في معادلة التوفير مواد دون مواصفات وبأسعار زهيدة.. المنظفات المصنعة يدوياً تغزو أسواق اللاذقية
في ظل الارتفاع المستمر بأسعار المنظفات، أصبح المواطن يعد إلى العشرة قبل التفكير في شراء أي منتج من مواد التنظيف، فبعد جولة مكوكية يقوم بها على عجالة بين جميع أنواع المنظفات الموجودة في السوق، يجد المواطن أن أسعار جميع المنظفات متقاربة على اختلاف أنواعها، وعليه أن يتخذ قراراً بالتوفير والتوجه طواعية إلى محال بيع مواد التنظيف المصنعة يدوياً لأنها أرخص على الجيب، ولسان حاله يقول: “لتذهب الفعالية والجودة إلى الجحيم، فالتوفير الناجم بين الاثنين أشتري به كيلوغرام بطاطا أو بندورة لعائلتي”.
وفي حساب توفير المال الذي يشغل دائماً ذهن المواطن “المعتّر”، يقع في مصيدة الباعة المخالفين الذين يمارسون أساليب الغش والتزوير “عالمكشوف”، مع اشتغالها بحرفية، يحتاج الكشف عنها إلى تحاليل مخبرية دقيقة، ليبقى المستهلك هو المتضرر الأول والأخير من صناعة المنظفات التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة الماضية ضمن ورش صغيرة، وأصبحت “شغلة اللي ما لو شغلة”، فكل عاطل عن العمل وجد في هذه المصلحة عملاً مريحاً ومربحاً، وعليه انتشرت أنواع وأصناف من المنظفات لا حصر لها من مساحيق غسيل، أو شامبوهات، أو منظف أرضيات، وجميعها تندرج تحت الأصناف التجارية وغير المأمونة ومجهولة المصدر، منها ما هو ضمن عبوات بلاستيكية، أو على شكل “دوكما” ضمن أكياس النايلون.
بين مع وضد
المثير أن صناعات المنظفات العشوائية التي تتم دون حسيب أو رقيب تلاقي إقبالاً من المواطنين بسبب انخفاض أسعارها مقارنة بالمنظفات الموجودة في السوق، لتظهر عيوبها في وقت لاحق لجهة احتوائها على مواد مخرشة للجلد، وانعدام وجود مادة فعالة في الأصل، واعتماد مصنعيها على مواد أخرى رخيصة لها الشكل نفسه، ولكن ليس لها أي دور في عملية التنظيف.
محمد أحمد، موظف، قال: ارتفاع أسعار المنظفات منع معظم ذوي الدخل المحدود من شراء منظفات من ماركات معروفة ومشهورة في السوق، مضيفاً: وفي المقابل انخفاض سعر مواد التنظيف التي تباع في الورش يجعل الزبون لا يفكر في ضرر هذه المواد التي لا يعلم أحد كيف تصنع، وما هي المواد التي تدخل في تصنيعها، لأن همه الوحيد هو التوفير قدر الإمكان في الأسعار؟!.
من جهتها روت باسمة حسن، ربة منزل، تجربتها المريرة مع مواد التنظيف التي تباع في الورش، إذ قالت: منذ شهر تقريباً اشتريت من أحد محال تصنيع مواد التنظيف في جبلة مسحوق غسيل، وبعد استخدامه مرتين فقط تعطلت الغسالة في منزلي!.
وأضافت: بعد أن فحص عامل الصيانة الغسالة سألني على الفور: هل أستخدم مسحوق غسيل مصنعاً يدوياً، مبيّناً أن مساحيق الغسيل اليدوية تحتوي على كميات كبيرة من الملح الذي يعد العدو الأول لقطع الغسالة.
والتجربة الأكثر مرارة جاءت على لسان ريم إبراهيم، ربة منزل، التي قالت: كل شيء ممكن التساهل فيه إزاء طمع بعض ضعاف النفوس، سواء في مسحوق الغسيل، أو سائل الجلي، أما أن يصل بهم الأمر إلى الشامبو فهذا أمر لا يمكن التساهل به.
وأضافت: منذ فترة قمت بشراء شامبو من أحد محال التصنيع اليدوية، وبعد أن “فرش لي البحر طحينة” للفيتامينات والزيوت الطبيعية التي يحتوي عليها، والتي ستؤدي من أول حمام إلى تطويل الشعر، وزيادة كثافته، قمت بشراء الشامبو، ومن أول حمام بالفعل حصلت على نتيجة لم أكن أتوقعها البتة، إذ بدأ شعري بالتساقط، ناهيك عن الجفاف وانتشار القشرة.
وطالبت ريم مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتدخل لقمع هذه المحال التي تتلاعب بصحة المواطنين وسلامتهم دون أي حسيب أو رقيب.
بدورها قالت أروى عبد الله، موظفة: أنا أعلم أن مواد التنظيف التي تباع في ورش التصنيع اليدوية ليست نظامية، إلا أنني مضطرة لشرائها بسبب انخفاض أسعارها، وأضافت معللة: لدي ثلاثة أطفال، وهم يلعبون باستمرار خارج المنزل، ما يجعل ثيابهم تتسخ في معظم الأوقات، وأضطر إلى غسلها عدة مرات خلال الأسبوع الواحد، الأمر الذي يتطلب مصروفاً كبيراً على شراء مسحوق الغسيل.
وتساءلت بتهكم: لماذا أشتري مسحوق غسيل غالي الثمن لا يكفي لأكثر من مرة أو مرتين مقارنة بالمسحوق المصنع يدوياً الذي يكفي لغسيل عدة مرات وبسعر أقل بكثير من المسحوق الأصلي؟ وتابعت: المهم بالنسبة لربة المنزل هو أن يكون ثياب عائلتها نظيفة دائمة، واللجوء إلى شراء منظفات مصنعة يدوياً يعتبر وسيلة جيدة للتوفير.
