“ضد المكتبة”.. وشم لا ينسى في ذاكرة عشاق الكتب
في كتابه “ضد المكتبة” يضعنا الروائي خليل صويلح صاحب “وراق الحب واختبار الندم” منذ البداية أمام مواجهة ممتعة مع كتابه هذا.
(من لا يقرأ يعيش حياة واحدة حتى لو اجتاز السبعين عاما. أما من يقرأ، فيعيش خمسة آلاف عام. القراءة أبدية أزلية – امبرتو ايكو). بهذه الكلمات يفتتح الروائي خليل صويلح. كتابه ضد المكتبة، المتميز ككل كتبه بالقول: بشكلٍ ما، فإن هذه النصوص كتبت من موقع القارئ في المقام الأول، بمعنى أنها لا تخلو من طيش ونزوات ومصادفات. أن تقع على كتاب في غير أوانه، وإذا به يقودك إلى ألفة غير مسبوقة، إلى اضطراب وريبة وشكوك، إلى ارتواء وشبع، كما لو أنك حيال وليمة دسمة من الكلمات والصور والنبوءات. تلك الحيرة بين رفوف المكتبة، والافتنان بمؤلف، بنسّاخ، بمخترع بلاغة، بخطاطة ملغّزة. ما كنت تظنه طي النسيان، يبزغ فجأة، من دهليز غامض، بعبارة، بانخطاف، بدهشة بعواء مكتوم، مثل حياة موازية تنمو في الجوار، وصولا إلى لحظة الاشتباك مع حياتك الشخصية مباشرة، ما يجعلك جسدا برأسين في عملية ضخ متبادلة لأعاجيب المخيلة الكونية. أذهبُ إلى خلاء الكتب بهيئة كائن خائب، في دروب متعرجة نحو كهوف وهضاب وسهوب، على أمل أن أقع في فخّ مؤلف مجهول، مفتونا بدور الطريدة لا الصياد. هي سيرة ناقصة للكتب إذا. غير قابلة للاكتمال، أو التشريح النهائي، سيرة ضبابية بمرآة مغبّشة، في توال طليق يطيح هندسة رفوف المكتبة، رأسا على عقب! ص7.
في هذا الكتاب نحن أما قدرة عالية على رغبة المتابعة منذ الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة بكثير من المتعة، نحن أمام كتاب مصاغ من تجربة شخصية للكاتب فيها الكثير من الجهد والتجربة التي مرت بمختبر الروائي خليل صويلح، ثم ظهرت إلينا بطريقة تشبه السيرة الذاتية عبر لغته الروائية الخاصة به.
مكتبة المؤلف تعرضت لكثير من التنقلات والترحال القسري، من منزل مستأجر إلى آخر ومن بيت إلى بيت. يقول المؤلف: (أهديت مجلدات لينين لأحدهم في إحدى نوبات “التعزيل” من دون ندم، كما سأتخلص لاحقا من مجلدات “الأغاني” للأصفهاني، بنصف ثمنها، لأسباب تتعلق بالإفلاس هذه المرّة. من قبو بسقف واطئ، إلى ملحق صغير في بناية قديمة ارتحلت كتبي بصناديق ثقيلة، لضيق باب الغرفة لم أتمكن من إدخال المكتبة نفسها، فاضطررت أن أهديها إلى سائق الشاحنة، وهكذا ارتحلت مكتبتي خمس رحلات قسرية، وفي كل مرة أتخلص من بعض عناوينها بلا مغفرة.) ص11.
سنجد أن خليل صويلح. يقدم لنا تجربة جدا حميمية ورائعة فيها الكثير من المتعة والفائدة، تحمل في طياتها رائحة الكتب ومتعة السرد، بذات الميزة التي يشتغل فيها على السرد في نصه الروائي. (كان خورخي لويس بورخيس قد قال ذات مرّة “أنا الذي تخيلت دوما الجنّة على شكل مكتبة). أظن، من دون تنظيف هذه المكتبة من الأعشاب الضّارة، ستكون نوعا من الجحيم الدنيوي ص 15-
عندما غادر محمود درويش. بيروت إثر الغزو الإسرائيلي لها ( 1982 ) نحو منفى آخر، اضطر أن يتخلى عن مكتبته، واحتفظ بكتابين هما: (ديوان المتنبي والأناشيد الكنعانية). سنجد أيضا كيف أن غابرييل ماركيز استعار من أحد أصدقائه كتابا لفرانز كافكا، وحين بدأ بقراءة “المسخ” أصيب بالذهول والدهشة. ص 19.
سنجد أن صاحب “سيأتيك الغزال” قدم لنا قراءات نقدية على غاية من الأهمية لأعمال عالمية بعضها قرأناه وبعضها قرأنا عنه والبعض الكثير لم نسمع به. ويرى صاحب “بريد عاجل” أن المكتبة وأهميتها ليست في عدد الكتب المركونة على رفوف المكتبة، العبرة في الكيف لا بالكم، سنتعرف على مخطوطات هامة في التراث العربي من أمثال الشيخ عبد الغني النابلسي في مخطوط كتابه (غاية المطلوب في محبة المحبوب) ص 67.
في “ضد الكتابة” نحن أمام كتاب سنقرؤه كثيرا وبكثير من المحبة. خورخي لويس بورخيس: لاتقرؤوا أي كتاب لأنه مشهور أو حديث أو قديم، إذا كان الكتاب الذي تقرؤونه مملا فاتركوه، فهذا الكتاب لم يؤلف من أجلكم. يجب أن تكون القراءة أحد أشكال السعادة الخالصة، ولذا فإني ألقي بوصيتي الأخيرة إلى جميع قرائي الحاليين والمستقبليين بأن يقرؤوا كثيرا، ولا يغتروا بسمعة كاتب ما ن اقرؤوا من أجل متعتكم، ولأجل أن تسعدوا فهذه هي الطريقة الوحيدة. ص 134.
إذا أردنا أن نعيد ترتيب مكتباتنا أو أن نفكر بمشروع تأسيس مكتبة سيكون قراءة “ضد المكتبة” خير صديق صادق، يقدم لنا تجربة إعلامي ومدمن كتب وروائي متميز جدا. (أن تكون “ضد المكتبة”، فأنت تحتاج إلى مكتبة أخرى، بخطط ومتاهات لا نهائية) ص 160.
“ضد المكتبة” تأليف خليل صويلح صادر عن دار نينوى دمشق – 2017 –
أحمد عساف