معرض الزهور الدولي في دورته الأربعين تظاهرة اقتصادية سياحية تعكس واقع التعافي.. والجهات المشاركة تتنافس وتطالب بالدعم
لم يقتصر معرض الزهور الدولي في دورته الأربعين على تواجد رجال الأعمال والمهتمين بقطاع الزهور ونباتات الزينة الذين عقدوا عدداً من الصفقات بين المحافظات، أو الأجنحة العربية والأجنبية المشاركة، فقد بدا جلياً خلال المعرض الحضور الكبير للفعاليات الثقافية الخاصة بالأطفال، وتواجد عدد من الفنانين لرسم الشخصيات الكرتونية والعلم الوطني على وجوه الأطفال، وتم توفير اللوحات القماشية، وكافة أنواع الألوان والطلاء للأطفال لتمكينهم من إعداد لوحات حول المعرض والطبيعة بإشراف عدد من المختصين، إضافة للعروض المسرحية، والرقصات الشعبية اليومية على المسرح الروماني في الحديقة، والألعاب والخيول الصغيرة، وكانت الابتسامة واضحة على وجوه الأطفال وذويهم، كما كان الحضور العائلي، والأعداد الهائلة للزوار من أبرز سمات هذا المعرض الذي حقق أهدافه المرسومة من قبل وزارة السياحة، والجهات المتعاونة معها كوزارة الزراعة، والغرف الزراعية، ومحافظة دمشق، ومجلس مدينة حماة، في تشجيع السياحة الداخلية، وترفيه الأسرة السورية، وبدا بشكل واضح حجم التعافي الكبير للبلاد من الأزمة من خلال توافد تلك الأعداد التي لم تقل حتى عند الساعة العاشرة ليلاً، ورغم صغر الجناح المخصص للجمعية السورية لرعاية السكريين، إلا أن عدد الزائرين كان كبيراً جداً، وأكدت رزان الحزواني، عضو مجلس إدارة الجمعية، الحرص على التواجد في كافة الفعاليات والمعارض بهدف نشر التوعية والتوجيه للجميع من مخاطر مرض السكري، وأبدت المخاوف بسبب اكتشاف مرضى كثيرين لم يكونوا على علم بمرضهم خلال تقديم الفحص المجاني لهم في المعرض، وغير ذلك من الفعاليات المختلفة، كما كانت لافتة أيضاً الأسعار المنخفضة والرمزية التي تباع بها العديد من النباتات والزهور للزوار في كافة الأجنحة الوطنية للمعرض.
إثبات الحضور
هدفنا من المشاركة ليس البيع، أو عقد الصفقات، وإنما التعريف بالنباتات، وتمتين العلاقة مع جميع الشركات العامة والخاصة والدولية في مجال الزراعة، وإثبات التواجد على أرض الوطن رغم حجم الدمار الذي حل بقطاع الزراعة عموماً، ونباتات الزينة خصوصاً، وتأكيد الاستعداد للمشاركة الحثيثة جنباً إلى جنب مع القطاع العام في مرحلة إعادة الإعمار، وزيادة التعريف بالمنتج الزراعي المحلي والمستورد، وحجم الإمكانات التي تم التوصل لها للمساهمة في عملية التنمية، حسب ما أكده صبحي الشربجي، مسؤول جناح مجموعة شربجي الذي شدد على ضرورة المشاركة في كافة الفعاليات من قبل شركتهم التي استمرت بالعمل، والمشاركة بالمعارض والفعاليات المحلية والدولية خلال سني الأزمة، بالرغم من الخسائر التي لحقت بمشاتلهم ومنشآتهم الموجودة في ضواحي دمشق وريفها، وأكد أن الوضع حالياً أفضل بكثير، وسيؤكدون خلال هذا المعرض أنهم ينتجون كافة أصناف وأنواع نباتات الزينة، والطبية، والمثمرة، واستعدادهم لتنفيذ مشاريع شبكات الري الحديث، وتوظيفهم لأعداد كبيرة من المختصين في كافة مجالات الزراعة ومستلزماتها.
أما رغد الكسيح، المسؤولة عن جناح مشتل بوابة دمشق، فقد أكدت على أهمية المشاركة في المعرض الذي يساهم بالترويج لمنتجاتهم من الأحواض، ونباتات الزينة، والحراجية، والحوريات، والأشجار المعمرة الوطنية والمستوردة، وعرض خدماتهم التي تخص الحدائق كالتنسيق، وشبكات الري الحديث، كما أكدت على الدور الذي يلعبه المعرض في تعزيز دور الغطاء الأخضر، ووجوده في حياة الإنسان.
