الجزائري: العقوبات أحادية الجانب على سورية انتهاك للقانون الدولي
مازن المغربي
قبل بضعة أيام مددت حكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية العقوبات أحادية الجانب على سورية بحجة الحرص على حقوق الإنسان في سورية، الأمر الذي دفع الدبلوماسي السيد إدريس الجزائري المقرر الخاص في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لعقد مؤتمر صحفي في برلين بدعوة من الفرع الألماني من منظمة أطباء بلا حدود للحديث عن هذا الموضوع.
كان الرجل واضحاً في انتقاده لقرار الحكومة الألمانية، واعتبر أن العقوبات أحادية الجانب تنتهك القانون الدولي الذي قامت على أساسه منظمة الأمم المتحدة التي تمتلك وحدها حق فرض عقوبات على دولة ما. وأشار الجزائري إلى أن الحصار المفروض على سورية يندرج ضمن إطار الأعمال الحربية، كما تطرق إلى موضوع هجرة السوريين إلى ألمانيا محملاً الدول التي فرضت عقوبات على سورية مسؤولية دفع بعض السوريين إلى مغادرة بلادهم. واستعرض تاريخ العقوبات أحادية الجانب التي فرضت على الجمهورية العربية السورية. كانت الصحافية الألمانية كارين لويكفيلد المعروفة بطرحها وجهة نظر موضوعية حول ما يجري في سورية من المشاركين في المؤتمر الصحافي، وقامت بعد ذلك بعقد لقاء خاص مع السيد الجزائري عرض على شاشة قناة روسيا اليوم، وفيما يلي ترجمة ما ورد في اللقاء الذي عقد في برلين في الثلاثين من شهر أيار المنصرم وكان باللغة الإنكليزية.
< لويكفيلد: أنتم المقرر الخاص للأمم المتحدة حول الآثار السلبية للإجراءات العقابية أحادية الجانب على حقوق الإنسان. هذا عنوان شديد التعقيد. كيف تم تعيينكم وما هو موضوع عملكم؟
<< الجزائري: تم انتخابي من قبل مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لتقويم موضوع تداعيات العقوبات أحادية الجانب على الفئات الأكثر هشاشة في البلدان النامية، وهي عقوبات فرضتها بلدان صناعية على بلدان محددة اتهمت من قبل الدولة مصدر العقوبات بأنها لا تراعي حقوق الإنسان بالشكل الكامل. هناك اختلافات بين بلدان مصدر العقوبات والدول المستهدفة حول السياسة التي يجب إتباعها لتحسين وضع حقوق الإنسان. وتتمثل المشكلة بأن أشخاصاً أبرياء في البلدان المستهدفة يتعرضون لتداعيات العقوبات. حاولت الكلام بهدف الدفاع عن هؤلاء الناس ومنح صوت لمن لا صوت لهم.
< لويكفيلد: ما هو الفرق بين الإجراءات العقابية، والعقوبات، والحظر، والحصار؟
<< الجزائري: أولاً هناك تمييز أساسي بين العقوبات التي أقرت من قبل مجلس الأمن الدولي التي تعتبر من الناحية الأساسية مشرعنة، وبين العقوبات المطبقة من قبل بلدان المصدر دون أي موافقة من قبل مجلس الأمن. ولهذا تسمى “أحادية”. وهناك اختلاف في الرأي بين الدول التي تطبق هذه العقوبات التي تعتبرها مشرعنة لفرض سياستها وموقفها على البلدان المستهدفة وعلى غيرها من البلدان النامية التي تتحدى بقوة شرعية مثل هذه العقوبات. والآن نقول: إن هناك مستويات مختلفة من العقوبات. هناك ما يسمى بالعقوبات الشاملة التي تؤثر على كل الحياة الاقتصادية والمالية في البلد المستهدف. وقد تم الإقرار بأن مثل هذه العقوبات يمكن أن تتسبب بنتائج معاكسة على المجموعات الهشة في ذلك البلد وهي مجموعات لا يجوز أن تتحول إلى رهائن بسبب الخلاف بين قيادة البلد مصدر العقوبات والبلدان المستهدفة. ولهذا فإن مجلس الأمن رأى بعد بعض التجارب شديدة السلبية في هايتي وفي العراق أن الناس العاديين عانوا بشكل هائل ولهذا لجأ المجلس إلى ما يسمى “العقوبات الذكية” التي تستهدف قطاعات محددة وليس الاقتصاد بأكمله. وكان هذا نوعاً من التحسن. ومع ذلك فإن العقوبات حظيت بشعبية كبيرة في البلدان مصدر العقوبات إلى حد أن حزم ما يسمى “عقوبات ذكية” تتراكب وترتبط بالعقوبات المالية وينتهي بها الأمر لأن تكون “عقوبات شاملة ” تحت مسمى جديد. ومؤخراً حدث تطور أكثر إثارة للقلق تمثل في التطور المتدرج من الحظر تمثل بقرار من الدولة المصدر عدم التعامل التجاري مع الدولة المستهدفة وعدم قبول المبادلات المالية معها وصولاً إلى تطبيق “عقوبات ثانوية” تهدف إلى منع بلد ثالث لا يوجد خلاف بينه وبين البلد المستهدف ومنعه من التعامل معه. وهذا يدشن مرحلة ثالثة هي مرحلة “الحصار”. والحصار هو عملياً فعل حربيّ ونحن نشهد الآن حالة حصار على فنزويلا، وعلى كوبا وعلى سورية وإيران. وهذا يثير لدينا قلقاً شديداً. ففي البداية كان اللجوء إلى العقوبات بوصفها بديلاً عن الحرب لكن الآن صارت العقوبات تستخدم بوصفها مقدمة للحرب.
