عام 2020: تبلور مسارات الغرب
باسل الشيخ محمد
ماذا لو….
لم تجد مارين لوبان الأمينة العامة لحزب التجمع الوطني الفرنسي (اليميني المتطرف) من تعليق على الأوضاع في الجزائر إلا الدعوة إلى التوقف عن منح تأشيرات دخول للجزائريين إلى فرنسا خشية تدفق المهاجرين كما تتصوّر، على الرغم من أن الداخلية الفرنسية أكدت أن 297.104 تأشيرة منحت للجزائريين خلال السنة الماضية، مقابل 413.976 تأشيرة في العام 2017، أي أن عدد تأشيرات الدخول انخفض ولم يزدد.
بوريس جونسون، عمدة لندن الذي ينتمي إلى أصول قوقازية، لم يجد هو الآخر من وسيلة لترويج نفسه خلال انتخابات رئاسة حزب المحافظين سوى خطاب موازٍ للاسلاموفوبيا ينتقد فيه المسلمين في بريطانيا.
لا تبدو هذه التصريحات وسواها على قدر من الأهمية في الساحة الدولية بقدر ما تعتبر توجهاً للحكومات الأوروبية حيال قضاياها، لكن ماذا لو فاز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية عام 2020، هل سيكون نجاحه دعماً للصوت اليميني المتصاعد داخل أوروبا بما ينعكس على المنطقة بشكل أكثر سلبية من ذي قبل؟ أم أن النظر في المرحلة المقبلة يتطلّب دراسة العوامل الشخصية للقادة السياسيين الغربيين، على اعتبار أن الاتجاهات اليمينية عموماً تتسم بالطابع الفردي لزعماء الأحزاب أكثر من الالتزام بقضايا الدول وسياساتها.
التفسيرات بناء على الأشخاص
خلفية ترامب الرأسمالية/ العقارية، وتعرضه للإفلاس مرتين، ثم استيلاؤه على سوق العقارات الأمريكي وأخيراً اعتلاؤه سدة الرئاسة في الولايات المتحدة يجعل المرء يتساءل عن الأثر الذي تركه عالم الأعمال في شخصية ترامب ومدى انعكاس ذلك على قراراته في ما يخصّ الشأن الدولي.
يمكن للمال أن يكون سلاحاً على الصعيد الدولي، لكن لم يسبق لرئيس أمريكي أو غير أمريكي أن استخدم هذا السلاح بشكل أكثر شراسة مما فعله ترامب، ويكاد لا يمضي شهر إلا ويفرض فيه عقوبات بشكل صريح أو بشكل مخفي كما حدث عند زيادة ضرائب تصدير الفولاذ إلى كندا وزيادة الضرائب على الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة.
لكن قد لا يبدو أن نواياه تنحصر في تحقيق منفعة اقتصادية لبلاده بقدر ما يمكن تلمّس نوايا أخرى من خلال سلاحه الثاني: تغريداته وتصريحاته التي لا يمكن تصنيفها لا دبلوماسياً ولا رئاسياً ولا إعلامياً تحت أي مسمّى. فبدءاً من تصريح “دفعت الولايات المتحدة سبعة تريليونات دولار ولم نحصل على أي مقابل”، مروراً بـ”على الدول الغنية أن تدفع المزيد من الأموال” و”ستدفعون يعني ستدفعون” و”ستنهار الأسواق المالية في حال عزلي” و”الدول الأوروبية معادية لنا” والقائمة تطول!.
وتلك التصريحات تشير إلى أن عقيدة التفوق الأمريكي في عهد ترامب ستكشف عن مزيد من اليمينية إن فاز ترامب بولاية رئاسية أخرى، أبرز الأمثلة على ذلك هو تعيينه للإعلامي اليميني “ستيف بانون” في منصب كبير المخططين الاستراتيجيين، فهو من أهم المؤمنين بعقيدة تفوق ذوي البشرة البيضاء. ويقول جوناثان غرينبلات من رابطة مكافحة التشهير الحقوقية: “إنه يوم حزين أن يرأس رجل كان يدير موقعاً إلكترونياً يؤيد عقيدة تفوق ذوي البشرة البيضاء ومعاداة السامية والمناداة بالعنصرية ليتولى منصب كبير موظفي البيت الأبيض”.
