الهجرة المعاكسة.. وتداعياتها على الكيان الصهيوني
يسعى الكاتب “عبد الحميد غانم” في كتابه “الهجرة المعاكسة وتداعياتها على الكيان الصهيوني” إلى إلقاء الضوء على الظروف الدولية والإقليمية والعوامل التي أسهمت في قيام الكيان وتكثيف الهجرة اليهودية وتوضيح الإشكالات المرتبطة بموضوع الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومدى تأثيرها في موضوع الهجرة المعاكسة، كما يسعى إلى توضيح الأسباب التي ساعدت على تزايد الهجرة وتحديد ماهية السياسات الصهيونية المتبعة للحد من الهجرة المعاكسة ومعرفة مدى نجاحها وكذلك تحديد تداعيات هذه الهجرة على الكيان الصهيوني ومستقبله.
الهجرة المعاكسة التي يتحدث عنها الكتاب أصبحت تؤرق صانعو القرار الصهيونيين، هذه الظاهرة التي بدأت تخرج من الكيان وخاصة إلى الدول الأوربية جاءت مع مرور الزمن نتيجة تغير الأوضاع والظروف الدولية والأوضاع الداخلية للكيان، وما يثير القلق لدى الصهاينة حسب رأي الكاتب هو حقيقة الأرقام التي توردها المصادر الصهيونية الرسمية وغير الرسمية حول تنامي هذه الهجرة المعاكسة منذ العدوان الصهيوني على لبنان في تموز 2006 وما ترافق معها من أحداث تسببت للكيان بمشكلات أمنية واقتصادية وانعكست قلقاً وخوفاً لدى المهاجرين اليهود، كما يأتي القلق لدوائر صنع القرار الصهيوني من تضاؤل الهجرة اليهودية.
يعود الكاتب في الفصل الأول إلى السياق التاريخي للهجرة اليهودية إلى فلسطين متعرضاً إلى الظروف الدولية ومواقف القوى الاستعمارية التي ساهمت في قيام الكيان الاستيطاني، لاسيما بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ودورها في تسهيل وتشجيع الهجرة، كما يتناول وضع اليهود في العالم وتوزعهم ومراكز ثقلهم ووسائل الصهيونية لجذبهم للكيان، كتقديم مغريات عديدة مثل أماكن عمل وسكن مناسبة وملائمة في الكيان، بالإضافة إلى جعل الهجرة التزاماً مقدساً ليهود العالم وربطهم بتحقيق مصالحه وأطماعه، ويركز الكاتب على مسألة توظيف الهجرة في خدمة المشروع الصهيوني وتأمين المخزون الديموغرافي لقيام الكيان من خلال موجات الهجرة قبل قيام الكيان وبعد قيامه.
في الفصل الثاني من الكتاب يسلط الكاتب الضوء على أحد الموضوعات الأقل بحثاً وتدقيقاً في الكيان الصهيوني ألا وهي الهجرة المعاكسة والسياسات الصهيونية لمواجهتها، إذ تمنع السلطات الصهيونية تناول هذا الموضوع في الصحافة والإعلام ومراكز الأبحاث والدراسات فسلطات الكيان تحرص بشدة على إخفاء هذه المعلومات، ويرى الكاتب أن أحد أبرز العوامل التقليدية المسببة للهجرة المعاكسة هي الأحوال الاقتصادية المتقلبة وغير المستقرة في الكيان، فالاقتصاد الصهيوني تأثر نتيجة العدوان على لبنان في 2006 ثم تداعيات الأزمة المالية العالمية في 2008 التي أدت بالكيان إلى حالة ركود، بالإضافة إلى الوضع الأمني الذي يشكل تحدياً كبيراً للكيان وغيرها الكثير من الأسباب الاجتماعية الداخلية لليهود.
هذه الهجرة المعاكسة أطلق عليها المسؤولون الصهاينة المشكلة الديموغرافية أو القنبلة الديموغرافية فهي تشكل تهديداً لوجود الكيان، لذلك يعكف الخبراء ومراكز الأبحاث على تقديم مقترحات لمواجهة هذا الخطر ووضع آليات متعددة لمواجهته وهذا ما تطرق إليه الفصل الثالث من الكتاب الذي جاء بعنوان “أثر استمرار الهجرة المعاكسة على مستقبل الكيان الصهيوني”، فالهجرة الوافدة والمعاكسة أصبح لها مكانة متقدمة في النقاش حول المسألة الديموغرافية في الكيان والتي تشكل هاجساً لسلطات الاحتلال، بالإضافة إلى مخاطرها وتأثيرها في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، فالدوافع الاجتماعية للهجرة اليهودية المعاكسة شكلت أحد المرتكزات الأساسية لأزمة المشروع الصهيوني والأزمة الوجودية للكيان والتي تتجلى في أوجه عدة منها إشكالية الهوية والواقع الاجتماعي المتصدع والشعور بفقدان الثقة بالكيان. إن مخاطر أثار الهجرة المعاكسة على الكيان تتصاعد لتهدده بالزوال نظراً للطبيعة المصيرية لهذه المخاطر التي تصيب الأساس الذي قامت عليه الصهيونية، إضافة إلى تأزيم واقع الكيان الداخلية وإظهار عجزه في حل معضلة استمرار التفوق الديموغرافي اليهودي وحل إشكالية من هو اليهودي، إن قراءة الحال الصهيوني ومعرفة ما يعيشه من صراعات ومشكلات وقلق وجودي بين مختلف مكوناته يساعد على تعزيز قدرتنا على مقاومة الاحتلال الصهيوني ودحره واستعادة الأرض المحتلة وحقوقنا كاملة غير منقوصة.
علا أحمد