< لويكفيلد: سنتحدث بعد قليل بمزيد من التفصيل عن العقوبات على سورية، لكن فقط للتأكد أريد أن أسألكم مرة ثانية هل العقوبات مشروعة من وجهة نظر القانون الدولي؟
<< الجزائري: دعينا نبدأ بتحديد الأوضاع. إن قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات هو أمر معترف به بوصفه مشروعاً، أما العقوبات المطبقة من قبل دولة أو مجموعة دول ضد دولة أخرى والتي لها تأثيرات خطيرة على حقوق الإنسان وتهدد إمكانية الناس العاديين من التمتع بحقوقهم الإنسانية الأساسية فهي غير مشروعة. وثمة منطقة رمادية ما بين الاثنين. والبلدان الغربية تعتبر أن هذه العقوبات يمكن أن تكون مقبولة عندما تتوافق مع معاييرها الخاصة. في حين أن أغلبية أعضاء الأمم المتحدة لا تتفق معها في هذا وهي تعتبر أن كل العقوبات التي لم تفرض بقرار من مجلس الأمن “غير مشروعة” وهي تشبه تطبيق القانون باليد ونحن أقمنا نظاماً للمحافظة على السلم في العالم من خلال إنشاء الأمم المتحدة ولم يكن هذا كافياً بالتأكيد، لكن هذا هو النظام الدولي الذي أقيم بعد الحرب العالمية الثانية. إن اللجوء إلى العقوبات أحادية الجانب يعني إقامة نظام آخر ويعني أن تقومي بتنفيذ العدالة بنفسك وهذا يمكن أن يهدد السلم، والسلام العالمي ولا يقتصر الأمر على السلام الإقليمي.
العقوبات على سورية الأكثر تعقيداً
< لويكفيلد: في شهر أيار من عام 2016 نشرت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالاقتصاد وبالوضع الاجتماعي في غرب آسيا تقريراً حول الوضع في سورية. كانت البلاد تعاني من العديد من العقوبات وصفت بأنها العقوبات الأكثر تعقيداً وذات المدى الأبعد التي فرضت على أي نظام آخر منذ الحرب العالمية الثانية. أنتم زرتم سورية قبل عام ما الذي وجدتموه هناك؟
<< الجزائري: في الواقع حالة سورية تمثل وضعاً معقداً. فهناك دولة كبرى بدأت بفرض عقوبات على سورية منذ القرن المنصرم. في حين بدأت مجموعة من البلدان المتقدمة بدخول النزاع في عامي 2010 و2011. وكان هناك في الوقت ذاته صراع مندلع في سورية. أنا ذهبت إلى هناك للتحقيق في الأثر المعاكس على الناس العاديين في سورية ولم تكن المهمة سهلة. كان هناك معاناة فرضت على الشعب في سورية بسبب تراجع موارد الحكومة نتيجة الصراع الذي كان صراعاً شديد التعقيد مع وجود تدخلات من قبل العديد من الدول الأجنبية، ولهذا من الصعب تحديد نسبة المسؤولية عن المعاناة بين تداعيات الصراع وتراجع موارد الدولة نتيجة العقوبات، لكن كان هناك حقيقة مؤكدة، وقد تم الإقرار بها من قبل لجنة قامت بالتحقيق في سورية ترأسها السيد بينهيرو، بأن العقوبات، كما نوهتُ في تقريري إلى مجلس حقوق الإنسان، تدعم وجهة النظر بأنها فاقمت وضع حقوق الإنسان في سورية. ما هي المؤشرات على ذلك؟ تراجع الناتج المحلي الإجمالي في سورية بمقدار الثلثين خلال الفترة ما بين 2010-2017 وارتفع التضخم بشكل مذهل عام 2013 ووصل إلى 85%. حدث هذا في بلد يعيش 50% من العاملين فيه وفق نظام رواتب ثابتة. أما البطالة التي كانت نسبتها 8.5% قبل الأزمة فوصلت إلى ما يقارب 50% عام 2017. و كيف ما نظرتي إلى الواقع سترين أن الوضع يتدهور وهذا التدهور مستمراً بعد انحسار القتال. الوضع في سورية بلغ الآن مرحلة سلام في معظم المناطق باستثناء إدلب وبعض المناطق الهامشية وتراجع العنف بوضوح بشكل تام لكن الوضع مستمر بالتدهور ولا يعود الأمر إلى العنف أو الصراع بل يعود إلى استمرار هذه العقوبات. ومؤخراً قرر الاتحاد الأوروبي توسيع العقوبات، في ضوء ما يعتبره إنكار حق الشعب في التمتع بحقوق الإنسان. والسؤال كيف سيؤدي تراكم المزيد من العقوبات على الشعب في سورية إلى رفع معاناة الشعب بوصفها نتيجة لقصور حكومة ذلك البلد؟ إن هذا يشبه تماماً أن تطفئ الحريق المتمثل بإنكار حقوق الإنسان في سورية، لكن بدلاً من استخدام خرطوم ماء لإطفائه، نلجأ لاستخدام قاذف لهب لفرض مزيد من إنكار حقوق الإنسان على شعب هو بالأصل عاجز عن التأقلم مع الوضع. إن هذا يبدو متناقضاً مع التعاطف مع شعب يعاني ومع حل متمثل في إعطاء الناس أدوية تحرمهم من المزيد من حقوق الإنسان. تخيلي أن سعر صرف الدولار تجاوز 500 ليرة في حين كان في الماضي 45 ليرة! من الذي يدفع الثمن؟ تخيلي أن هناك اليوم 1.8 مليون طفل يعجزون عن ارتياد المدارس لأن العقوبات تعيق عمليات الحصول على مواد إعادة بناء المدارس وتعيق الحصول على معدات التدريس التي تحتاجها عملية تدريس هؤلاء الأطفال. هل هذا يساعد الناس في ما يتعلق بحقوق الإنسان؟
< لويكفيلد: والآن تقومون بجولات عبر العالم للاجتماع مع صناع السياسات والحديث معهم حول ما وجدتموه (التقرير). كما قمتم برفع تقرير إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى مجلس حقوق الإنسان. تحدثتم مع أشخاص في نيويورك وبروكسل وبرلين لكن في الوقت ذاته، كما أشرتم قبل قليل، تم تمديد عقوبات الاتحاد الأوروبي عاماً آخر. ما هو في رأيكم سبب التمسك بالعقوبات على الرغم من أنهم يعرفون ما أدليتم به. كيف يمكنكم تفسير إنكار الدول مصدر العقوبات؟ هل لم يصدقونكم؟ أم أنهم لا يهتمون بشعب سورية؟
<< الجزائري: تكمن المشكلة في صراع الإيديولوجيات. إنه صراع إيديولوجي وهو صراع لا يستند إلى الحياة اليومية للناس العاديين في سورية. هناك صراع بين مجموعة من البلدان المتقدمة والقيادة السورية. هذا يشبه صراع الفيلة حيث يتم دوس العشب. لقد تم دوس شعب سورية عبر هذا الوضع. حاولت الدفاع عن الشعب وعن حقوقه الإنسانية دون الانحياز إلى أحد جانبي الصراع السياسي. أنا لا أؤيد ولا أعارض أياً من القيادات المتصارعة، أنا أحاول فقط الحفاظ على مصداقيتي من خلال تبيان أن هناك بعض الطرق الأكثر منطقية لحل الخلافات التي تقع بين الدول. كانت كل فكرة إقامة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية هي توفير إطار مؤسساتي لحل المشاكل بدون حرب. ما يحدث هو لجوء إلى الحرب بطرق أخرى. ففي واقع الأمر القتل أمر شنيع ولا يهم إن حدث من خلال قصف مشفى أو من خلال منع المشفى من الحصول على مواد التخدير أو على العقاقير الضرورية لإجراء عملية لشخص على وشك الموت. الموت بصمت لا يختلف بالنسبة للضحايا عن الموت نتيجة انفجار.
