عينينا هنيّ أسامينا
سلوى عبّاس
قالت له: أتعيرني اسمك لأختال بهيبته وحسنه، أبدأ صباحي به، أعيش مع سحره فيصبح نداؤه بلسمي ودوائي، وترتيلة صلواتي، يروي ظمئي، يدعوني للحياة، فمنذ أن أدركته وأنا أصنع من انجذابي إليه انتماء.. هو شفاف كماء العين، هو رشقة الماء الأولى على وجهي من أجله أدفع ما تبقى من روحي.
هذه الصبية التي تتغنى باسم حبيبها تدرك أن هذا الاسم يعني شخصاً بعينه، لا يتشابه بسماته وميزاته مع أي شخص آخر، حتى لو حمل الاسم ذاته، فالأسماء هي أول قيمة يمتلكها الإنسان تلازمه طيلة حياته، وبالتالي لها تأثيرها النفسي والروحي عليه، تيمّناً بمقولة “لكل مسمى من اسمه نصيب” فالأسماء تمثّل جزءاً مهماً من شخصية الإنسان وهويته.
وفي نظرة متأنّية في الأسماء التي تتردد على مسامعنا، نرى للأهل أهدافاً وغايات يعتمدونها في انتقائهم أسماء أبنائهم، وكم تخطر في البال حالات لأسماء اختارها الأهل، إمّا لتجنّب الحسد عنهم، أو تيمّناً باسم إحدى الشخصيات التاريخية أو الفنية، لكن النتيجة أن الاسم يطبع صاحبه بطباعه ودلالاته مهما اختلفت أو تشابهت.
كذلك كم من الأشخاص الذين نلتقيهم ويحملون اسمين والسبب أن الاسم الذي اختاره الأهل لهم أول إبصارهم نور الحياة، لم يتوافق مع شخصيتهم وطباعهم وينعكس سلباً عليهم، فيختارون لهم اسماً يناسبهم بالتوافق مع اسم الأم وطباعها، وهذه الحالة لا ندري ما مدى صحتها ومصداقيتها، لكنها مألوفة في مجتمعاتنا كثيراً.
أيضاً نصادف في الحياة أشخاصاً كثراً تغيب أسماؤهم، من خلال ألقاب يطلقها عليهم رفاقهم، وخصوصاً لدى الشباب، إذ يلقبونهم باسم والدهم أي “أبو فلان” بحكم أن الولد الأول الذي سيرزق به محكوم عليه أن يحمل اسم جده، كذلك هناك من يفضّلون أن يلقبون باسم مولودهم البكر، ويصبح اسمهم الذي عُرفوا به غائباً، وهنا تغيب عن الذهن أهمية أن يكنى الإنسان باسمه.
ومن الحالات أيضاً من لا يقبلون أن يُلفظ اسمهم دون صفة تسبقهم مثل أستاذ أو حرف الدال صاحب الوقع الكبير على أصحابه، وهنا مقتل هؤلاء الأشخاص لأنهم لو يدركون قيمة أسمائهم لما اهتمّوا بأي صفة أخرى.
أسامينا أصبحت جواز سفرنا في الحياة وشكلت جزءاً من شخصيتنا، وكما تقول الدراسات أن اسم الإنسان يؤثر على فرصه في الحياة، بالإضافة إلى وجود علاقة بين اسم الإنسان وصفاته السيئة أو الإيجابية، وهنا تحضرني أغنية “أسامينا” للسيدة فيروز، شعر جوزيف حرب وتلحين فيلمون وهبي لتؤكد أن “الأسامي كلام.. وعينينا هنّي أسامينا” فالأسماء لن تستطيع الدخول لأعماق وجودنا ما لم تقترن بعيوننا التي هي مفتاح شخصيتنا ومرآة أرواحنا، تنقل الإحساس الصادق لمشاعرنا الحقيقية، وتنطق بلغة صامته ما يدور في نفوسنا.
وكما تكمل الأغنية “لا خضر الأسامي ولا لوزيات..لا كحلي بحري ولا شتويات لا لونن أزرق قديم ما بيعتق.. ولا سود وساع ولا عسليات” فالأسماء لا تغير من شكلها ولا من معانيها بل تبقى كما هي ثابتة، بينما العيون تتلون بألوان مختلفة معبرة عن خصائص وطباع أصحابها، والإنسان الحقيقي يدرك أنه ما من أحد أكبر من اسمه، وأننا مهما حاولنا رسم حياتنا وضبط إيقاعها، سنكون رهن قدرنا الذي يتحكم بنا، وستبقى أزهار حياتنا التي سقيناها نسغ قلوبنا مشرّعة للحب، باقية حيث تتنفّس أرواحنا بعمق، عطشى لأمل عميق، يأسرنا دون أن ندرك كنهه، وستبقى أسماؤنا كالياسمين، رسالتها في نبلها وعبقها.