السعودية الغارقة في الأزمات
ريا خوري
من المؤكد أن قلقاً وخوفاً محدقاً في منطقتنا العربية قد تفاقم إلى مستويات غير مسبوقة، بسبب ازدياد الارتهان إلى الآخر الخارجي، والحروب الطاحنة التي تهدّد مكوننا العربي بالفشل والتفكيك. من هنا نظر العديد من المراقبين والمتابعين بتوتّرٍ إلى المؤتمرين اللذين عقدا في مكّة، الأول ضمّ دول الخليج والثاني ضمّ الدول العربية لبحث التطوّرات الراهنة في المنطقة العربية، لكن قرارات القمتين كانت مخيبة للآمال وحتى الأماني.
كان المطلوب من عقد مثل هذه اللقاءات في مكة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ فيها المنطقة، العمل على جدول أعمال يستهدف إقرار مُصالحة شاملة بين مختلف أقطار الدول العربية والإقليمية لدعم أواصر الصداقة و حُسن الجوار بين شعوبها ودولها ، وإنهاء حال الحرب التي أنتجت فوضى عارمة وجعل حد للتوتّرات. لأن منطقتنا العربية من المغرب إلى باكستان مُحاصرَة بتحديات وإكراهات وأزمات خطيرة ومُدمّرة ، ومُرشّحة للمزيد من التفاقم، و قد تحرق المنطقة برمتها إذا لم يُحسن التصرّف إزاءها. والمطلوب اليوم إعادة التفكير وإعمال العقل لإبداع مُقاربات جديدة تساعد على تجاوز الصعاب والمشاكل الحادة كي لا نعيد إنتاج الطُرُق التي تمّت فيها مُقاربة هذه التحديات والإكراهات والأزمات نصف قرن مضى و لم نَجن منها سوى الدمار والحروب وهدر الطاقات والأموال، وعدم الاستقرار والنزاعات البينية المدمرة .
إنّ المتابع لمجريات الأحداث في منطقتنا العربية وما حولها منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي يرى أنها تحاكي بدرجة كبيرة ما جرى في الغرب وتحديداً في أوروبا من حروب أهلية ودينية وطائفية وسياسية وصراعات نفوذ ومصالح ، كان من نتيجتها شن حربين عالميتين دمّرتا أوروبا وقتلتا ما يزيد عن مئة وستين مليون شخص، وأضعاف مضاعفة من هذا العدد من الجرحى. لذلك لا بد من أن نأخذ الدروس والعِبَر من أممٍ أخرى سبقتنا إلى مثل هذا الاتجاه الذي تسلكه اليوم العديد من الأنظمة العربية- طريق الصراع والنزاع والتحارُب- وانتهى الأمر بهذه الأمم بعد كل المآسي والكوارث بالجلوس إلى طاولة المفاوضات والبحث عن بديلٍ للحروب والنزاعات من أجل إيجاد حالة سلام دائم .
اليوم بدل تأجيج الموقف ودفع الجيوش إلى القتل والتدمير، وعقد تحالفات لشنّ الحروب التي لا فائدة منها ، بل قد تؤدّي إلى نهاية عدد من الأنظمة كما كانت الحربان العالميتان سبباً لنهاية العديد من الامبراطوريات والأنظمة ، لماذا لا نجمع العلماء والمفكّرين والخبراء من أجل تحقيق مشروع نهضة تنموية شبيه بمشروع مارشال في منطقتنا، مشروع تلعب فيه أموال الرَيْع النفطي الخليجي والكفاءات العلمية عند كلٍ منا نحن العرب دوراً في نهضة اقتصادية وعلمية تعود بالنفع على كامل المنطقة ؟ .
المشكلة المتفاقمة التي يعاني منها العرب اليوم أنهم لا يتوافرون على مشروع حضاري يُحدّد بوصلتهم ويوجّهها بشكلٍ صحيحٍ ، وهم أيضاً من دون استراتيجية ولا حتى معالم طريق جديدة. ومن الطبيعي جداً أن يكون مَن لا يتوافر على هكذا مشروع ومن دون استراتيجية في مأزق أن يصبح أداة في مشاريع واستراتيجيات الآخرين ، ومعظمهم من الأعداء مثل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
مشكلة السعودية التي دعت لهذين المؤتمرين أنها تعاني اليوم من فقدان الثقة والمصداقية في العالم العربي والإسلامي، فقد اهتزّت صورة السعودية بشكلٍ كبيرٍ في السنوات الأخيرة نتيجة مواقف واصطفافات مُثيرة للقلق تمتاز جميعها بالضعف وفقدان السيطرة والتوازن. لقد لعبت السعودية دوراً خطيراً ومذلاً في مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية من أجل احتلال العراق الدولة العربية الشقيقة، ومساهمتها في إسقاط الشرعية في مصر قبل أن تشنّ حرباً ظالمة على اليمن، متسبّبة الكثير من المآسي في هذا البلد باسم دعم الشرعية، ودعمها الإرهابيين وتصديرهم إلى سورية وليبيا، واستعداء إيران والتحريض الغربي بقيادة أميركا لشنّ الحرب ضدّها، والتطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني ، بل العمل معه من أجل تصفية القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن المشبوهة ودفع مئات المليارات من أجل ذلك المشروع، وشنّ الحرب الإعلامية ضد المقاومة الفلسطينية، والمقاومة اللبنانية، فهل من أمل!!!؟.