مرافقة الأهل لأبنائهم إلى مراكز الامتحانات.. محاولة لرفع معنوياتهم أم خوف على أحلامهم؟!
أشعر بثقة كبيرة عندما يرافقني والدي إلى باب المركز الامتحاني، وأحزن إذا شعرت أنه سيتغيب بإحدى المواد عند مرافقتي، تقول تيماء، طالبة الثالث الثانوي العلمي، وتضيف: أدعو طوال الطريق أن أحصل على العلامة التي يرغبها والدي، كيف سأخبره أنني لم أكن جيدة، حديث تيماء يشعرك وكأنها هي الوالد، والعكس صحيح، إذ باتت مرافقة الأهل لأولادهم عند التقدم للحصول على شهادة الثانوية دليل خوف، ولتفاديه يتبع هذا التقليد الجميع لأسباب غير مبررة أو منطقية، فهل منبعها نفسي، أم كانت خوفاً على أحلام الأب والأم ومن ثم الابن؟!.
مبعث للطمأنينة
فيما مضى كنا نذهب إلى الامتحان لا يرافقنا شيء سوى ذاكرتنا المكتظة بالمعلومات، وقلم أزرق، وثبوتيات شخصية، وحلم المستقبل ، ولا نغالي إذا قلنا إن بعض أصدقائنا القدامى ممن باتوا بأماكن مرموقة لم يكن ذووهم يهتمون كثيراً بامتحاناتهم، وأحياناً من باب المزاح كنا نقول: “ليش أهلي بيعرفوا إني بكالوريا”، اليوم بات الأب والأم يسبقان الابن وحلمه إلى المركز الامتحاني، أم يزن التي ترافق ابنتها تقول: نشقى لينعم أبناؤنا، ونبذل الغالي والنفيس، وإذا كنا نعطي اهتمامنا خلال العام الدراسي، فإن أيام الامتحان لها الأهمية القصوى، وتحظى باستنفار عام، جواد، طالب بكالوريا، يرى في مرافقة أمه دافعاً له لاستذكار معلوماته، وتبعث في نفسه الطمأنينة قبل الدخول إلى القاعة.
حلم الأهل
قد تكون دوافع الأهل عاطفية فتدفعهم للذهاب مع أولادهم خوفاً عليهم، لاسيما في المناطق التي لاتزال تعيش حالة من القلق والتوتر كريف حماة، فما يكون من الأب إلا صحبة ابنه أو ابنته للمركز الامتحاني، فأبو صقر الذي يعيش في إحدى قرى حماة بث مخاوفه لنا في مكالمة هاتفية، وبيّن خوفه على ولده سام من قذائف الحقد، ورغم يقينه بأن المكتوب ليس منه مهروب، غير أنه يشعر بالطمأنينة في ذلك، لتأتي رغبته في أن ولده كتب جيداً ثانياً بعد سلامته، على عكس ولده سام الذي يرى في رفقة أبيه له انتقاصاً من رجولته، على حد تعبيره، وتسبب له أيضاً بعض الإحراج، أما دانيال، طالب بكالوريا علمي، فيعتبر ذهاب والده معه للامتحان اطمئناناً على حلم الأسرة المنشود بطبيب المستقبل، وهذا ما لا يرغبه دانيال، ويرى بهذا الذهاب انتقاصاً بطالب البكالوريا الذي يشعر أن الثقة معدومة بين الطالب وذويه، وهذا ما وافقه عليه صديقه عمار، حيث اعتبر تناوب والديه وإصرارهما على اصطحابه للامتحان دليلاً على عدم ثقتهم به، وسؤالهم المباشر: “كيف كتبت” خير إثبات على ذلك، ويقول بتهكم: المصيبة أكبر إذا قلت لهم “انضربت”، هنا تحل الكارثة والمأساة كما حصل بمادة الرياضيات، فحزنهم الشديد أثر على نفسيتي كثيراً، والقول لعمار.
غير مبررة
مخاوف الأهل باتت أكبر من مخاوف الأبناء، فعدا عن تكريس مدرّسين خصوصيين لهم، وحالة الاستنفار المتعارف عليها في كل بيت سوري لديه شهادة بكالوريا كممنوع الزيارات خلال العام، وتخصيص الأكلات التي تقوي الذاكرة، وفتح التلفاز في أوقات محددة، أصبحت رفقة الأبناء قانوناً لا يمكن تجاوزه بغض النظر عن تأثيراتها السلبية على نفسية الطالب، المرشدة الاجتماعية فهمية خضور ترى أن رهبة الامتحان ترافق الأبناء والأهل، وقد تتجاوز الحد المنطقي، فتصاحبها شدة في القول، وأحياناً في الفعل، وهذا ما اعتبرته سلوكاً تربوياً خاطئاً، فالخوف من ألا تأتي الثمار كما يشتهي الجاني، فتدفع الأغلبية لمرافقة الأبناء للمراكز الامتحانية، وتتنوع الدوافع من وراء ذلك، فمنها من ينطوي تحت مسمى الخوف، وأخرى الهلع، وعدم قدرة على الانتظار في المنزل، والبعض يرى في ذلك تقليداً لغيرهم، ونوعاً من “البريستيج”، بالمقابل قد تسبب مرافقة الأب أو الأم لولدهما للامتحان نوعاً من الذعر والخوف، فالطالب في هذه الفترة سهل التأثير، وتنتقل إليه حالة الأهل النفسية، ما يشتت تركيزه في قاعة الامتحان، ويمكن أن نعتبره– والقول لخضور- مبالغة بإظهار الحب والحرص، بيد أنه يصيب الطالب بشعور الدونية، ويفقد تقديره لذاته، فما يعتبره الأهل متابعة يصفه الأبناء بالمراقبة.
تقليد و”بريستيج”
الدكتورة شفاء المصري”، قسم علم الاجتماع”، رأت أن التعامل مع الأبناء في الامتحانات مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الآباء لمساعدة أبنائهم في النجاح، والعمل على تخفيف قلقهم منها، ولكن في الآونة الأخيرة أصبح الآباء يرافقون أبناءهم إلى المراكز الامتحانية، ورغم أن هذه الظاهرة لم تكن موجودة من قبل، غدت اليوم مشهداً عاماً، إذ يمكن ملاحظة ذلك عند أبواب المراكز، وهذا يعود لأسباب عدة، منها تخفيف التوتر والقلق عند الأبناء، والتشجيع والدعم النفسي، وأحياناً تكون رغبة الابن نفسه ليشعر بالاطمئنان والراحة، لاسيما أن حساسية الطالب تزداد في فترة الامتحانات، وأحياناً يكون التقليد وحب التباهي والظهور هو الدافع لرفقة الأبناء، وبرأي الدكتورة القلق من الامتحانات حالة طبيعية، والدور الأكبر يقع على عاتق الأهل بتوفير جو من الهدوء والاستقرار، وغرس الثقة، والاعتماد على النفس بعيداً عن المراقبة الشديدة، فإدارة الامتحانات والاختبارات فن يحتاج إلى ثقافة في التعامل عبر توفير البيئة الأسرية المناسبة للدراسة دون السلوكيات المبالغ بها.
نجوى عيدة