أجنحة للمهن التقليدية
وخلال المعرض لاحظنا المشاركة الكبيرة لعدد من شيوخ الكار والعاملين في الصناعات التقليدية والتراثية اليدوية التي تشتهر بها محافظات القطر، كصناعة الفخار، والرسم على الزجاج، والمنحوتات الخشبية، والمصنوعات القماشية، ومعظم أنواع التحف الشرقية، وقد أكد يحيى مصطفى الظاظة، الموظف في مديرية مياه حماة، قسم صيانة نواعير العاصي، أنه يشارك منذ عشرين سنة بعرض منتجاته اليدوية التراثية من النواعير الصغيرة التي تستخدم للزينة، وتتحرك بواسطة المياه، سواء في هذا المعرض، أو غيره من المعارض الدولية، وذلك بهدف نشر وتجسيد صورة نواعير حماة بكل ما تعنيه الكلمة من خلال التصميم والتلوين اليدوي الدقيق المحاكي للواقع الذي بدأه أجدادنا منذ ثمانية آلاف سنة، رغم العناء الشديد الذي تحتاجه هذه المهنة.
تمتين العلاقات
ضياء صدام، عضو الجناح العراقي المشارك في المعرض، أكد أن الهدف الأبرز لمشاركتهم يكمن في إظهار الروابط المتينة التي تجمع الشعبين السوري والعراقي، وتكثيف التعاون الزراعي بين البلدين، والاستفادة من الخبرة السورية، سواء في مجال الزراعة، أو حتى تنظيم المعارض، حيث كان للجانب السوري فضل كبير في مساعدتهم على تنظيم وإقامة مهرجان الزهور الأول في بغداد منذ عام 2009، وقد تبوأت سورية أولى المراتب، وأكد صدام أن الوفد العراقي حظي بكافة التسهيلات والترحيب للحضور منذ زيارتهم لسفارتنا وحتى وصولهم إلى أراضي القطر ودون أية صعوبات تذكر، وتم التركيز ضمن جناحهم على النباتات التي لا توجد في سورية بشكل واسع كالنخيل، وبعض النباتات الصحراوية، وأشار صدام إلى أن حب الحياة والترفيه أبرز ما قرأه في وجوه الشعب السوري عموماً، وزوار المعرض.
الوردة الرسمية
مدين بيطار، عضو جمعية المراح لإحياء وتوطين الوردة الشامية، أكد أن الهدف من مشاركتهم في هذا المعرض تعزيز زراعة الوردة الشامية كمشروع وطني ومعلم سياحي مميز، بالتنسيق مع عدد من الجهات العامة والأهلية الداعمة، بعد أن حافظوا في قرية المراح على السلالة الأصلية لهذه النبتة، ويهدفون أيضاً من خلال مشاركتهم بهذا المعرض والمعارض الخارجية إلى التعريف بهذه النبتة وفوائدها العطرية والطبية العديدة، وتسجيلها في التراث العالمي والإنساني، ومنظمة اليونسكو لإعطائها الطابع العالمي، ورفع راية الوطن من خلال قطاع الزهور، وزيادة تصدير زيت الوردة الشامية للدول الأجنبية للاستفادة من مزاياه الطبية، بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني.
قطاع اقتصادي
المهندس الزراعي محمد الشبعاني، رئيس لجنة منتجي مشاتل الأزهار، عضو مجلس اتحاد غرف الزراعة السورية، أكد على الدور الذي تلعبه اللجنة في فعاليات المعرض من خلال تنظيم الأجنحة والمشاركين من جميع المحافظات والدول، كما أكد أن نجاح المعرض، والإقبال الجماهيري الكبير لزواره يدلان على التعافي الكبير في قطاع الأزهار الذي شهد تراجعاً ودماراً كبيراً خلال الأزمة، ويدلان أيضاً على تعافي جميع مظاهر الحياة في سورية، وأن هدفهم الأبرز من المشاركة هو التوعية بأهمية إعادة التشجير، ومكافحة التصحر، وزيادة الرقعة الخضراء، والمساهمة عبر اللجنة العلمية في وزارة الزراعة في توجيه الدراسات والنصائح الزراعية لكافة المواطنين عبر الندوات التي ستقام في المعرض وخارجه، كما أكد المهندس الشبعاني على التوعية من خلال المعرض بدور النباتات الذي يظن الكثيرون أنه فقط دور جمالي وكمالي، وحول سؤالنا عن سبب الغياب الكبير للزراعات الاستوائية عن الحضور في المعرض، رغم ما يثار حولها من ضجة، فقد نوّه الشبعاني إلى خطورة هذه الزراعات كونها لا تتناسب دائماً مع مناخنا، فأية موجة صقيع قد تودي بجميع موسمها، وفي حال الاعتماد عليها ستقلل أيضاً من موسمي الزيتون والبرتقال كونها تنمو في الساحل السوري، ما يهدد المحاصيل