنموية، ومن خلال التجارب السابقة للأزمة وخلالها، لم نلقَ مؤشراً وازناً يرجح كفة تحقيقنا التنمية الحقيقية، بينما لقينا أن كفة الثراء والإثراء كان لها الغلبة ولفئة على حساب فئات أخرى..!، وإذا ما أردنا الاستشهاد بالدلائل لما استوعبتها صفحتنا هذه، وعلى حد سواء ما قبل الأزمة وخلالها..!.
لكننا سنكتفي بمثل يعود لما قبل الأزمة بوقت قصير، وهو ما لحق بالمنطقة الشرقية من نزوح إلى مدننا الكبرى، والسبب كان عدم الموافقة على مشروع تحويل ضخ المياه بواسطة الديزل ليكون بواسطة الطاقة الكهربائية، علماً أن مصدراً مسؤولاً في وزارة الكهرباء كشف لنا بدايات الأزمة الضرورة والأهمية التنموية لتنفيذ التحول، وأن الوزارة كان موافقة عليه، لكن..لم يذكر لنا الذي عرقل قرار الموافقة، ولتكون النتيجة هجرة داخلية لآلاف العائلات من تلك المنطقة (إلى دمشق وحلب وحمص)، التي خسرت تنميتها الزراعية بفقدانها للطاقة البشرية..!؟
ولم يختلف الأمر كثيراً في الأزمة ولا حتى في السنوات الأخيرة منها، وخاصة بعد عودة الأمن والأمان والاستقرار لمناطق واسعة في سورية، بفضل تضحيات جيشنا الباسل..، فمحاولات التنمية، من مشروع “ الزراعات الأسرية “ إلى مشروع “ التنمية الريفية “، تظل مجرد محاولات بسيطة لتطبيق ما سمي بـ” الاكتفاء الذاتي أو الاعتماد على الذات”..، لا يمكنها الحلول محل تطبيق مفهوم وسياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة الأشمل والأكبر..، وفي هذا السياق نسأل: لماذا – مثلاً – لا نعمل على تنمية المنطقة الجنوبية الشرقية من حوران بالشكل الأمثل، الوقعة في نطاق حوض الأزرق، في حين يستفاد الأردن بشكل كامل من المخزون المائي لذلك الحوض، في حين حُرم السوريون من ذلك قبل الأزمة ولا زالوا محرومين..؟!
هنا نكاد نجزم أن السبب فيما سبق ولحق، يكمن في عدم تمكن الإدارات المتعاقبة على المؤسسات التنفيذية ولعلة الفساد والترهل وغير ذلك، من ترجمة رؤية وتوجيهات القيادية العليا..!؟.
فعلاً، التنمية أهم من الثراء..، الذي نشاهده كل يوم ..، والسؤال الموجع هو: هل اختلف مفهومنا للتنمية..؟، لعل في “دولرة“ كل شيء يكمن الجواب..!!!.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com