يبدو المشهد عموماً على أنه عنصرية داخل أخرى: فعلى السياق العام هنالك عقيدة تفوق الرجل الأبيض، وبداخلها عقيدة تفوق الولايات المتحدة على باقي أصحاب البشرة البيضاء، ما يشير إلى أن هذه العقيدة ستواصل عملها من داخل الدولة العميقة في الولايات المتحدة حتى ولو لم يفز ترامب في الانتخابات المقبلة، أي أن العامل الفردي ليس حكراً على ترامب وحده.
اليمين هو اليمين
كان من المفهوم أن تجري مظاهرة تحمل نمطاً متخلفاً تنادي بسيادة البيض في القرن الخامس عشر، أما أن تجري تلك المظاهرة في تشارلوتسفيل في فرجينيا عام 2017 فأمر لا يبشّر بالخير، وأن المتظاهرين أعضاء من اليمين المتطرف وشملت أشخاصاً يتبعون اليمين البديل، الكونفدرالية الجديدة، الفاشيين الجدد، القوميين البيض، النازيين الجدد، كوكلو كسكلان، وميليشيات مختلفة. هتف المتظاهرون شعارات عنصرية ومعادية للسامية، وحملوا بنادق نصف آلية، ورموزاً نازية قديمة وأخرى جديدة (مثل الصليب المعقوف والصليب الحديدي)، والأعلام الكونفدرالية.
علق ترامب على تلك المظاهرة بأنه “يجب إلقاء اللوم على الطرفين وتحميلهما المسؤولية عن العنف”، واضعاً الجلاد والضحية في الموقع نفسه. ولعلّ تلك كانت رسالة مشفرة إلى ناخبيه من البيض مفادها أنه سيجد ما يبرّر أية أعمال عنف يقوم بها البيض لاحقاً.
وأوسع من الولايات المتحدة هنالك موقف داخلي أوروبي يتمثّل بصعود نجم اليمين الذي حدا بوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى التعبير عن قلقه على أوروبا، مشيراً إلى أنها “مهدّدة بالتفكك والخروج من التاريخ”. ولئن كانت عواقب صعود اليمين وانهيار الاتحاد الأوروبي لا تعني باقي الدول بشكل مباشر، إلا أن هذا التفكك –أو الضعف- المتوقع من شأنه أن يفضي إلى هيمنة أمريكية على الدول الأوروبية منفردة، بما يتماشى مع سياسات تفوق الرجل الأبيض من جهة، والتفوق الأمريكي من جهة أخرى.
وعبر العقوبات الاقتصادية ورغبة اليمين أينما كان بالتصعيد، لا يبدو أن ما بعد العام 2020 سيكون مرحلة هادئة في العلاقات الدولية على مستوى العالم عموماً.
عقيدة التفوق و”الآخرون”
لئن صح أن عقيدة التفوق الأمريكية ستتحالف مع أحزاب شوفينية أوروبية تبدو مؤثرة في المشهد السياسي الأوروبي حتى وإن لم تصل إلى البرلمانات، فإنه من البديهي أن ينشأ تحالف رأسمالي- يميني يحاول إضعاف “الآخر” بغض النظر عمن ستطلق هذه التسمية، ولعلّ اتخاذ الإدارة الأمريكية لموقف سلبي اقتصادياً من حلفائها يعني أن الموقف الاقتصادي سيكون أشدّ ضرراً تجاه غير الحلفاء، ويموّه هذا الموقف السلبي بخطابات شعبوية في الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً. لكن إن حصل العكس وصعد نجم الشعبوية في أوروبا فإن الولايات المتحدة ستجد نفسها ماضية في استعداء “الآخر” بغض النظر عما إذا كان ترامب سينجح في الانتخابات المقبلة أم لا.