الرئيسية في القطر، ولا يمكن التعويل عليها بشكل استراتيجي حتى لو حققت مكاسب آنية، وأشار إلى أهمية المعرض لإظهار منتجاتنا الحديثة كشجرة الباولونيا التي تم استيراد شتلها من الخارج، وتوطين زراعتها في سورية، والتي تعتبر من أغلى نباتات الحراج في العالم، وتصنع منها أفضل أنواع الأخشاب، وشجرة المورنغا التي تساهم في العديد من الصناعات العطرية والطبية، ولديها أكثر من ثلاثمئة فائدة، ونبات الستيفيا الشبيه بالشوندر والقصب السكري، ولديه قدرة على إنتاج ثلاثين ضعفاً من كمية السكر مقارنة بالشوندر والقصب، وأكد الشبعاني أن قطاع الزهور غير مرحب به من بعض المسؤولين، ولا يلقى دعمهم بسبب اعتباره قطاعاً للزينة والرفاهية فقط، رغم أنه قطاع مهم في الاقتصاد الوطني من خلال مساهمته في زيادة التصدير، فحجم تجارة الزهور في العالم يناهز مئة وثلاثين مليار دولار، وحول سؤالنا عن عدم وجود ترويج رسمي لمشروع الري الحديث ضمن المعرض، رغم الزخم الذي أثير حول أهمية المشروع، فقد أكد المهندس محمد الشبعاني أن وزارة الزراعة لا يمكنها حمل جميع الأعباء الزراعية، ويقتصر دورها على التوجيه والإرشاد، وبعض الدعم، وهذا المشروع يحتاج لتعزيز التشاركية مع القطاع الخاص لإنجاحه، وأكد الشبعاني على أهمية المعرض في تفعيل المشاركة السورية في المعارض الخارجية كمعرض بغداد الذي حصدت سورية خلاله الجائزة الأولى منذ دورته الأولى في عام 2009 وحتى تاريخه، ما عزز الدور الريادي لسورية في زراعة الأزهار على مستوى الوطن العربي التي في معظمها وطنية وأصيلة على خلاف بعض الدول العربية التي تعتمد الاستيراد، حيث شاهدنا الجناحين اللبناني والعراقي في المعرض يتضمنان نباتات مستوردة وليست محلية، وأكد أن معظم الدول العربية عاجزة عن منافستنا في قطاع الزهور، ونباتات الزينة، ويعتمدون على الاستيراد بسبب عجزهم عن الإنتاج المحلي نتيجة غياب الدعم والتسهيلات الجمركية لهذه الزراعات لديهم.
المنتج السوري ازداد ازدهاراً
بشار هشام قتيل، رئيس لجنة مشاتل حماة، أكد أن محافظة حماة تساهم بنسبة 70% من إنتاج النباتات المثمرة، والحراجية، ونباتات الزينة، وبأكثر من ثلاثمئة صنف، وهذا ما دفعهم للمشاركة في معظم المعارض الداخلية والخارجية حتى خلال سنوات الأزمة لرفع العلم السوري، وعرض المنتج السوري في كافة المناسبات، ومتابعة مشاريع تزيين الطرق العامة بالأشجار في كافة المحافظات، وتحقيق التميز، ولإثبات أن المواطن الشريف لن ينقطع عن العمل لمصلحة بلده مهما كانت الظروف، وأن المنتج السوري يزداد ازدهاراً، وهو متواجد بقوة رغم كل الظروف، وتأمين بيع الغراس والشتل للمواطن بأرخص الأسعار، وتوطين زراعة العديد من الأنواع لتصديرها بأسعار منافسة جداً، وتابع قتيل أن مشاتل حماة البالغ عددها ثلاثمئة مشتل تركز حالياً على عرض إنتاجها من زيت الوردة الشامية لتصديره للدول الأجنبية بسبب غلاء ثمنه البالغ ستين ألف دولار للتر الواحد، وأهمية ذلك في دعم الاقتصاد الوطني، ونفى بشار قتيل وجود صعوبات خلال المشاركة في المعرض، إلا أنه تمنى من وزارتي الزراعة والاقتصاد السماح له باستيراد بعض أنواع الشتل الصغيرة مثل شتلة شجرة الفوتينيا لتأمين تكاثرها وتوطينها في سورية وتصديرها، كونه تم رفض الموافقة على مشروعه لاستيرادها منذ سنتين من قبل الوزارتين لأسباب جمركية وقانونية مختلفة، كما أكد أن وزارة الزراعة وحتى تاريخه لم تقدم الدعم لمشاتل حماة فيما يتعلق بمشروع الري الحديث، حيث اقتصر الدعم على منتجي الخضار الأساسية فقط، وتمنى شمل المشاتل في المشروع للتوفير في المياه والطاقة، كما طالب أيضاً بتقديم الدعم والأراضي بالتقسيط لأصحاب مشاتل حماة الذين طالبوا بإنشاء مدينة مشاتل ستكون الأولى على مستوى الشرق الأوسط في حال تم دعم المشروع من قبل الجهات العامة.
بشار محي الدين المحمد