إيران تنهي الأحادية الأمريكية
ترجمة وإعداد: لمى عجاج
بعد أن كانت أحادية الجانب صفة تُميز النظام السياسي العالمي في الفترة التي تلت الحرب الباردة في التسعينيات وأوائل القرن العشرين لم يعد من الممكن اليوم أن نعتبره كذلك، وعلى الرغم من كل هذا ما زالت الولايات المتحدة متمسكة بسلوكها الأحادي الجانب كأن تقوم بالانسحاب من جانبٍ واحد من معاهدات /أو اتفاقيات متعددة الأطراف وتهدد من جانبٍ واحدٍ بـ “طمس” دولة بأكملها كإيران.
ومادام النظام السياسي العالمي سيصبح حقاً متعدد الأقطاب فهذا يعني أن هذه الأحادية باتت غير مبررة، وهذا هو بالضبط ما كان يفكر فيه كبار المسؤولين السياسيين في روسيا عندما ذهبوا لحضور قمة مجموعة العشرين في أوساكا في اليابان، حيث عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعاً مع الرئيس الأمريكي وناقشا العديد من القضايا التي تتراوح بين العلاقات الثنائية بين البلدين والوضع الاستراتيجي العالمي لسورية وأفغانستان، والأهم من ذلك إيران. في حين إنه لم يتضح بعد ما حصل في هذا الاجتماع، لكن على الأقل يمكننا التنبؤ بما دار بين بوتين وترامب بخصوص إيران، فالموقف الروسي تجاه إيران واضح وضوح الشمس، كما أن المسؤولين الروس كشفوا عن موقفهم الثابت من إيران في عدة مقابلات قبل بدء القمة في اليابان، فعلى سبيل المثال قال الممثل الدائم الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا ميخائيل أوليانوف في وصف السياسات الأمريكية بأنها سياسة ابتزاز قائلاً: “من خلال الابتزاز والتهديد، تطارد واشنطن الشركات الأجنبية الكبيرة وحتى الصغيرة، بعيداً عن السوق الإيراني”. وصوّت اليانوف لصالح إيران وأكد أن قرار إيران بوقف تنفيذ أحكام خطة العمل المشتركة الإيرانية يتماشى مع أحكام الاتفاقية وأنه يحق لها أن تفعل أي شيء تراه في صالحها في حال فشلت الأطراف الأخرى بالوفاء بالتزاماتها ولكن بالطبع!.. دعا اليانوف إيران إلى التقيد بتلك الأحكام والاستمرار في الالتزام بالاتفاقية، وهذا بكل تأكيد لا يعني التأييد الروسي للابتزاز الأمريكي لإيران، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعداده لمساعدة إيران على تصدير نفطها الخام وتخفيف القيود على نظامها المصرفي في حال فشلت أوروبا في إطلاق آلية جديدة تسمى “السيارة ذات الأغراض الخاصة” SPV والتي تهدف إلى مساعدة وطمأنة المشغلين الاقتصاديين الذين يتابعون أعمالاً تجارية مشروعة مع إيران وفقاً لبيان مشترك أصدره الأعضاء الباقون في الاتفاق النووي الإيراني (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين)، ما يعني أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستنشئ كياناً قانونياً لتسهيل المعاملات المالية المشروعة مع إيران والمعروفة أيضاً بأداة دعم التبادل التجاري لمواصلة الانخراط في الأعمال التجارية مع إيران دون الخوف من العقوبات الأمريكية، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية لفشل المشروع الأوروبي، فالابتزاز الأمريكي كان السبب الحاسم الذي منع أوروبا من الوفاء بالتزاماتها، الابتزاز الذي كان اليانوف سريعاً بما فيه الكفاية للإشارة إليه، فوفقاً لتقارير وسائل الإعلام الغربية أرسلت وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية سيجال ماندلكر خطاباً في السابع من أيار الفائت تحذر فيه الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من مواصلة التبادل التجاري مع طهران وتهدد فيه بقطع أولئك الذين يتعاملون مع إيران عن النظام المالي الأمريكي، لم تقبل روسيا ولا إيران ولا الصين بهذا التهديد لذلك اتخذت قرارها بالتصدي لأي مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة الأمريكية ولأي تهديد لإيران، ولكن في البداية ستكون المواجهة دبلوماسية. وبهذا الصدد كانت ردة فعل وزارة الخارجية الروسية قوية جداً على العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران في أعقاب إسقاطها لطائرة أمريكية باهظة الثمن فوق الأجواء الإيرانية، وقالت في بيانٍ صدر عنها جاء فيه “إن العقوبات الجديدة هي أقرب وأحدث مثال على نزعة الولايات المتحدة وميلها المتواصل لفرض إملاءاتها على الدول ذات السيادة، إن موقف روسيا من إيران كيف؟! ولماذا؟! تحاول الولايات المتحدة زعزعة استقرارها يتفق تماماً مع الرؤية المتفق عليها في قمة منظمة شانغهاى للتعاون الأخيرة في بيشكيك، حيث أوضح أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون بأنهم لا يمكن أن يسمحوا بأي محاولة للهجوم على إيران أو مجرد التفكير في تغيير نظامها فأهمية إيران بالنسبة لروسية والصين تنبع من الدور الذي من المفترض أن تلعبه إيران في برامج طريق الحرير الجديدة وبرامج التواصل الاقتصادي الأورو-آسيوية التي تقوم روسيا والصين منذ مدةٍ بتطويرها، لذلك فإن أي زعزعة لاستقرار إيران من خلال حرب محتملة سيكون له الكثير من التأثيرات المباشرة على خطط التواصل الاقتصادي وعلى سياسة الجغرافية المكانية المستجدة القادمة من آسيا والتي تعطي مؤشراً واضحاً على إمكانية وصولها إلى السيطرة العالمية، وعلى العكس من ذلك فإن السبب الرئيسي وراء رغبة الولايات المتحدة في إيذاء إيران و”طمسها” ليس لامتلاك إيران للصواريخ الباليستية فحسب (على الرغم من أن هذا السبب هو الشغل الشاغل للمملكة السعودية وإسرائيل لكن ليس للولايات المتحدة لأنه لا يؤذيها بشكل مباشر) أو ليس بسبب نفوذها المتزايد في الشرق الأوسط، فالسبب الحقيقي والجوهري للقلق الأمريكي من الوجود الإيراني هو قدرة إيران على المساعدة في تحقيق الإمكانات الكبيرة للمنطقة الاوراسية وتجديد طرق الحرير القديمة لإعادة المجد الاقتصادي لأوراسيا لأن هذا الأمر سيؤثر بشكل مباشر على الموقف العالمي للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن الالتزام الروسي جنباً إلى جنب مع الجانب الصيني في مواجهة الولايات المتحدة والوقوف إلى جانب إيران هو محاولة لحماية دولة تمتلك دوراً حيوياً هاماً في المنطقة يجعلها تسير بخطى سريعة على طريق نظام متعدد الأقطاب، وهو الهدف الذي لا يمكن تحقيقه بشكل نهائي إلا بإحباط الأحادية الأمريكية، وبهذا تكون إيران الدولة التي ستكون نموذجاً يحتذى به وقدوة لكل دولة تريد أن تحذو حذوها نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب لا تكبحه الأحادية الأمريكية فإيران كانت الأولى في تحدي النظام الليبرالي الغربي العالمي.