ماذا بعد ترامب.. الحرب العالمية الثالثة؟
سمر سامي السمارة
ربما حان الوقت للتفكير بمن سيتسلّم مقاليد الحكم بعد ترامب، وماذا يعني ذلك بالنسبة للعلاقات مع روسيا والصين، وكيف ستكون علاقات الولايات المتحدة مع روسيا والصين عندما يتولّى الرئيس السادس والأربعون للولايات المتحدة مهام منصبه في عام 2025؟، ولاسيما في ضوء الخيارات السياسية لترامب التي تتعلّق بالمعاهدات الدولية لتحديد الأسلحة، انتشار الأسلحة النووية، الحرب الاقتصادية مع الصين، الأزمة المالية التي تمّ تأجيلها بشكل مصطنع بفضل التسيير الكمي، الإنفاق العسكري الخارج عن السيطرة، وموقف الناتو الذي يزداد عدوانية تجاه روسيا، والاستفزازات المستمرة ضد جمهورية الصين الشعبية، وهنا لابد من التسأول: أين سينتهي المطاف بالولايات المتحدة بعد خمس سنوات أخرى من الاستفزازات؟ وإلى متى سيستمر بوتين وشي جين بينغ بالتحلي “بالصبر الاستراتيجي” بعدم الرد على واشنطن بإجراءات صارمة؟.
ماذا يمكن أن يحدث في عام 2025؟
حافظت المناطق الأربع الساخنة في العالم –إيران، سورية، فنزويلا وكوريا الديمقراطية- على صمودها في وجه الغطرسة الأمريكية وخرجت منتصرة، فقد استعادت دمشق كافة الأراضي السورية التي كان يسيطر عليها الإرهابيون، وأنشأت إيران بدورها قوة ردع كافية ضد أي هجوم محتمل، وتواصل بيونغ يانغ مفاوضاتها مع واشنطن مع استمرار إعادة توحيد الكوريتين، والثورة البوليفارية لا تزال مستمرة في فنزويلا.
بالمقابل يستعد بوتين لمغادرة روسيا كرئيس بعد 25 عاماً، كما أن شي جين بينغ ستنتهي ولايته في غضون بضع سنوات أخرى، وواشنطن على وشك تعيين رئيس جديد، على الأرجح سيكون عكس ترامب، بالطريقة نفسها التي كان بها أوباما عكس بوش وترامب كردّ فعل لأوباما.
لذلك دعونا نتصوّر أن من سيتسلّم السلطة من الحزب الديمقراطي ملتزم تماماً بتطوير وجهة نظر الدولة العميقة في الولايات المتحدة والمجمع الصناعي العسكري – شخص مثل هيلاري كلينتون أو مادلين أولبرايت أو أي من المرشحين الديمقراطيين لعام 2019 لانتخابات 2020، لا بد لمثل هذا الشخص أن يكون ملتزماً بإعادة تنشيط فكرة الاستثنائية الأمريكية بعد ثماني سنوات من رئاسة ترامب التي ركزت معظمها على قضايا داخلية وسياسة “أمريكا أولاً”.
وإذا فكرنا بما حدث، وبما سيحدث بعد تفكيك ترامب للمعاهدات الدولية في فترة رئاسته، ومنها تعليق معاهدة إزالة القذائف النووية المتوسطة والإشارة إلى عدم تمديد معاهدة ستارت الجديدة (بشأن تخفيض الأسلحة النووية)، ونشر القوات على الحدود الروسية في أوروبا، العقوبات، التعريفات والإرهاب الاقتصادي بكافة أشكاله. هل سيكون لدى الرئيس الأمريكي المقبل رغبة في تحسين العلاقات مع روسيا والصين وقبول نظام عالمي متعدد الأقطاب؟. من الواضح أن ذلك لن يتحقق، فرئاسة ترامب بمثابة تذكير لنا كيف أن كل إدارة تخضع لسيطرة الأجهزة العسكرية والصناعية وأجهزة وسائل الإعلام التجسسية.
لقد فاقم ترامب من الإنفاق العسكري بشكل ملحوظ، واستمر بمديح المجمع الصناعي العسكري ووعد بتحديث الترسانة النووية للبلاد. والأمر الذي تتجاهله وسائل الإعلام الرئيسية أن هذا التحديث سيحتاج لعقدين من الزمن كي يتمّ استكماله. بالنسبة لترامب “أمريكا أولاً”، وبالنسبة للدولة العميقة فإن المشروع طويل الأجل ويجب أن يكون أكثر إثارة للقلق بالنسبة للمجتمع العالمي.
