العالم ليس أمريكا فقط
في الوقت الذي ما زال فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يلملم فضيحة سقوط الطائرة المسيّرة بنيران الدفاعات الجوية لقوات حرس الثورة في إيران، وما تلاها من اختلاق لأعذار بعدم الرد، جاء إعلان وزير الاتصالات الفنزويلي عن إفشال محاولة انقلابية جديدة في كراكاس، ليؤكّد فشل النهج السياسي لإدارة ترامب وصقوره، وعدم قدرتهم على حسم أي ملف، من روسيا إلى سورية مروراً بكوريا الديمقراطية والصين وليس انتهاء بإيران وفنزويلا، بمعنى آخر: إن القدرة الأمريكية على فرض أجنداتها على العالم في طور التلاشي والانحدار.
الشعار الذي رفعه دونالد ترامب “أمريكا أولاً” والسياسات التي انتهجها لتطبيقه، من انسحاب من اتفاقات دولية وإقليمية وثنائية، وابتزاز للحلفاء قبل الخصوم، وانتهاج العقوبات كسيف مسلّط على الدول، التي يزعم أنه يريد الجلوس معها على طاولة المفاوضات، لم تجلب لغاية اليوم أي نتيجة تذكر، سوى كسب المزيد من العداء لأمريكا، حتى عندما حاول تصوير لقائه مع رئيس كوريا الديمقراطية كيم جون وون على أنه انتصار سياسي أمريكي في “جرّ” بيونغ يانغ إلى طاولة المفاوضات، لنزع سلاحها النووي، فشل فشلاً ذريعاً بعد لقاء القمة الثالث الذي عقد بينهما في فيتنام، ليس لأن بيونغ يانغ لم تنفذ التزاماتها التي وقّعت عليها في سنغافورة، بل لأن أمريكا ترامب رفضت تنفيذ أي بند من بنوده الاتفاق.
ولكن الأمر الأهم الذي بدا ظاهراً للعيان حول العالم بعد هذا النهج الجديد في السياسة الأمريكية، أن واشنطن لم تعد المتحكّم الأول في السياسة الدولية ومحدّداتها، بل برزت قوى جديدة على الساحة الدولية استطاعت أن تفرض وجودها وأن تعاند أمريكا نفسها وتعطّل معظم مشاريعها للسيطرة على العالم، وما يجري في فنزويلا مثال، وهناك من غمز أن أسلوب ترامب التطهيري وتخبطه في اختيار فريقه الدبلوماسي والأمني قد ساهم بشكل كبير في تعجيل ظهور هذه القوى وتمكّنها من لعب دور حاسم في الصراعات الدولية، ولعل ما قاله وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو في إطار منتدى آرميا-2019 من “أن روسيا استعادت فعلياً مكانة القطب الثاني المفقود بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، مما أبقى العالم في حالة توازن عالمي”، يلخص كل القضية.
حتى القضية الفلسطينية التي حاولت إدارة ترامب التسويق على أنها قادرة على إيجاد حلول لها، بعد عقود من الحروب والمفاوضات، عبر طرح ما بات يسمى “صفقة القرن”، لقيت فشلاً كبيراً في أول اختبار لها، عندما عجزت الإدارة الأمريكية عن إقناع أي فصيل فلسطيني في المشاركة بورشة البحرين الاقتصادية، التي يفترض أنها أقيمت لإيجاد حل عادل كما تدعي!!، بل على العكس كانت اللهجة من منبر الورشة هو الويل والثبور لكل الفلسطينيين الذين قاطعوها، على لسان صهر الرئيس جاريد كوشنر عرّاب الصفقة.
وعليه فإن إصرار واشنطن رؤية العالم من منظورها فقط، والدفع بكل قوة بأن أمريكا هي المهيمنة، وهي العظمى، كما ينادي ترامب أمام شعبه، ستعجّل في ولادة عالم متعدّد الأقطاب، ربما لن يكون فيه لأمريكا نفسها كلمة وفق منطق أفول الإمبراطوريات وظهور أخرى جديدة.
سنان حسن