خيارات ميركل الصعبة
ريا خوري
دوّت القاعة الكبرى للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني Spd حين أعلنت رئيسة الحزب أندريا ناليس استقالتها المفاجئة من جميع المناصب التي تشغلها. هذه الاستقالة غير المتوقعة خلخلت بنية الحكومة الألمانية وخلقت أزمة سياسية داخل حزبها، ومن الواضح أن تكون لها انعكاسات خارجية أيضاً على الصعيد الأوروبي والعالمي. ما دفعنا للتساؤل حول مصير حكومة أنجيلا ميركل والخيارات المتاحة للخروج من الأزمة؟ فقد كانت رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي أندريا ناليس تعتزم إعادة انتخابها كرئيسة للكتلة النيابية. والآن جاءت هذه الاستقالة المفاجئة للوسط الحكومي والسياسي في ألمانيا وطرحت مجموعة أسئلة هامة يشوبها القلق: من سيرأس الحزب الاشتراكي الديمقراطي بعد ناليس؟ ومن سيقود الكتلة البرلمانية للحزب في البرلمان البوندستاغ؟ وما هو مستقبل الائتلاف الحكومي بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي cdu؟
هذه الاستقالة المفاجئة دفعت انجيلا ميركل للظهور أمام وسائل الإعلام وأعطت تصريحاً مختصراً لم يتجاوز 88 ثانية، أعلنت فيه عن استمرار الائتلاف الحكومي في عمله بكل حزم وقبل كل شيء بروح عالية من المسؤولية، لكنها بدت متخوفة من عدم استمرار شريكها التاريخي الاستمرار بالائتلاف الحكومي وتدفع وحدها ثمناً باهظاً لتلك الاستقالة
فالحزب لم يكن يرغب بعد الانتخابات التشريعية عام 2017 في تشكيل ائتلاف حكومي جديد مع الاتحاد المسيحي بقيادة ميركل، لكن بعد فشل المحادثات بشأن تشكيل ائتلاف حكومي بين الاتحاد المسيحي وحزب الخضر والليبراليين، غيّر الحزب الاشتراكي الديمقراطي موقفه انطلاقاً من شعوره بالمسؤولية تجاه البلاد والناخبين حسب ما أعلن عنه آنذاك. وفي مؤتمر استثنائي للحزب الاشتراكي الديمقراطي Spd وافق فقط ثلثا مندوبي المؤتمر على تشكيل ائتلاف حكومي مع الاتحاد المسيحي بقيادة أنجيلا ميركل وهو الثالث منذ عام 2005.
لكن هذا القرار كلّف الحزب الاشتراكي الديمقراطي فقدان المزيد من شعبيته في الانتخابات اللاحقة، ليس فقط في ألمانيا بل أيضاً على صعيد أوروبا. ومؤخراً خسر الحزب في معقله التاريخي ولاية بريمن التي ظلّ يحكمها منذ 73 عاماً بشكلٍ متواصل، حيث فاز حزب ميركل، الاتحاد المسيحي الديمقراطي، لأول مرة في انتخابات هذه الولاية. ولا عجب أن تؤثر هذه الهزائم المتتالية للاشتراكيين على الحزب وتشعر أندريا ناليس بالضغط عليها. والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يجب أن تخشى الآن وأكثر من أي وقت مضى من انهيار الائتلاف وسقوط حكومتها، قبل انتهاء ولايتها. وبالتالي يمكن فهم كلماتها المختصرة عقب استقالة أندريا ناليس بدعوة الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمواصلة الاستمرار في الحكومة. كما أن انهيار حكومة ميركل قد تكون له انعكاسات على الاتحاد الأوروبي أيضاً. فالبرلمان الأوروبي الجديد ورؤساء الدول والحكومات الأوروبية يواجهون صعوبة كبيرة في تشكيل المفوضة الأوروبية الجديدة. فلا المعسكر اليساري ولا المعسكر اليميني لديه الأغلبية في البرلمان الأوروبي. وكرئيس جديد للمفوضية الأوروبية يتم تداول اسم الألماني مانفريد فيبر، لكن وجود ائتلاف حكومي متصدع ويعاني من أزمات داخلية في بلده قد يقلّص من فرصه لشغل هذا المنصب.
في هذه الأثناء ظهرت بقوة أنعريت كرامب كارنباور، رئيسة حزب الاتحاد المسيحي، ودعت لاستمرار الحكومة في عملها كالمعتاد، وربما تكون هي المستشارة القادمة بعد أنجيلا ميركل. من هنا نجد أن حزب الخضر سيستفيد استفادة كبيرة من الانتخابات الجديدة. وحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي وشقيقه الأصغر حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، لديهما رغبة ومصلحة كبيرتين في صمود الائتلاف الحكومي وتجاوزه لهذه الأزمة، من أجل تعزيز موقفهما في بروكسل وفوز مرشحهما فيبر برئاسة المفوضية الأوروبية. من جانبها أعربت رئيسة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، أنغريت كرامب كارينباور، عن أملها في أن يبقى الحزب الاشتراكي الديمقراطي Spd في الحكومة، وقالت: اتفاقية التحالف تمثل الأساس لتغييرات ضرورية وتمثيل المصالح الألمانية في أوروبا والعالم.
وهنا لا يغيب عن بالنا أحزاب المعارضة التي تراقب عن كثب التطورات السياسية الأخيرة في ألمانيا وانعكاسات استقالة أندريا ناليس على حكومة ميركل التي تنتهي ولايتها في خريف عام ٢٠٢١. وفي حال الدعوة إلى انتخابات مبكرة، فإن حزب الخضر ربما يكون أكبر الفائزين فيها، وبالتالي لديه أمل كبير بالمشاركة في الحكم. فقد كشف استطلاع للرأي مؤخراً أنّ حزب الخضر حصل على ٢٧ % من الأصوات، متفوقاً ولأول مرة على الاتحاد المسيحي الديمقراطي المكوّن من الحزبين المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي. في حين حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي فقط على ١٢% . فالمحافظون (الاتحاد المسيحي) والخضر بإمكانهم أن يعولوا على غالبية مشتركة مستقرة ولن يكونوا بحاجة إلى الليبراليين الذين رفض رئيسهم، كريستيان ليندنر، الدخول في ائتلاف حكومي عام ٢٠١٧ بالقول: من الأفضل عدم الحكم بدل الحكم بشكل خاطئ.
أما إذا تم تشكيل حكومة أقلية فإنها ستكون محفوفة بالمخاطر. جملة ليندنر هذه سيتذكرها الكثيرون بخاصة بعد الصدمة التي أحدثتها ناليس باستقالتها، لأن الكثيرين كانوا يعتبرون أنه من الخطأ مساعدة الاشتراكيين للمستشارة أنجيلا ميركل على تولي المستشارية لولاية رابعة، والتي قد تنتهي مبكراً قبل إتمامها. وفي حال انسحاب الحزب الاشتراكي من الائتلاف الحكومي، فإنه إلى جانب الانتخابات المبكرة هناك إمكانية لتشكيل حكومة أقلية. لكن حينها سيتوجب على المستشارة الجديدة، التي ربما لن تكون أنجيلا ميركل، وإنما رئيسة حزبها كرامب كارنباور، لتنفيذ أي مشروع سياسي أو تمرير أي قانون في البرلمان الألماني البوندستاغ البحث عن غالبية جديدة، وهذه صيغة تبقى مستبعدة بالنظر إلى التحديات الداخلية والدولية.