في قاعات الامتحان أجواء مشحونة بالقلق والتوتر.. ومحاولات لضبط حالات الغش.. والمراقبة متهمة (بالإرباك)
مثل انكليزي شهير يقول: خطأ الطبيب يدفن تحت الأرض، وخطأ المهندس يقع على الأرض، أما خطأ المعلم فيسير على الأرض، إذاً لا أحد يمكنه أن يعلو فوق المعلم، أو أن يأخذ مكانه، فالمعلم رسول العلم والتربية على حد سواء، غير أن بعض معلمينا اليوم قد تخلوا عن ممارسة دورهم الحقيقي، متذرعين بأسباب وظروف ليتهربوا من ممارسة هذه المهمة الإنسانية الأسمى المتمثّلة بتربية الأجيال، ومن ثم تعليمهم، وهنا بالطبع لا يقع اللوم على المعلمين فقط، وإنما على كل المعنيين بالعملية التربوية والتعليمية، فمع كل بداية امتحان لطلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوي تبدأ حالة من التوتر والانفعال وعدم الراحة للمتقدمين من طلاب، ومن ورائهم أسرهم في مشهد بات يتكرر كل عام، وتبدأ موجة من الانتقادات توجّه للعاملين في وزارة التربية لوجود الكثير من الأخطاء الكارثية التي تؤثر على سير العملية الامتحانية.
إعادة الهيبة
العملية التعليمية والتربوية مرت بظروف صعبة لا يمكن لأحد نكرانها نتيجة ما تعرّضت له البلاد من حرب إرهابية أثرت على كل مفاصل الحياة فيها، وتأثير الحرب على سير العملية التعليمية كان واضحاً جداً، حيث توقفت الحياة التعليمية في الكثير من المناطق بسبب الحرب، وبصعوبة بالغة تم استئنافها في مناطق أخرى، وحدثت الكثير من التجاوزات وحالات الغش الموصوفة والتسيب في العملية الامتحانية، ولكن بعد مضي أكثر من ثماني سنوات على الحرب، ألم يحن الوقت لتغيير طريقة تعاطي الوزارة مع العملية الامتحانية؟.. البعض اليوم يتحدث عن إعادة الهيبة للعملية الامتحانية من خلال بذل كل الجهود للتقليل من حالات الغش والتسيب، واستخدام كل الوسائل لمنع تسرب الأسئلة الامتحانية عن طريق قطع الاتصالات، والتأكيد على المراقبين أن يقوموا بمهمتهم الموكلة إليهم على أكمل وجه، وهذا أمر بديهي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو الآتي: هل ما تقوم به الجهات المعنية سيكفل إعادة الهيبة للامتحانات، وهل هذه هي الطرق المضمونة لعدم حصول خلل ما؟.
رهاب الامتحان!!
ألف ساحة معركة ولا قاعة امتحان، هذا ما قاله نابليون بونابرت عندما سئل: أي المواقف توترك؟.. إذاً الخوف من الامتحان أمر طبيعي، خاصة أننا نعتبره معياراً ودليلاً على النجاح أو الفشل، لكن المبالغة والإفراط وسوء تعامل البعض ممن يقومون بمتابعة سير العملية الامتحانية أمر غير مقبول، خاصة ونحن أمام طلاب يافعين يعتبر الامتحان بالنسبة لهم مسألة تحديد مصير مع ارتفاع معدلات القبول الجامعي بشكل كبير، ما يضيّع على الكثير من الطلاب فرصة تحقيق أحلامهم في دراسة الفرع الجامعي الذي يرغبون به، حيث سجلت الكثير من الشكاوى حول سوء معاملة بعض المعنيين للطلاب المتقدمين للامتحان.
نائلة إبراهيم، موظفة في مكتب سياحي، تقول: مع بدء أول يوم امتحاني دخل ابني وهو طالب شهادة ثانوية إلى مركزه الامتحاني، وبعد انتهاء النصف الأول المخصص للامتحان، بدأ بعض الطلاب يخرجون متذمرين من بعض المراقبين الذين بدؤوا بالصراخ، وتوجيه الإرشادات بطريقة فيها الكثير من القسوة من دون مراعاة لمشاعر الطلاب المتوترين بالأساس، متسائلة: ما الذي يمنع بعض المراقبين أو المندوبين الوزاريين من احتواء الطلاب وطمأنتهم ورفع معنوياتهم، هؤلاء يجب أن يكون حضورهم محبباً ولطيفاً وداعماً للطلاب لا العكس، ألا تعتبر هذه الممارسات جزءاً من حسن سير العملية الامتحانية، أم أن الامتحان يتمثّل فقط بتوزيع الأسئلة والمراقبة؟!.
استعراضات إعلامية!
