تسريبات صوتية تفضح السياسة الخارجية الأمريكية
عناية ناصر
تمّ الكشف مؤخراً عن بعض حقائق السياسة الخارجية الأمريكية من خلال شريط صوتي تمّ تسريبه، يدور حول هجوم أمريكي على الشبكة الكهربائية الروسية، ومحاولات أمريكية لتسليم جوليان أسانج. تشير مثل هذه المعلومات إلى سياسة خارجية تنتهك القانون والمعايير الدولية، وتثير الحروب والصراعات وتسعى إلى تقويض حرية الصحافة من أجل تنفيذ جرائمها سراً. هذه ليست معلومات جديدة لأولئك الذين يتابعون عن كثب السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولكن كشف هذه الفضائح الجديدة، وفي وسائل الإعلام حيث يمكن لملايين الناس مشاهدتها، يعطي إدراكاً أكبر لحقائق الإجراءات الأمريكية في جميع أنحاء العالم.
بومبيو يكشف أسراره
ألقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خطاب السياسة الخارجية أمام رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى. وأظهر الخطاب الاهتمام الخاص الذي تتلقاه هذه المجموعة. وتمّ تقديم أسرار حسّاسة للغاية عن السياسة الخارجية الأمريكية للحضور. لحسن الحظ، قام شخص من الحضور بالتسجيل الصوتي للمحادثة، ونتيجة لذلك أصبح الملايين من الناس في الولايات المتحدة وحول العالم يعرفون الآن حقائق بعض قضايا السياسة الخارجية الأمريكية المهمّة. وفيما يلي بعض الموضوعات التي ناقشها:
عرقلة انتخاب كوربين
يتضمن التسجيل الصوتي وعداً من بومبيو بعمل كل ما بوسعه لمنع انتخاب جيريمي كوربين كرئيس وزراء للمملكة المتحدة. كان بومبيو يردّ على سؤال: “هل ترغب في العمل معنا إذا أصبحت الحياة صعبة للغاية بالنسبة لليهود في المملكة المتحدة؟”، جاء هذا على خلفية المزاعم بأن كوربين معادٍ للسامية لأنه يؤيّد حقوق الفلسطينيين وينتقد إسرائيل.
أجاب بومبيو: “يمكن أن يكون السيد كوربين قادراً على مواجهة النقد ويتمّ انتخابه، إنه أمر ممكن، يجب أن ندرك ذلك، لن ننتظر منه أن يفعل هذه الأشياء للبدء في التراجع عن مواقفه.. سوف نبذل قصارى جهدنا كي لا يحدث ذلك، إنها مخاطرة كبيرة جداً ومهمّة للغاية وصعبة للغاية بمجرد حدوثها”. يصف وزير الخارجية بذلك كيفية محاولة الولايات المتحدة التأثير على الانتخابات البريطانية على الرغم من مزاعم التأثير الروسي على الانتخابات الأمريكية. وقد ردّ متحدث باسم حزب العمال: “محاولات الرئيس ترامب ومسؤوليه تحديد من سيكون رئيس وزراء بريطانيا المقبل هي تدخل غير مقبول على الإطلاق في ديمقراطية المملكة المتحدة”.
الانقلاب في فنزويلا
في تدخل أمريكي آخر في الديمقراطية (!!)، تحدث بومبيو عن الانقلاب الأمريكي في فنزويلا، حيث وصف بومبيو المعارضة لمادورو بأنها منقسمة وتعمل من أجل مصلحتها الذاتية، وقال: “لقد ثبت أن محاولتنا الحفاظ على توحيد المعارضة صعبة للغاية”. وأيضاً قال بومبيو في الاجتماع، إن صورة وحدة المعارضة كانت مفيدة حقاً كواجهة “عامة” فقط.
اعترف بومبيو أيضاً أنه كان يعمل على الانقلاب في فنزويلا “منذ اليوم الذي أصبح فيه مدير وكالة المخابرات المركزية”، وأوضح أن خلق وحدة بين المعارضة “كان شيئاً في صلب ما كان الرئيس ترامب يحاول القيام به” (أصبح بومبيو مديراً لوكالة المخابرات المركزية في 23 كانون الثاني 2017).
على الرغم من قول الولايات المتحدة علناً أن خوان غوايدو أصبح رئيساً لفنزويلا، إلا أنه أقرّ في الشريط الصوتي بأن مادورو كان لا يزال هو الرئيس وأنه لا يمكنه التنبؤ بتوقيت موعد مغادرته، لكنه أكد للجمهور أن الحرب الاقتصادية وغيرها من الإجراءات ضد الحكومة وضد الشعب الفنزويلي ستؤدي إلى مغادرته.
