أوروبا ترقص على وقـع الشعبوية
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “المعهد الصيني للدراسات الدولية” 13/6/2019
أمسى تيار الشعبوية في الغرب جارفاً يهدّد الأحزاب “المعتدلة”، وتسعى هذه الأحزاب الشعبوية إلى توحيد صفوفها لبسط سيطرتها وتحقيق أهدافها، والمستقبل لا ينبئ بأي انحسار لها على المدى المنظور على الأقل، يبقى على الأحزاب الأخرى احتواء هذا التيار لئلا ينهش بلدانها ويمتد ليشمل العالم.
انتهت الانتخابات البرلمانية الأوروبية، والخبر السار هو أنها استرعت اهتماماً غير مسبوق وشهدت إقبالاً كبيراً، والسبب الذي دفع العالم ليثبت أنظاره على العملية الانتخابية هو اعتبارها “مواجهة” بين الأحزاب السياسية الأوروبية الرئيسية والقوى الشعبوية على مستوى الاتحاد الأوروبي، وهو ما أثار اهتمام الناخبين بدرجة هائلة.
تأسر هذه الظاهرة الانتباه، فقد شهدت سياسة الاتحاد الأوروبي مشاركة شعبية فاترة وتوسيع “العجز الديمقراطي” لسنوات عديدة، ولكن عندما يواجه الاتحاد تحديات سياسية حقيقيّة، يبدو أن “العجز الديمقراطي” يضيق وتكتسب الانتخابات البرلمانية الأوروبية مكانة مركزية، وتدحر عنها صورة “الانتخابات الثانوية”.
لكن يبدو أن الأخبار السيئة ترجح على السارة، إذ أن الاستقطاب السياسي والتشرذم السياسي الذي حدث في معظم البلدان الأوروبية في السنوات الأخيرة قد انتشر ليمسّ الاتحاد الأوروبي، فضعف موقف أحزاب اليسار الوسط واليمين الوسط التي كانت القوى المهيمنة تقليدياً، ويكتسب الليبراليون والخضر واليمين المتطرف قوة رويداً رويداً.
وكان ردّ فعل الجمهور الأوروبي العام على النتيجة هو أن أخذ الأمر ببساطة، لأن الوضع “ليس سيئاً للغاية” على غير المتوقع، ولا يبدو أن الأحزاب الشعبوية تحتل حتى ثلث المقاعد، لكن نتائج الانتخابات ستظل تحمل مشكلات جديدة لسياسة الاتحاد الأوروبي.
على سبيل المثال، ستؤدي الزيادة في قوة الأحزاب الليبرالية وحزب الخضراء إلى تفاعل أكثر كثافةً بين الأحزاب الرئيسية وتؤثر على إعادة تشكيل القوى اللاحقة، والتي تتمثّل أهمها في انتخاب قادة الاتحاد الأوروبي الجدد.
في الوقت عينه، لم تقم القوى الشعبوية التي فازت بربع المقاعد بتوحيد موقفها فحسب، بل وسّعت ميدانها كذلك، ولو لم تنتشر “فضيحة الفيديو” لحزب الحرية النمساوي أثناء التصويت، لكان أداؤه أفضل.
وتبدأ نهاية انتخابات البرلمان الأوروبي لعبة سياسية للسنوات الخمس القادمة، وفي مستوى الاتحاد الأوروبي، يقول المتفائلون إن الأحزاب الشعبوية لا تملك القدرة على تحدي الأحزاب الرئيسية في البرلمان الأوروبي، ومن الصعب عليهم أن يشكّلوا عقبات ملموسة أمام التشريعات ومراجعة الميزانية وصنع القرار في الاتحاد الأوروبي، لكن ذلك لا يعني أنهم لن يثبتوا وجودهم ويتدخلوا في إجراءات البرلمان الأوروبي عبر إثارة المسائل الفنية.
في الوقت ذاته، سيدفع الحيّز السياسي الموحد والموسع للأحزاب الشعبوية السياسةَ الأوروبية نحو التشدّد اليميني، ورغم أن الانتخابات البرلمانية الأوروبية تختلف عن الانتخابات المحلية ويستبعد أن تكون النتائج متشابهة، إلا أن الوضع الحالي يقول إن الشعوبية ثبتت قدمها في أوروبا وتنسلّ تدريجياً إلى الرأي العام.
تتوق الأحزاب السياسية الشعبوية، التي تكتسب زخماً، إلى تكرار نتائج البرلمان الأوروبي في الانتخابات الوطنية، وهذا ليس مجرد كلام أجوف، إذ سيصبح التعايش طويل الأجل مع الأحزاب الشعبوية والأحزاب غير السائدة “قاعدة جديدة” في سياسات الاتحاد الأوروبي والسياسة الداخلية للدول الأوروبية.
وهناك نقطة مهمّة أخرى يجب مراعاتها بالطبع، وهي كيف ستؤثر السياستان الأوروبية والأمريكية في بعضهما، فمن الواضح أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومساعده السابق ستيف بانون مسروران برؤية الشعبوية تزدهر في السياسة الأوروبية، في المقابل، سيوفر نجاح الشعوبيين الأوروبيين لترامب أساساً قوياً للسعي إلى فترة رئاسية أخرى.
ومن شأن المشهد السياسي الجديد الذي انعكس في الانتخابات البرلمانية الأوروبية أن يثير حالة من انعدام اليقين والاضطراب، إذ سوف يتصاعد التنافس بين الاتحاد الأوروبي وكل دولة عضو فيه، وسيلحق التعاون والمصالحة خسائر فادحة وسوف تصبح عمليتا التداول وصنع القرار أكثر تعقيداً وأقل فعالية، وسيزداد التناقض بين الديمقراطية والحوكمة.
إن أكثر المخاوف واقعية تتمثّل في كيف ستؤثر البيئة الجديدة للسياسة الأوروبية على السياسة العامة، فرغم شعار “الحفاظ على القيم الأوروبية” في السنوات الأخيرة، ما زالت الأحزاب السياسية الرئيسية في الاتحاد الأوروبي تتهاون مع ما يُسمّى الرأي العام وتتبع الشعوبية، على سبيل المثال، باسم مجال اللعب المتكافئ، يمكن اعتبار حماية التجارة وحاجز الاستثمار امتداداً للتغيرات في السياسة الداخلية نحو السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وتشعر الصين، باعتبارها شريكاً مهماً في الاتحاد الأوروبي بالقلق حيال الديناميات السياسية في القارة الأوروبية، وكيف سيتعايش الاتحاد الأوروبي ويرقص مع القوى الشعبوية في السنوات الخمس المقبلة، لأن العلاقات الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي جعلت الصين تشعر بتأثير هذه التغييرات في العلاقات مع الاتحاد.
بعد أن دخلت مختلف القوى السياسية الساحة السياسية للاتحاد الأوروبي حاملة حلولاً مختلفة، تأمل الصين أن يصبح الاتحاد الأوروبي أكثر نضجاً واستقراراً في عملية “التعايش والرقص”، مع اتجاه أوضح للتكامل، وإحساس أقوى بالمسؤولية تجاه الشركاء ومزيد من المساهمة في الاستقرار والتنمية في العالم، وليس العكس.