المعلمة رهام قالت: أنا أراقب في أحد المراكز الموجودة في منطقة المزة، وأرى بأم العين الكثير من التجاوزات التي تحصل من قبل بعض الزملاء، وطريقة تعاطيهم السلبية مع الطلاب، وإذا تجرأت ووجهت ملاحظة لهم يبررون تصرفاتهم بجملة: “الطلاب ما بتنعطى وجه”، وتعتبر رهام أن ضبط العملية الامتحانية يكون بتغيير نمط وآلية الامتحان بشكل كلي، خاصة أن طلابنا تعرّضوا للكثير من الضغوطات نتيجة الحرب، لذلك بات من الضروري العمل على تربية الطالب وتعليمه على أن يفكر بعقله، ويستعين بالمعارف التي اكتسبها، وأن تكون طبيعة الأسئلة إبداعية حتى لا نجبر الطالب على الغش، وبعض المراقبين ومديري المراكز على الفساد، نريد أن نخرج في مدارسنا جيلاً مبدعاً يبتكر الحلول لمشكلاته لا مجرد آلة تتبع طريقة النسخ واللصق، ثم ما هي الفائدة المرجوة من الاستعراضات الإعلامية التي يقوم بها بعض المسؤولين للقاعات الامتحانية، وما تحدثه هذه الزيارات من خوف لدى الطلاب وإضاعة للوقت؟.. يستطيع المعنيون الاطمئنان على حسن سير العملية الامتحانية من دون الحاجة لدخول القاعة، مستهجنة عدم قيام هؤلاء المعنيين أنفسهم بزيارة الطلاب في مدارسهم عندما كانوا يعانون من نقص بوسائل التدفئة خلال العام الدراسي، فدخول أربعة أشخاص أو أكثر إلى جانب المراقبين الموجودين في القاعة سيضع الطالب بحالة ارتباك وقلق لن تنتهي بخروجهم، ما سيتسبب بهدر وقته!.
هدر حقوق
أحد أساتذة مادة الرياضيات يتحدث عن المراحل التي تمر بها العملية الامتحانية التي تعتبر مهمة شاقة تحتاج لبذل جهود كبيرة وتعاون من قبل كل الجهات المعنية، حيث يعتبر أن العملية متكاملة تبدأ منذ بداية العام الدراسي، ولا تنتهي بوضع النماذج الامتحانية، وصولاً إلى المرحلة النهائية وهي مرحلة تصحيح الأوراق التي تتم من قبل أساتذة مختصين في كل مادة، متابعاً حديثه: الجميع يلوم المعلم، وأنا هنا لا أتهرب من واجبي، والمسؤولية الملقاة علينا كمربين، ولكن هل خطر لأحدكم أن يتساءل عن المقابل المادي المخزي الذي يدفع لنا نتيجة عملنا كمراقبين وكمصححين، الكثير منا ينتهي من عملية المراقبة لينتقل لتصحيح الأوراق، ماذا تتوقع من مدرّس يراقب حوالي ثلاث ساعات وسطياً، ثم يطلب منه الذهاب لمركز التصحيح حتى يصحح أوراق طلاب مصيرهم بين يدي أستاذ مرهق في هذا الطقس الحار، حيث الكثير من المراكز تعاني من سوء في التكييف، ولا تخفى على أحد الأخطاء التي تحدث أثناء عملية التصحيح، وزملائي يعملون ويفهمون ما أقصده جيداً، في النهاية المصحح إنسان، والخطأ وارد جداً، فلماذا لا يتم الفصل بين من يراقب ومن يصحح مختتماً حديثه؟!.
تفوق الطالب
الطالب السوري له سمعة حسنة حيثما وجد، فكل يوم تطالعنا الأخبار في أنحاء العالم عن طلاب سوريين متفوقين حتى على أبناء البلد نفسه، فمنذ يومين في مدينة ولثام، بوستن الأمريكية، وهي أم أقدم وأشهر وأعظم الجامعات والمعاهد والمراكز التعليمية والبحثية للعلوم والآداب والتكنولوجيا والمدارس في العالم، تفوقت طالبة سورية لم يمض على وصولها للولايات المتحدة الأمريكية سوى سنوات معدودة، هي لونا البرازي، حيث نالت الشهادة الإعدادية في مدينة أكثر من نصف سكانها طلاب وطالبات وأساتذة وافدون من جميع أنحاء العالم، لذلك طلابنا يستحقون منا بذل كل الجهد لتغيير نمط وآلية العملية الامتحانية التي ستمكننا من اكتشاف طلاب مبدعين لهم الحرية في التعبير عن أحلامهم، واختيار الطرق التي سيرسمونها لبناء مستقبلهم ومستقبل وطنهم الذي هو اليوم أحوج ما يكون لأبنائه.
لينا عدرة