خطة كوشنر
أخبر بومبيو الزعماء اليهود أن خطة سلام الشرق الأوسط التي ستصدر قريباً من قبل إدارة ترامب تعتبر “غير قابلة للتطبيق، وقد لا تحرز أي تقدم”. واعترف بومبيو بانحياز الخطة لإسرائيل، ولم يكن متفائلًا بها. كان بومبيو على وشك دخول قضايا أخرى في الشرق الأوسط مثل إيران ، لكنه عبّر عن قلقه من أن تكون المعلومات حسّاسة للغاية.
العداء لـ إيران
في 13 حزيران، تعرضت ناقلتا نفط في خليج عمان للتفجير في الجانب المقابل للمياه الدولية. هرع رجال الإنقاذ الإيرانيون لمساعدة ناقلتي النفط، ونقلوا جميع أفراد الطاقم البالغ عددهم 44 إلى الشواطئ الجنوبية لإيران. تزعم الولايات المتحدة أن الهجمات جاءت من الألغام التي زرعتها إيران على متن القوارب. وقال يوتاكا كاتادا رئيس شركة “كوكوكا سانغيو” لا يوجد أي احتمال لهجوم بالألغام، لأن الهجوم كان أعلى بكثير من سطح الخط المائي، ووصف الطاقم جسماً انطلق بسرعة وأصاب الناقلة.
يذكرنا إلقاء الولايات المتحدة اللوم على إيران بقصة خليج تونكين، كمثال على ادعاءات كاذبة أدّت إلى الحرب. قدّمت الولايات المتحدة شريط فيديو محيّراً يصعب فهمه لقارب يُزعم أنه قام بإزالة لغم بعد ساعات من ذلك. تزعم الولايات المتحدة أن الحرس الثوري الإيراني كان يزيل الأدلة على تورط إيران. هناك العديد من النقائص في هذه النظرية والتي تثير أسئلة أكثر مما تقدم إجابات!.
جاء الهجوم على الناقلة اليابانية في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يجتمع مع الزعيم الإيراني آية الله خامنئي. كان اللقاء تاريخياً، فهو أول زعيم ياباني يزور إيران منذ ثورتها قبل 40 عاماً. هل ستهاجم إيران ناقلة نفط وتفسد لقاءها مع الزعيم الياباني؟ هذه النظرية تفتقر المصداقية. يبدو أن الاتهام الأمريكي ضد إيران يهدف إلى تقويض الدبلوماسية الإيرانية اليابانية، كما بيّن وزير الخارجية جواد ظريف في تغريدة له.
يبدو أن هذه الهجمات ضد مصالح إيران، لأنها توفر ذريعة للتصعيد ضد إيران من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. المحافظون الجدد والأنظمة التي تسلّحها الذين يعارضون إيران، بما في ذلك إسرائيل والسعودية والإمارات العربية المتحدة، سوف يستفيدون جميعاً من هذا الهجوم.
على الرغم من أن الكثير من وسائل الإعلام كرّرت هذه المزاعم، إلا أن الشك في هذا كان قوياً، ما يجعله اتهاماً كاذباً ضد إيران إلى حدّ أن العديد من وسائل الإعلام لاحظت عدم وجود أدلة، على سبيل المثال نيويورك تايمز، سي إن إن، وإن بي آر. ضخّم الإعلام السعودي على الفور الاتهام الأمريكي، ولكن خبراء الاستخبارات الأمريكية شكّكوا في هذا الزعم، وأثاروا علامات استفهام حول مقطع الفيديو وأشاروا إلى تاريخ الولايات المتحدة في “شنّ هجمات” لأغراض سياسية. طالبت اليابان بالمزيد من الإثبات، كما شككت الحكومات الأوروبية في هذه المزاعم. يبدو أن عدم وجود أدلة على ادعاء الولايات المتحدة، وحقيقة أنه من غير المنطقي بالنسبة لإيران شنّ مثل هذا الهجوم، يفضح الولايات المتحدة أكثر من أن يضعف إيران.
الهجوم الإلكتروني على الشبكة الكهربائية الروسية
نشرت صحيفة نيويورك تايمز في 15 حزيران مقابلات مع مسؤولين عسكريين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والتي أظهرت أن الولايات المتحدة تصعّد عمليات الاختراق الرقمية في شبكة الطاقة الكهربائية الروسية.