تؤثر سلباً على المنتج المحلي
وفي السياق قال مهند عبد الكريم، موظف وخريج معهد صناعات كيميائية: المنظفات الموجودة في الأسواق التي لا تحمل أية ماركة مسجلة، ولا تحمل اسماً أو ترخيصاً تكون نسبة المادة الفعالة قليلة، والدليل على ذلك عند شراء سائل جلي مجهول الاسم نجد أن المواد الفعالة فيه تقل عن 25%، مضيفاً: الدراسات تؤكد أن سائل الجلي يجب ألا تقل نسبة المواد الفعالة به عن 25%، بحيث يجب أن يكون قوي التنظيف، ويقوم بإزالة الدهون مع رغوة، وفي حال عدم توفر هذه الشروط، فإن سائل الجلي يعتبر مغشوشاً، وقد يتسبب بأمراض لليدين، مثل الأكزيما نتيجة التلاعب بمواصفات مسحوق الجلي.
وأكد عبد الكريم أن أصحاب المعامل غير المرخصة يجهلون الآثار المترتبة على استخدام هذه المواد، بل يعتمدون على تركيبات وطرق موجودة على بعض صفحات الأنترنت، مطالباً مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بمراقبة الأسواق، وضبط المحال والبسطات التي تبيع هذه المواد المخالفة للمواصفات لما لهذا الأمر من تأثير كبير على الاقتصاد الذي تأثر سلباً بسبب فقدان الثقة في المنتج المحلي.
مصلحة مربحة
بدوره قال أحمد، صاحب أحد المحال التي تبيع مواد التنظيف المصنعة يدوياً: أعمل في هذه المهنة منذ ست سنوات، حيث أقوم بتصنيع منظفات مطابقة للمواصفات، وضمن النسب المحددة لتركيب المنتج، موضحاً أن غش المنتج يكمن في عدم التقيد بنسب تركيبه، حيث تكون الكميات قليلة من كل مادة على حساب المادة الفعالة.
وأضاف: المنظفات التي أقوم بتصنيعها تلقى إقبالاً من الزبائن بسبب سعرها المنخفض مقارنة بمواد التنظيف الأخرى الموجودة في الأسواق.
ولم يخف أحمد أن هناك سيدات تشكو من عدم فعالية سائل الجلي، وصابون اليدين، إلا أنهن في الوقت ذاته يعدن إلى المحل لشراء مواد التنظيف!.
من جهته أوضح أبو مهند، بائع آخر، بأنه يزاول مهنة تصنيع مواد التنظيف منذ عامين فقط، عازياً السبب وراء ذلك إلى عدم إتقانه أية مصلحة أخرى، وأن هذه المصلحة مربحة وتلقى رواجاً كبيراً في الوقت الحالي، مضيفاً: “أصبحت شغل اللي ما عندو شغل”.
تجنب شراء المنظفات العشوائية
بدوره صنّف الدكتور إبراهيم اسبر، اختصاصي الأمراض الجلدية، الأضرار الناجمة عن التصنيع الخطأ للمنظفات، إلى نوعين: الأول تحسس جلدي لدى بعض الناس ممن لديهم حساسية لأحد المركبات، حيث تزيد هذه الحساسية مع زيادة تركيز المركب، بينما النوع الثاني وهو الأخطر فيتمثّل في حدوث تحسس جلدي لدى كل من يلامس السائل المصنع الذي يحتوي على نسب خاطئة في المركبات، وهذا يصيب المصنع والمستهلك على حد سواء.
وأكد اسبر أن الأضرار التحسسية تنقسم إلى نوعين أيضاً، بعضها آني يحدث عند ملامسة السائل، والأخرى قد تظهر بعد فترة، ناهيك عن الأضرار التي قد يتعرّض لها الشخص من خلال استنشاق بعض الروائح الناتجة عن تفاعل المواد مع بعضها، خاصة في حال الإخلال بالتركيب، أو زيادة التركيز على النسب المسموحة، وهي أضرار صحية أكبر وأخطر من التحسس، كالتأثير على الجهاز التنفسي.
ودعا اسبر الى عدم التصنيع دون معرفة تامة بتركيبة المواد والنسب، كذلك استخدام قفازات جلدية، ووضع واق على الوجه، كما دعا المستهلكين إلى تجنب شراء المنظفات العشوائية مجهولة المصدر والتركيب.
ضرورة الإبلاغ عن أماكن الورش
من جهته، قال مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في اللاذقية المهندس إياد جديد لـ “البعث”: ظاهرة المنظفات المغشوشة موجودة مثلها مثل ظاهرة المواد الغذائية المغشوشة، مؤكداً أن دوريات التموين ضبطت خلال الفترة الماضية أكثر من معمل غير مرخص يقوم بتعبئة العلب الفارغة بمواد التنظيف، والشامبو المصنع يدوياً وبيعها في الأسواق.
وعزا جديد استمرار وجود هذه المحال والورش المخالفة في الأسواق إلى أن من يقومون بتصنيع مواد التنظيف المغشوشة يتخذون من الورش والأقبية والمستودعات معامل لهم، الأمر الذي يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين حتى تتمكن دوريات حماية المستهلك من معرفة أماكنهم وضبطهم.
ودعا جديد المواطنين إلى تجنب شراء مواد التنظيف من الورش والبسطات، والإبلاغ عن أية ورشة تقوم بتصنيع المنظفات يدوياً، أو بيعها، ليصار إلى إغلاقها حفاظاً على صحة المواطنين وسلامتهم.
باسل يوسف