لذلك تتجه كلّ من روسيا والصين والولايات المتحدة نحو مزيد من العسكرة، وتركز روسيا والصين بقوة للدفاع عن مصالحهما الإستراتيجية في مواجهة العدوان الأمريكي. وستركز بكين على بناء عدد كبير من حاملات الطائرات للدفاع عن حدودها البحرية، بينما تسعى موسكو لإغلاق مجالها الجوي ضد الصواريخ وطائرات الشبح.
ويرى المحلّلون أن أي صراع بين القوى العظمى في المستقبل القريب ربما يكون باستخدام صواريخ تقليدية أو نووية، إلى جانب التكنولوجيا الآلية، وطائرات من دون طيار، والذكاء الاصطناعي، والحرب الإلكترونية، والأسلحة التي تفوق سرعة الصوت. إضافة إلى الأسلحة النووية، والمنصات التي تُطلق منها الصواريخ والقذائف المعترضة، ستكون القدرات الحاسوبية للبلد حاسمة، حيث أصبحت الحواسيب الكمية حقيقة واقعة في الصين.
لن يكون هناك أي قيود على إنتاج الأسلحة النووية (في غياب أي مفاوضات أو اتفاقات جديدة)، حيث تنتهي معاهدة ستارت الجديدة في عام 2025. إن الوضع المتعلق بالفضاء الإلكتروني والفضاء القريب من الأرض مثير للقلق، ولاسيما مع عدم وجود معاهدات صريحة بين القوى العظمى، خاصةً وأنه يتمّ انتهاك الاتفاقيات القليلة النافذة بشكل روتيني، ولاسيما فيما يتعلق بالمركبات القريبة من الأرض.
بدأت المناقشات حول كيفية منع سباق التسلح الفضائي منذ فترة طويلة، حتى أن مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح بدأ المفاوضات حول المعاهدة، لكن الولايات المتحدة منعتها من المضيّ إلى أبعد من ذلك. وفي مؤتمر جنيف حول نزع السلاح قدّمت الصين وروسيا معاهدة فعلية للحدّ من الأسلحة الفضائية والمعروفة باسم معاهدة الحدّ من سباق التسلح في الفضاء عام 2012. إضافة إلى هذا الوضع الذي يُنذر بالخطر تلتزم الولايات المتحدة بشكل متزايد بمبدأ الضربة النووية الوقائية الأولى، وهنا نتساءل إلى متى يستطيع هذا العالم حماية نفسه من القصف والعودة إلى العصر الحجري؟.
يبدو أن ترامب لا يرغب بتسجيل اسمه في التاريخ كرئيس مسؤول عن إطلاق معركة “هرمجدون” النووية. ولكن ماذا عن الرئيس القادم؟ من المؤكد أن الدولة العميقة التي تتحكّم بالسياسة الأمريكية ستكون قادرة على تعيين شخص يستطيع تقديم المبرر النهائي لمواجهات متهورة مع موسكو وبكين.
ولنأخذ بومبيو، ممثل الدولة العميقة وجوابه مؤخراً على سؤال ما إذا كان ترامب قد أُرسل من قبل الله لإنقاذ إسرائيل من إيران، “قال: أؤمن بشكل مؤكد أن هذا ممكن”. إذا انتخبت الولايات المتحدة شخصاً متمسّكاً بفكرة الاستثنائية الأمريكية، فإن هذه الرؤية التي ترفض قبول السياسة الواقعية للأقطاب الجيوسياسية المتعددة والمنافسة بين القوى العظمى ستكون مؤكدة، أن فرص الشتاء النووي ستزداد بشكل كبير، ولنتذكر أن البديل عن ترامب كان هيلاري كلينتون، التي دعت لإيجاد منطقة حظر جوي في سورية- لتتمكن الولايات المتحدة من إسقاط الطائرات المقاتلة الروسية!.
كما تبدو عليه الأمور الآن لا يوجد حركة مناهضة للحرب، فالشعور العام بالإحباط هو من وسائل الإعلام الرئيسية التي يتمّ تغذيتها بتيار مستمر من الأكاذيب والمعلومات المضللة والدعاية، فـ أسانج تمّ سجنه دون وجه حق، والمدنيون اليمنيون يتعرّضون للقصف المستمر، ومع ذلك تقول وسائل الإعلام إن جوليان يعمل لصالح الكرملين، وأن موسكو تريد زعزعة الاستقرار وتدمير أوروبا، وأن الصين تنوي إخضاع العالم بأسره، وأن كيم جونغ أون يسعى إلى تسليح نصف آسيا بالسلاح النووي، وأن السعودية بلد يسعى لإصلاح كامل، وأن القاعدة تقاتل من أجل نشر الحرية في سورية!.
