هل خرجت عن الأهداف؟! المراكز الثقافية.. محاولات جادة للإنعاش.. وواقع عمل مثقل بالأعباء
استقطاب الأجيال الصاعدة، وتفعيل معاهد الثقافة الشعبية كانا أبرز الأهداف التي وضعتها وزارة الثقافة نصب عينيها لتحقيق خطتها في النهوض من ركام الأزمة، وإعادة إعمار البشر، تزامناً مع إعادة إعمار الحجر، ولتحقيق هذه الأهداف كان لابد من توافر حوامل حقيقية تحمل المشروع، وتصل به إلى المجتمع، ومن هذه الحوامل المراكز الثقافية التي كانت المنبر الأساسي لتحقيق هذا الهدف، وإخراج الحالة الثقافية من نخبويتها إلى المجتمع العام، فهل استطاعت المراكز الثقافية الخروج من عباءة طبقات المثقفين الكلاسيكية التي احتلت المنابر، وابتعدت بخيالها عن واقع المجتمع، أم أنها تمكنت من اجتياز مراحل نحو تحقيق الأهداف المنشودة؟.
دور ثانوي
مدير المراكز الثقافية في وزارة الثقافة حمود الموسى رأى أن المراكز الثقافية هي أحد منابر تقديم الثقافة على اختلاف مواضيعها وأنواعها، وجزء ثانوي من الحالة الثقافية العامة، لأن الثقافة هم وهاجس، ولابد من التركيز فيها على نوع النشاط، والموضوع المطروح، والتوقيت، والجرأة بالطرح، بالإضافة إلى النقد البنّاء المرافق للنشاط، وليست عملاً وظيفياً روتينياً، وبالتالي فإن المراكز الثقافية إحدى أدوات تقديم الفكرة الإبداعية، والثقافية، والأنشطة على اختلافها.
وأكد الموسى أن هناك ثوابت أساسية تم وضعها لتقديمها في المنابر الثقافية تم التركيز عليها من قبل وزارة الثقافة نظراً لأهميتها في المجتمع، وهي الأنشطة المتعلقة بالأطفال واليافعين بالدرجة الأولى، لأنهم الأساس في بناء المجتمع، وفئة أصحاب الاحتياجات الخاصة، والمتسولين لتقديم الدعم لهم، والارتقاء بهم، وإخراجهم من الحالات التي يعيشونها، وإعادة دمجهم في المجتمع وفق ظروف حضارية وإنسانية نبيلة.
وأكد الموسى أن الخطة التي يتم وضعها على المستوى الوطني في المراكز الثقافية تتم بالتشاركية مع عدد من مؤسسات الدولة وهيئاتها لتصل إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور، ويتم الاعتماد فيها على كافة المثقفين الراغبين، وهنا لا يقصد بالمثقفين الأدباء فقط، بل كل المهتمين بالعمل الإبداعي، سواء الفني، أو الاجتماعي، أو غيره من الأنشطة.
وأشار مدير المراكز الثقافية إلى أن المراكز الثقافية تمكنت خلال الفترة الماضية من تقديم آلاف الكوادر إلى سوق العمل عبر تخريجهم من معاهد الثقافة الشعبية المنتشرة التي اعتمدت على إقامة دورات مهنية وفنية برعاية وزارة الثقافة، وفي سبيل تطويرها والارتقاء بها تم وضع خطة لتوزيع كافة موارد الوزارة على مؤسساتها الثقافية.
أما بخصوص الحالة الإعلامية المرافقة للفعاليات الثقافية في المراكز الثقافية فيرى موسى أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت كفيلة بإيصال المعلومة عن الفعاليات المختلفة للمهتمين بها، لأن الإعلام الموجود إن كان مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً لا يستطيع تغطية كافة الفعاليات التي تقام على مساحة الوطن نظراً لعدد المراكز الثقافية الموجودة المقدر بـ 469 مركزاً، منها نحو 300 مركز مكرسة لمعاهد الثقافة الشعبية في البيئات الاجتماعية المختلفة.
خطة طموحة
بدوره مدير ثقافة دمشق وسيم المبيض بيّن أن مديرية ثقافة دمشق تعمل على مدار العام وفق برنامج مدروس وموجّه للارتقاء بالحالة الثقافية والأدبية والفنية على اختلافها للجمهور العام عموماً، والفئات التي تم ذكرها بشكل خاص، حيث وضعت نصب عينيها ضمن خطتها لموسم العطلة الصيفية تحقيق أهدافها الموجهة للشريحة المطلوبة دون الابتعاد عن باقي شرائح المجتمع من خلال تقديم برامج متعددة للوصول إلى هذه الغاية بإشراف مختصين، وهذه الأنشطة تتنوع بين الفنون البصرية، والأدبية، والمسائل الاجتماعية والتعليمية.
