هل يخرج القطاع الخاص أخيراً من خلف العباءة الحكومية؟ استغلال التسهيلات للابتزاز لم يعد خياراً… و”الخاص” يطلب الدعم فعلياً لا معنوياً
بين العتب الحكومي على القطاع الخاص ولوم الأخير للحكومة لعدم تجاوبها معه يبدو أن كعكة الإعمار والاستثمار ستحترق قبل أن يصل الطرفان لحل فعلي يمكن ترجمته على أرض الواقع بمشاريع تنموية واستراتيجية؛ فالقطاع العام غير قادر على تحمل أعباء الإعمار ومتطلبات المرحلة المقبلة، ويطالب الخاص بلعب دوره الحقيقي في عملية التنمية ليكون شريكاً يمكن الاعتماد عليه، بينما ترتفع أصوات في القطاع الخاص لتؤكد أن المناخ الاستثماري لا يزال غير مشجع على الإقدام بأية خطوة جريئة، وكل التسهيلات التي تتحدث عنها الحكومة تصطدم بعوائق عدة عند التنفيذ على الأرض.
وكما العادة ظهر رؤساء اتحادات القطاع الخاص في اجتماعهم الأخير مع رئيس الحكومة بهيئة المتلقي فقط، فلم يصدر عنهم اقتراحات أو مشاريع تنموية أو توصيف حقيقي للواقع الاقتصادي، بل اقتصر اجتماعهم على الإنصات لما تقدم به المهندس عماد خميس من تشجيع على المشاركة بالتنمية أو ما اعتبره “حق البلد عليهم”، في المقابل رأى البعض في هذه الدفعات التشجيعية وما نتج عنها من بوادر أولية للتجاوب خطوة قد تدعو للتفاؤل بتحريك المياه الراكدة في واقع القطاع المنكمش على نفسه خلف العباءة الحكومية.
دون المستوى
الخبير الاقتصادي د.سنان ديب أوضح أن التوجه الحكومي قبل الأزمة كان نحو تقوية دور القطاع الخاص في العملية التنموية وإعطائه التسهيلات في كل المجالات، وجاءت تلك السياسات حينها تكريساً لنهج اقتصاد السوق الاجتماعي، غير أن التنفيذ لم يسر مثلما كان مخططاً، حيث استسهل القطاع الخاص القطاعات الخدمية والتي كانت ذات انتشار واسع وبجودة جيدة عبر القطاع العام، وحاول الاحتكار وفرض رؤاه بطريقة أو بأخرى، وتلا تلك المرحلة اندلاع الأزمة في سورية، وتعاطٍ دون المستوى للقطاع الخاص مع نتائجها الاقتصادية -برأي ديب- الذي اعتبر أن الأغلبية لم يرتقوا للدور المنوط بهم، وبقي مفهوم الربح والخسارة سيد الموقف في ظل مستوى معيشة سيئ وقدرات محدودة للدولة.
استغلال
وفي ظل الخسائر التي فاقت 600 مليار دولار بكافة البنى بيّن ديب أن الحكومة عملت على استثمار كل الطاقات، ومنها الخاص عبر تقديم تسهيلات كبيرة ومحاولة الدعم قدر المستطاع والتعويض الممكن، فضلاً عن إصدار تشريعات وقوانين تناسب المرحلة، والاعتماد على “الخاص” بتأمين أغلب المستلزمات في ظل العقوبات الاقتصادية، إلا أن الكثير من السلوكيات أخذت منحى الابتزاز واستغلت الظروف كأداة للضغط المتمثل في رفع أسعار المواد بلا مبرر أو إحداث تغيرات اقتصادية، وعدم الاهتمام بالاحتياجات الأساسية والاستمرار باستيراد الكماليات “سوق السيارات مثالاً”، مضيفاً أن مطالبهم المتكررة تتحول إلى شكاوى بعد تنفيذها كما حدث عند السماح باستيراد المازوت واستغلال بعض الصناعيين له، إلى جانب الشكاوى المستمرة في قرار إعادة قطع التصدير، فالتسهيلات قدمت ضمن الإمكانات إلا أن الضغط والطلب جاء بمعزل عن وضع وحاجات البلد.
ومع أن ديب تحدث عن الأغلبية وليس الكل، إلا أنه قلما وجدنا التجار أو الصناعيين والمستثمرين يلعبون دورهم الاجتماعي لبلد دمرت منظومتها الاقتصادية، وبات 90% من سكانها يعاني من الفقر الذي “كان القطاع ذاته مساهماً فيه نوعاً ما”، مؤكداً أنه في ظل الأزمات والظروف الصعبة تكون إدارة وتوزيع المهام ليد الحكومة والتي تحتاج لاستثمار كل الطاقات بحيث تضع برنامج للأولويات، وتستثمر كل القدرات دون أن ترضخ للضغط والابتزاز.
مبررات
أما الوجه الآخر للتسهيلات الحكومية فجاء عبر توصيف أستاذ في كلية الاقتصاد له بـ”كلام على ورق”، ليتراجع بعد ذلك قائلاً: حتى على الورق لم يكتب وبقي معلقاً في الهواء ليتم التذكير به في كل موقف، حيث اعتبر أستاذ الاقتصاد أن تهرّب المستثمرين والقطاع الخاص من المشاريع أمر مبرر لغياب البيئة الاستثمارية والتشريعية، فحتى اليوم نتغنى بقانون استثمار لم يصدر بعد، وقانون تشاركية لا يمكن تطبيقه، وحديث التسهيلات يتلاشى عند الاصطدام بالبيروقراطية في التنفيذ وثغرات القوانين وغياب القروض، وبذلك فإن الحديث الحكومي مهما حاول إغراء الخاص لن يجد طريقاً له طالما لم يتم تنفيذه، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن انكفاء القطاع عن تنفيذ دوره منذ اندلاع الحرب سبب شرخاً كبيراً في العملية التنموية، فعند حاجة الدولة إلى شريك لها كان كل “زعيم” يخبئ أمواله ويراقب عن بعد.
أكثر من تشجيع..!
حديث أستاذ الاقتصاد عن التسهيلات “المزعومة” وافق إلى حد ما ورقة العمل التي صاغها اتحاد غرف التجارة حول المشاركة التنموية للقطاع الخاص بعد الحرب، حيث اعتبر الاتحاد أن القطاع الخاص السوري ليس بمعزل عن التداعيات التي تعرض لها الاقتصاد السوري، ولا يمكن إعادة دمجه بعملية التنمية والانتعاش إلا من خلال ردم فجوة الثقة مع الحكومة عبر منظومة آمنة من التشريعات والإجراءات الداعمة لعمل القطاع الخاص “وليست المشجعة فقط”، فلا معنى لأية إجراءات إذا لم تؤدِّ لتسهيل أداء العمل الخاص، ولا معنى لتشجيع العمل الحر مع تجميد لقوانين العرض والطلب وتوازن السوق. وكذلك حركة الإنتاج الفاعلة تتطلب تأمين عناصر هذا الإنتاج من مواد أولية وأيدٍ عاملة ومستلزمات وتسهيلات تمويلية، ولا قيمة لسوق ناجحة دون امتلاك معرفة كاملة للمتعاملين فيه، ولا معنى أصلاً لأية سياسات اقتصادية أو مالية أو نقدية إن لم تؤدِّ إلى زيادة الدخل الفردي في النهاية.
ريم ربيع