< لويكفيلد: ما هي مقترحاتكم؟ كيف يمكن حل هذا الوضع؟
<< الجزائري: اقترحت، فيما يتعلق بالحالة في سورية، بعض الإجراءات المتواضعة. الإجراء الأول: يمتلك المصرف المركزي في سورية احتياطيه الخاص من العملات الأجنبية التي تم تجميدها. لا بد من رفع تجميد هذا الاحتياطي وإطلاق برنامج لتغذية الفقراء من خلال استيراد القمح الضروري. استخدام المال السوري لإطعام الشعب السوري بالتحديد الفئة التي تحتاج هذا. هذا هو رقم واحد، من يمكن أن يكون ضد هذا! عليّ الإقرار بأن الاتحاد الأوروبي قدم بعض الدعم الإنساني وهذا أمر يستحق التقدير. لكن كان هناك أحياناً نوع من الانتقائية خلال التوزيع، ولم تكن الانتقائية قائمة على أسس مناسبة. أما الحل الثاني الذي اقترحته فهو أن ننشئ في دمشق مكتباً لتدبير الأمور تحت إشراف الأمم المتحدة، الأمر الذي يوفر إمكانية ملموسة لإعفاء الاحتياجات الإنسانية من العقوبات. هي معفية من العقوبات نظرياً لكنه لا يسمح باستيرادها عملياً، وبسبب كل عمليات الالتفاف والعقبات، وبشكل خاص الحصار المالي، أو أن الحصول عليها يستغرق وقتاً طويلاً للغاية. ثالثاً هو أن نراجع العقوبات انطلاقاً من تلك التي كان لها التداعيات الأشد على الناس العاديين ومحاولة تطبيق عملية أخذ ورد تنفذ خطوة خطوة للوصول إلى حوار يؤدي إلى رفع تلك العقوبات بشكل تدريجي على أمل تطوير طرق بديلة للحوار بين البلدان مصدر العقوبات وسورية وفتح صفحة جديدة. وأنا أؤمن بأن الشعب السوري خلاق إلى أقصى حد وأنه كان في مقدمة الوطن العربي على صعيد التطور وأنه قادر على النهوض ثانية من العدم وكل ما يحتاجه هو منحه فرصة. هو لا يريد إحسان بل السماح له بإطلاق روحه الخلاقة لإعادة إعمار سورية.
سورية ربحت الحرب
< لويكفيلد: لكن بطبيعة الحال فإن الحوار يتطلب طرفين. وأن يكون الطرفان مستعدين للحوار… ما تقترحونه يبدو كما لو أنه فرض وصاية الأمم المتحدة على سورية.
<< الجزائري: حسناً أنا أتحدث عن دور الأمم المتحدة لأن هناك انهياراً واضحاً في الثقة بين البلدان مصدر العقوبات وسورية. وتصادف هذا مع واقع أن الإدارة الحالية في سورية ربحت عسكرياً وليس من السهل على أولئك الذين أرادوا تغيير النظام في سورية قبول هذا الواقع. لكن السياسة تتطلب براغماتية والاعتراف بالوضع القائم. لربما تمكن دور الأمم المتحدة هذا من إطلاق عملية بناء ثقة بين الطرفين بحيث نصل إلى مرحلة تستمر فيها عملية بناء الثقة اعتماداً على ديناميتها الخاصة كما كان عليه الحال في السودان. وفي الواقع أتذكر أنه في السودان عندما تفاوضنا مع السودانيين ومع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس أوباما قلت وقتها أن العقوبات تؤدي لدعم النظام القائم في البلد المستهدف. وعندما تحدث هذه الظاهرة يطلق عليها تسمية ردة فعل التفاف الشعب حول العلم، ولا استغرب أن إدارة كاسترو قد صمدت طوال خمسين عام نتيجة لعقوبات الولايات المتحدة. لنترك الشعب في سورية يقرر اليوم ما الذي يريده. وفي النهاية سيجد الحل الخاص به ومحاولة أن نقوم بتحديد الطريق لن تجدي. في حالة السودان تمكنا من رفع العقوبات في ظل إدارة ترامب.
< لويكفيلد: في بداية الحوار قلتم إنكم تريدون منح صوت لمن يعانون في إيصال صوتهم. ألا ترون أن عملكم يتضمن محتوىً سياسياً عالياً؟ أن تقوموا بدعم حقوق الإنسان؟
<< الجزائري: لا. ردي هو أن السرطان الذي هاجم لجنة حقوق الإنسان يتمثل في تسييس حقوق الإنسان لخدمة أغراض محددة. من المهم أن نسترشد في دعم حقوق الإنسان بالقيم لا بالسياسات وأنا بتواضع أسترشد بالقيم وأبذل أفضل ما أستطيعه لتغليب كفة القيم على السياسات في هذا المجال.