الأنانيـة الأمريكيـة
أثار انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي وغيره من الأفعال الاستفزازية استياءً في جميع أنحاء العالم، وبدأ العديد من الدول التفكير في استخدام أنظمة دفع جديدة للتحايل على العقوبات الأمريكية. منها على سبيل المثال: نظام “انستكس”، للتعامل التجاري مع إيران، التي هي قناة للدفع أنشأتها المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا للسماح لكيانات الاتحاد الأوروبي بالتبادل التجاري مع إيران، متجاوزةً العقوبات الأمريكية، والحفاظ على مصالحها الوطنية.
ومع ذلك، فإن الدولار الأمريكي لا يزال بعيداً عن التهميش، ولا يزال يقود النظام النقدي الدولي. ولا يزال لواشنطن تأثير سياسي واقتصادي كبير على الساحة العالمية. وبما أن التمويل هو أصل الهيمنة الأمريكية، فإن الولايات المتحدة تستخدم قوتها النقدية لترسيخ ثقلها، بل تصدر الأوامر لجميع أنحاء العالم كما لو أن على جميع الدول أن تطيع أوامرها وتتبع استراتيجيتها.
لكن ماذا عن مصالح هذه الدول؟ هل فكرت الولايات المتحدة في رفاهية هذه الدول؟ تعكس تصرفات واشنطن الأنانية الاستراتيجية العالمية من أجل تحقيق هدفها: “أمريكا أولاً”، لكن واشنطن لا تريد إدراك أن سياستها الأنانية خرّبت النظام الدولي. لذلك من الضروري أن تعمل الدول معاً ضد العقوبات الأمريكية أحادية الجانب، وضد الولاية القضائية الطويلة التي تفرضها أمريكا على العالم، والبحث عن بدائل.
تعارض الولايات المتحدة بسلوكها المستفز إرادة الدول الأخرى، وتدمّر مستقبل الدولار بنفسها، لكن البلدان المتأذية تبحث عن بدائل مالية، وقد تكون هذه هي بداية البحث عن بدائل في مجالات أخرى في المستقبل أيضاً، بما في ذلك بدائل التكنولوجيا المتقدّمة. بمعنى آخر، فإن الولايات المتحدة تعزل نفسها.
لا يمكن أن تجعل العقوبات الأمريكية أحادية الجانب إيران تستسلم، والطريقة الأفضل هي حل الأزمة بشكل سلمي، وليس فرض العقوبات أو التهديد بشن الحروب، لأنه إذا أدت تحرّكات إدارة ترامب الخطرة في النهاية إلى حرب، فلن تستفيد أي دولة.
ربما حان الوقت للمجتمع الدولي للتفاوض والتفكير في كيفية التعامل مع الأحادية والهيمنة الأمريكية، وكيفية جعل أمريكا أكثر عقلانية وعدلاً من خلال الإصلاح والتكيف. وبالتالي، يمكن للنظام الدولي أن يعمل بشكل طبيعي بدلاً من اختطافه من قبل الولايات المتحدة.
عناية ناصر