“الْقْرِيطيّة” والديمقراطية
عبد الكريم النّاعم
نعرّف “الْقْريطيّة”،- القاف بدويّة- في بعض مناطق سوريّة المُسْتهدَفة، التي أرجو لها أنْ تُحقِّق قيامة الفينيق، هي عَصا، بطول ذراع أو أطْول بقليل، تنتهي بكُتلة قد تكون من أصل خَشَبها مُفلْطَحة، أو تُركَبُ عليها كُتْلةٌ من (الجير): الإسفلت الذي تُفرَش به الطرقات، وإذا ضُرِب بها حَيّ ما فلن تكون مُوجِعة فحسب، بل قد تكون القاضية، إذا كان الضارب له زند أخو “عيشة”، ويحملُها الفلاّحون، والرّعاة، والذين كانوا يُسافرون على طُرقات بعيدة، فهي سلاح بيدهم، تلك هي “القْريطيّة”، أمّا الديمقراطية فلا تحتاج إلى تعريف، فهي ذلك الإجراء الانتخابيّ الذي تعرفونه عبر صناديق الاقتراع، ولئنْ كان هدفها السامي هو تحقيق شيء من العدالة السياسيّة، فإنّها على يدِ الغرب الرأسمالي المتوحّش قد تحوّلت إلى “قْريطيّة”، يصرّ الغرب المتصهين أن يضرب بها رأس كلّ منطقة لا تخضع لنفوذه الرّبوي المالي السياسي، وبالمناسبة أنا لا أؤمن بالديمقراطية إلاّ مقرونة بتحقيق العدالة الاجتماعيّة، وإذا كان لابدّ من واحدة منهما، فأنا مع العدالة الاجتماعيّة لأنّ التخلّص من حيتان المال والفساد مقدَّم عندي على ذلك الإجراء الشكليّ، الذي ربّما كان سُلَّما لصعود المُستغلّين، والنّهّابين، وسارقي لقمة الشعب، الشعب الذي يقدِّم أبناءه شهداء للدّفاع عن الوطن المهدَّد، ولا يحصد، في الغالب إلاّ أن يكون فريسة لعصابات اللصوص، بأنواعها، وأشكالِها، والأمثلة ناصعة في كلّ شارع، وحيّ، وقرية.
أريدَ للديمقراطية، بصيغتها الإجرائيّة، أن تكون المدخَل الواسع لمزيد من سيطرة الرأسماليّة الغربيّة المتوحّشة، وهاهي عواصفُها قد عمّت معظم مساحة البلدان العربيّة، فماذا كانت النّتيجة؟!! لقد رُبِطتْ بلدان، لا حاجة لتسميتها لأنّكم تعرفونها، إلى مؤخّرة عجلة الغرب، الذي سار بهم على علْم منهم إلى حيث السُّعار من أجل تطبيق “صَفْعة القرن”، وظلّت الممالك والمشيخات البتروليّة محميّة من ذلك الهبوب، لأنّها، كما هي، النّموذج المطلوب للتّبعيّة الغربيّة، وبالرّغم من تخلّفها في كلّ شيء، بحسب المعايير الديمقراطية، وبالرّغم من ظلاميّتها الفكريّة، والرؤيويّة، فهي الأثيرة لدى محرّكي الخيوط من صهاينة ومتصهينين!!
إيران، وآخذها كمثال، يعرف الجميع أنّ شعبها يعيش حالة ديمقراطية، قلّ نظيرها، ولعلّها الأكثر مناسبة لذلك البلد، ومع هذا فإنّها مُستهدَفة لدرجة أنّهم يُغامرون بالاعتداء عليها، وربّما، بإشعال حرب عالميّة ثالثة، أو يكون من نتائجها في أقلّ الاحتمالات تدمير منطقة الشرق الأوسط، وهذا كلّه كُرمى لعيني “تل أبيب”، التي لم نعدْ ندري أهي تحكم “واشنطن”، أم أنّ جهابذة شركات السلاح فيها، وكبار مالكي المال قد تماهوا مع (الصهيونيّة)، فصار من الصّعب فكّ تلك الأواصر المُجرمة، الصّين، هذه القارّة الصّاعدة بقوّة، وثقة، وذكاء، على المستويات كافّة، لها ديمقراطيتها، التي اختارت شكلها، وارتضتْه لنفسها، وأمريكا رأس الأفعى، لا تشنّ حربها الاقتصاديّة عليها من أجل الديمقراطية، بل لتركيعها، وأنّى لهم ذلك بعد أن استيقظ ذلك المارد،؟!!
روسيا الاتّحاديّة أليستْ ديمقراطية، فلماذا كلّ ذلك العداء المجنون؟!!
إنّ الرأسماليّة المتوحِّشة غير معنيّة بالديمقراطية، خارج بلدانها هي، إلاّ أن تكون حصان طروادة الجديد، لوضع يدها على تلك البلدان، بما فيها من ثروات، أو بما لها من صلة بديمومة الكيان الصهيوني، وهم الأبعد عنها، كقيمة أخلاقيّة، ولا يجهَل ذلك أولئك الحكّام الذين ارتضوا حالة (التّابع) الذي يُؤمَر فيُطيع، “وصَفْعة القرن خير شاهد، وأوضح دليل.
بظنّي أنّ ثمّة علاقة صميمة بين “القريطيّة” وديمقراطيتهم، ولئن كانت “القْريطيّة” لدى أهلنا البدو والفلاّحين تُستخدَم للدفاع عن النّفس، فإنّ ديمقراطية الحكومات الرأسماليّة المتوحّشة لا تستخدم سلاحها “القْريطي” إلاّ لغزو الشعوب..
aaalnaem@gmail.com