وأكد المبيض أن الأندية الصيفية التي تم إطلاقها تزامناً مع انتهاء الامتحانات في كافة المراكز الثقافية ومعاهد الثقافة الشعبية التابعة لوزارة الثقافة تعمل على تحقيق هذه الأهداف النبيلة، حيث زاد عدد مرتاديها هذا العام، وتعددت مجالات اختصاصاتها، وأصبحت رديفاً للدورات التعليمية والمهنية التي تقوم بها جهات مختلفة بالتعاون مع المراكز الثقافية، وتقوم مديرية الثقافة بدعم هذه الأنشطة، وتسخير كافة الموارد الموجودة في المراكز الثقافية لخدمتها. وبيّن مدير ثقافة دمشق أن التعويضات التي تدفع للنشاطات القائمة في المراكز الثقافية تقسم إلى قسمين: أولها الأنشطة الدورية التي تقيمها المراكز وفق برنامجها العام، ويتم من خلاله إعطاء تعويضات للمشاركين فيها وفق القوانين الناظمة للعمل، والقسم الثاني الحجوزات التي تتم في المراكز الثقافية التي تدفع بها الهيئات أو الجمعيات أو الأفراد صاحبة الحجز قيمة استخدام موارد المراكز، سواء في المعارض الفنية، أو الأمسيات الموسيقية، أو الاجتماعات الهادفة، وغيرها من الأنشطة المجتمعية.
فاعلية حقيقية
وأكدت رباب أحمد، مديرة المركز الثقافي العربي في “أبو رمانة”، أن المراكز الثقافية تحاول النجاح في الدور الملقى على عاتقها كمنابر تستخدم للارتقاء بالحالة الثقافية والمجتمعية عموماً، حيث يتم اختيار المواضيع والبرامج التي تقدم وفق رؤية شمولية تحاكي كافة فئات المجتمع التي أثبتت حضورها الثقافي خلال فترة الحرب على سورية، بالإضافة إلى الاهتمام ببعض الفئات نظراً لخصوصيتها ودورها في بناء المجتمع، حيث يتم تقديم فعاليتين أسبوعياً لكل فئة وفق برنامج ثابت.
ورأت أحمد أنه يجب أن يكون هناك تعاون أكبر مع مختلف الهيئات الحكومية والمجتمعية لتطوير الحالة الثقافية، والارتقاء بها من خلال زيادة الضخ الإعلامي لفعاليات المراكز الثقافية، واقتراح إقامة قناة ثقافية شاملة لمختلف أنواع الآداب والفنون والمعارف، وتفعيل المعاهدات الثقافية مع مختلف دول العالم الصديقة.
وبيّنت أحمد أن الصعوبات التي عانى منها قطاع المراكز الثقافية كانت لوجستية عموماً من خلال ضعف الإمكانات والدعم نتيجة الأحوال الاقتصادية الصعبة التي عاشتها سورية، والنقص الكبير بالكوادر المؤهلة للعمل في المراكز، ما يؤثر على تقديم الخدمات بشكلها الأمثل، مع الإشارة إلى أن إحدى أبرز السلبيات في العمل كانت تكرار الفعاليات في البقعة الجغرافية الواحدة، حيث أثبتت عدم قدرتها على الوصول إلى حالة ثقافية صحية.
منابر
وأشار د. مالك صقور، رئيس اتحاد الكتاب العرب، إلى أن الأدباء أثبتوا وجودهم كعناصر فاعلة في الارتقاء بالحالة الأدبية في الفترة الماضية، رغم الحرب الإرهابية، من خلال مواقفهم وكتاباتهم وآرائهم التي عبّروا عنها بأسلوبهم، ورأى صقور أن المواقع الالكترونية لم تعق متابعة الحركة الأدبية، بل عززت حضورها، وساهمت في نشرها إلى أكبر شريحة في المجتمع.
وبيّن رئيس اتحاد الكتاب العرب أن الصعوبات التي تعيق تقديم الحركة الأدبية في المراكز الثقافية تتجلى أحياناً بغياب عنصر أو عدة عناصر من العمل الأدبي الإبداعي، ومنها على سبيل المثال القامة الأدبية التي تقدم النتاج الأدبي، وعنوان المحاضرة، ومضمونها، وطريقة تقديمها، وحجم الفائدة المتوخاة منها.
ورأى صقور أن مرحلة العطلة الصيفية تمنح الجمهور الفرصة للتفاعل مع الأدباء والفنانين في المراكز الثقافية عبر الأنشطة المكثفة التي تقدم فيها، ويتمكن محبو الأجناس الأدبية والفنية من التواصل الآني مع ما يحبون.
وختم صقور بالتأكيد على أن خطة الاتحاد السنوية التي تضم كافة نشاطات أعضائه بفروعه وجمعياته تنفذ وفق أجندة متفق عليها مع مديرية المراكز الثقافية التي تعتبر المنبر الأساسي للكتاب والأدباء، إضافة إلى أنشطتها المتنوعة الأخرى.
من الآخر
يبدو أن الخطط الطموحة لوزارة الثقافة بتقديم نتاج إبداعي عبر منبرها الأساسي المتمثّل بالمراكز الثقافية تصطدم بعدد من المعوقات، أهمها النقص الكبير في الموارد، والكوادر، وتكرار الفعاليات في البقعة الجغرافية الواحدة، وسيطرة الخطاب الكلاسيكي الجاف على الحالة الأدبية عموماً، مع محاولات تغيير الرؤية البصرية في بعض الأنشطة الفنية، ووجود هدف نبيل بالتوجه نحو الأطفال وأصحاب الإعاقة، فهل سنرى تحولاً في الممارسة للوصول إلى الهدف الذي تطمح وزارة الثقافة له، أم أن المراكز الثقافية تبقى رهينة حالتها الصعبة التي تعيشها؟.
مرهف هرموش