أثر الفراشة!!
سلوى عباس
أكثر ما نحتاجه في هذه الحرب هو الحب، ولعل أكثر ما يحسب للموسم الدرامي هذا العام هو الدراما الرومانسية التي أعادتنا إلى مسلسلات الغفران وأحلام كبيرة وعلى طول الأيام وغيرها” بعد أن سيطرت ظلال الحرب حتى على الدراما بإنتاج أعمال طابعها العنف وتردي الأوضاع الأخلاقية والاجتماعية، وتقديم صورة سلبية ومشوهة عن المجتمع السوري، ومسلسل “أثر الفراشة” تأليف الكاتب محمود عبد الكريم عن رواية “الحب في زمن الكوليرا” وإخراج زهير قنوع خير مثال على عودة الدراما الرومانسية التي تؤكد على الحب لأجل الحب وعلى قيم النبل التي افتقدناها في سنواتنا الثماني العجاف، وبدءاً من شارة وصوت المغنية نيرمين شوقي الذي يمسك القلب من روحه ويحلق به في غيوم الحب والإحساس الجميل، عبر أحداث شيقة خطها المبدع محمود عبد الكريم بمداد قلبه فجاءت شفافة وصافية كماء العين، وقد اكتمل المشهد مع كادر العمل ككل من ممثلين وفنيين، والفكرة الأبرز تناغم الحضور بين الجيل الجديد والجيل المخضرم، فجاء كنسيج محكم دون خلل بأي قطبة فيه، ولعل ما يحسب لهذا العمل أيضا أنه أدخل المواطن السوري الذي أرهقه لهاث الحياة في رهان حول مساحة الحب الصادق الذي يمكن أن لعبقه أن يعطر روحه ويخفف عنه وطأة أيامه المثقلة بالتعب.
تتراوح أحداث العمل بين فترتي السبعينيات من القرن الماضي وتاريخنا الراهن، وتدور أحداثه حول العلاقات الإنسانية وتفاصيلها، ويمسح الغبار عن النبل الذي تكتنزه، عبر قصة حب كبيرة ترافقها مجموعة من قصص الحب التي يعيشها أصحابها كحالة من التحدي لكل المعاناة والأوجاع التي قد يعيشونها، فالحب هو حصانتهم وشفاعتهم حتى تجاه أنفسهم، فجاء هذا العمل بكل تفاصيله صرخة حب بوجه الحرب، وتحية لكل العشاق الذين شفَّت قلوبهم حباً، ولعل العبارة التي تضمنتها شارة العمل “للعاشقين فقط” تؤكد أن العشق لايليق إلا بالقلوب النقية التي تدرك المعنى الأعمق للعشق، وليس هؤلاء الذين يعتبرون كل تجربة يعيشونها حالة من العشق، فالحب هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يغيره أي شيء، لأنه شعور إنساني وليس ترفاً، بل لا معنى للوجود بدونه، وبالحب ينتصر الإنسان، والمحب يرى نصفه الآخر جزءاً حميماً منه، بل نصفه الجميل، فكيف يمكن أن يسعد بنصف غير سعيد، كيف يمكن أن تزهر في روحه أقواس قزح لم يوسمها حبيبه بمطره الفردوسي، وكيف يمكن أن يفترش الياسمين ذرات الهواء، ولم يمنحه عطره الآسر الشفيف، وحين يشتاقه ينهمر إليه كالمطر، ويكون له فيه كله فرحه وحزن، ألقه وكبوته، له اللحظات التي مرت والتي ستمر أيضاً، مذ أن أودعا مفاتيحهما لدى بعضهما وشرعا كل أبوابهما على بعضهما فتتماثل الأضداد وتتشابه العناصر وتتوافق في خلافها النقائض، وتعتدل زوايا الضوء في موشورها الكوني ويقترب الجحيم من ربا الجنان، ومسلسل “أثر الفراشة يجسد كل هذه الحالات ويستحق أن نشاهده بطعم النكهة الأولى للحب وعبق البوح الأول، مسلسل نعيش معه حالة من التأمل والاستمتاع، يناسب كل الأذواق ويصلح لكل الظروف والأزمان فكان تحفة فنية تفعل فعلها في الروح كما أثر الفراشة الذي يصفه الشاعر محمود درويش بأنه لا يرى ولا يزول، فهل لنا أن نؤمن بأنفسنا وبما نعيشه في حياتنا ليكون فعلنا كـ “أثر الفراشة”.