نشرت الولايات المتحدة رمز الكمبيوتر في النظام الكهربائي الروسي لشنّ هجمات إلكترونية في المستقبل. تعتبر هذه الإجراءات بمثابة إنذار للرئيس بوتين وتوضيح لكيفية استخدام إدارة ترامب لسلطات جديدة لنشر الأدوات الإلكترونية بشكل أكثر عدوانية، وفقاً للمسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين.
تشير التايمز إلى أن “الإستراتيجية الأمريكية قد تحوّلت أكثر نحو الهجوم.. من خلال وضع برامج ضارة يحتمل أن تصيب بالشلل النظام الروسي بعمق وعدوانية لا سابق لهما”. في العام الماضي، منح البيت الأبيض والكونغرس السلطات السيبرانية الجديدة، ذراع البنتاغون، استقلالية في قيادة الولايات المتحدة للقيام بعمليات هجومية عبر الإنترنت دون الحصول على موافقة الرئيس. ذكرت التايمز أن ترامب لم يتمّ اطلاعه على تفاصيل هذه الإجراءات خوفاً من ردّ فعله. ترامب ينفي متهماً التايمز القيام بعمل خيانة”.
ليس من الواضح إلى أي مدى تدخلت الولايات المتحدة في النظام الكهربائي الروسي؟ وهل يمكن شلّ النظام الكهربائي في روسيا؟ قد لا يكون هذا معروفاً حتى يتمّ تفعيل هذا التدخل. الهجمات على شبكات الكهرباء من قبل الولايات المتحدة ليست جديدة، كما هو موضح في الهجوم على النظام الكهربائي الفنزويلي في آذار.
الولايات المتحدة وراء إدانة لولا
حصل الصحفي غلين غرينوالد على آلاف الصفحات من الاتصالات بين الأشخاص المتورطين في إدانة لولا دا سيلفا، وهو سياسي ذو شعبية في البرازيل. يبدو الآن أن لولا قد أُدين كذباً لمنعه من الفوز بالرئاسة في عام 2018 وأن الولايات المتحدة كانت وراء ذلك. يطالب القضاة البرازيليون الآن بإدانة لولا والعديد من الأشخاص الآخرين الذين تمّ استهدافهم بذريعة التحقيق في الفساد الهائل. يقول غرينوالد إن هناك المزيد في المستقبل.
الولايات المتحدة تكره الحقيقة
يدرك المسؤولون في الإدارة الأمريكية وقادة الشركات متعدّدة الجنسيات أنهم ينتهكون القوانين الدولية والمحلية. عندما يتمّ تسجيل شريط لمسؤول في اجتماع خاص، وعندما تسرّب وثائق إلى وسائل الإعلام أو يتمّ كشف مقابلة غير رسمية عن الاستراتيجيات الأمريكية للحرب، فإن الإدارة الأمريكية تشعر بالضيق. ليس علينا أن ننظر إلى هذا أبعد من محاولة تسليم جوليان أسانج لمواجهة المحاكمة في الولايات المتحدة. أصدرت الولايات المتحدة طلباً رسمياً لتسلم أسانج في 18 تهمة، 17 منها انتهاك قانون التجسّس، والتي يمكن أن تسجنه طوال فترة حياته.
قررت المحكمة عقد جلسة استماع لمدة خمسة أيام تبدأ في 24 شباط 2020.
يظهر مقطع الفيديو مدى كراهية أشخاص بارزين لجوليان أسانج لنشره الحقيقة حول جرائم الحرب الأمريكية وعمليات وزارة الخارجية وسجن خليج غوانتانامو وفساد الشركات.
لقد تمّ كشف الغطاء عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولم يعد من الممكن للولايات المتحدة أن تفلت من جرائمها. والقوة العالمية آخذة في التحول. فقد وقّعت روسيا والصين مؤخراً اتفاقيتين رئيسيتين، مما سيؤدي إلى إنهاء الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة وخلق عالم متعدّد الأقطاب. التحالفات آخذة في التغيّر، وقد تشترك الهند مع روسيا والصين.
نحن نواجه مفترق طرق تاريخياً. هل ستواصل الولايات المتحدة محاولة السيطرة على العالم باستخدام الأسلحة الاقتصادية والفضائية والعسكرية، ومواجهة المزيد من عزلها وإهدار الموارد اللازمة لتلبية الاحتياجات الإنسانية وحماية الكوكب، أم ستصبح الولايات المتحدة شريكاً ذا نية حسنة للقوى العظمى الأخرى؟ الأمر متروك للأمريكيين لتحديد المسار الذي سيتمّ اتخاذه.