اقتصادزواياصحيفة البعث

مصارف شكلية..!

أسقط تدني مستوى التنمية إدعاءات المصارف العامة والخاصة لجهة ما رفعته لا تزال من شعارات تنموية؛ فالأولى تزخر بإيداعات تفوق التريليون ليرة، والثانية تتقن إطلاق التصريحات النارية حول ما حققته من إيداعات تقارب الـ2.5 تريليون، لا بل ذهب البعض إلى التغني بوجود 1.8 تريليون جاهزة للإقراض..!

وبما أن “الماء يكذب الغطاس” نجد أن تأثير هذه السيولة وانعكاسها على تفعيل العملية الإنتاجية كان متواضعاً جداً، وفي حالات كثيرة كان معدوماً، وكأن هذه المصارف نأت بنفسها عن الخوض بغمار التنمية إلا في حدودها الضيقة، ومن باب رفع العتب –وربما – بما يخدم مصالحها..!

خلال السنوات الماضية من الأزمة كنا نقدر إحجام المصارف عن التمويل بدواعي الحذر وتحسباً من المخاطر المحتملة ولاسيما في المناطق الساخنة، لكن هذا الإحجام كان يجب أن يكون نسبياً وليس كبيراً أو مطلقاً كما فعلت معظم المصارف، ولعل انخفاض سعر صرف الليرة أكبر دليل على ما ارتكبته مصارفنا من خطأ جسيم بتخزينها لمليارات أكلها التضخم، في وقت كان اقتصادنا بحاجة إلى مشاريع تنموية تنعش نبضاته..!

أما الآن ومع تحسن الأوضاع الأمنية والتوجه الحكومي باتجاه تفعيل الإنتاج، لم يعد هناك مبررات لعدم التمويل الفعلي، مع الإشارة هنا إلى واقع أسواقنا خلال سنوات الأزمة –وحتى قبلها- كان يزخر بكم هائل من المنتجات الصينية التي غزت أسواقنا، ولا نقصد هنا تلك التي بحاجة إلى تقنية عالية وآلات معقدة، بل الناتجة عن المشروعات الصغيرة (قرطاسية – إكسسوارات- أوانٍ منزلية بسيطة.. إلخ)، منتجات نجزم أن مهارة السوريين كفيلة بإنتاجها وبجودة تضاهي نظيرتها الصينية إن لم نقل تفوقها، في حال تم ضخ التمويل اللازم لإنتاجها محلياً..!

وللإنصاف نبين بأن المسؤولية لا تقع على كاهل المصارف فحسب، بل هناك جهات أخرى قصرت أيضاً في هذا السياق تشاطرها هذه المهمة، مثل وزارات (المالية – الاقتصاد – الإدارة المحلية- إضافة إلى مصرف سورية المركزي الذي يقيد المصارف بقرارات وتعاميم لزيادة التحوط من المخاطر)، كون أن هذا النوع من المشاريع يحتاج إلى مقومين أساسيين: التسهيل التشريعي والتنظيمي والإداري من جهة، والتمويل من جهة أخرى، لتحقيق التنمية الفعلية المطلوبة منها خاصة في سورية التي تمتلك عقولاً مبدعة تضاهي نظيراتها الكورية والتايوانية والماليزية، بدليل أن اقتصاد الظل الموجود في أقبية وورش مخفية تنتج صناعات مرعبة وبإمكانات ذاتية محدودة، ولو تم تقديم الدعم اللازم لها لأنتجت أفضل مما تنتجه حالياً، ولكان لدينا بالتالي بنية اقتصادية جيدة..!

وسبق لنا وأشرنا إلى أن المصارف أضحت –وللأسف- أقرب ما تكون إلى بريستيج أو ديكور يضفي جمالية على الاقتصاد الوطني، مبتعدة عن المفهوم التنموي وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية، وعدم تبديدها عبر التصنيع الشامل لها، وتقليل البطالة السافرة والمقنعة…وفي ظل هذا الدور غير المقنع لمصارفنا يبقى أن نقول: إن المراهنة لا تزال قائمة على أن تأخذ دورها الحقيقي في التنمية، ولعل السنوات الماضية كافية لتضع المصارف بصورة تفصيلية لما آل إليه الواقع الاقتصادي في سورية، وما بات يلائمه من مشاريع تتسق مع التطور المنشود، ويفترض أن تشهد المرحلة الاقتصادية القادمة بصمات واضحة للمصارف الخاصة والعامة في المشهد الاقتصادي السوري.

حسن النابلسي

hasanla@yahoo.com