في الوضع الراهن يتمّ تشكيل “الحقائق” وفقاً لاحتياجات ومتطلبات المجمّع الصناعي العسكري الذي يحتاج إلى مبررات لحروبه التي لا تنتهي، وعليه يمكن أن يزداد الوضع سوءاً على مدار السنوات الست المقبلة، حيث تصبح الشعوب أقل قدرة على فهم العالم من حولها. فالاستمرار في التقدم التكنولوجي سوف يساعد الحكومات والشركات على التحكم بالمعلومات وتقرير ما هو صح وما هو خطأ. لن يكون الإنترنت مجانياً، وحتى إذا استمر على وضعه الحالي، فإن القدرة على تقديم خطاب مضاد ستكون محدودة بسبب قلة إيرادات الإعلانات لتوسيع الأعمال التجارية والوصول إلى المزيد من الأشخاص عبر وسائط الإعلام المستقلة.
ربما في القادم من الأيام لن يكون فلاديمير بوتين وشي جين بينغ اللذان يتحليان بالصبر في مواجهة الاستفزازات الأمريكية المستمرة، إذاً ماذا سيحدث عندما لا يعود هذان الزعيمان اللذان يتسمان بالمرونة في السلطة، بينما تظلّ الوسائل لإحداث ضربة مدمرة للولايات المتحدة متاحة لخلفائهم؟، هل سيبقى الصبر نفسه في مواجهة الاستفزازات الأمريكية المستمرة؟.
ستنشر موسكو كافة أنواع الأسلحة فوق الصوتية التي لا يمكن للولايات المتحدة أن تعترضها، إلى جانب مائة من أحدث المقاتلات من طراز Su-57، وسيكون لدى الصين نحو ست إلى سبع حاملات طائرات يرافقها العديد من المدمرات، ولكل منها 112 خلية من أنظمة الإطلاق العمودي (VLS)، وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، والأسلحة المضادة للأقمار الصناعية والكهرومغناطيسية.
سوف تنتشر أنظمة S-500 في جميع أنحاء روسيا، محمّلة بأسلحة مزودة بمعدات اعتراضية تفوق سرعة الصوت، إضافة إلى هذا الردع التقليدي، فإن الترسانة النووية الصينية والروسية الحالية قادرة بالفعل على محو الولايات المتحدة في غضون بضع دقائق.
ستواصل واشنطن في زيادة التوتر تجاه الصين وروسيا حتى بعد مغادرة بوتين وشي للمنصبين، وبالتالي، فمن المحتمل أن يخلفهم من هم أكثر تشدداً وتعنتاً.
في عام 2025، من المأمول أن يكون بوتين وشي قد نجحا في تجنّب أي صراع مع الولايات المتحدة من خلال استخدام مهاراتهم الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية في كثير من الأحيان، ولعب دور معتدل يتناقض مع الدور الذي لعبه الغرب، والذي لا يفهم هذا النهج، ويصفه بأنه متطرف.
تخيّل استمرار التوترات بين هذه البلدان الثلاثة في الزيادة المطردة خلال السنوات الخمس المقبلة بالمعدل نفسه الذي كانت عليه خلال السنوات العشر الماضية. كيف سيكون ردّ فعل روسيا والصين؟ تخيّل تعيين شخصيتين أقل مرونة في هذين البلدين على استعداد للردّ على الاستفزازات الأمريكية!.
تواصل واشنطن تراجعها الذي لا يمكن تلافيه مقارنة بالقوى الأخرى نتيجة للواقع الجديد متعدّد الأقطاب، والذي يوضح توزيع الثقل الجغرافي السياسي على مساحة أوسع من رقعة الشطرنج العالمية. يجب أن نأمل، من أجل الإنسانية، أن تتسارع وتيرة تراجع واشنطن إلى حدّ ما في ظلّ رئاسة ترامب بحيث تضطر الولايات المتحدة إلى التركيز على مشكلاتها الداخلية.
نال ترامب تقدير البعض من أعضاء الدولة العميقة لجهوده الرامية لإعادة تنشيط المجمع الصناعي العسكري لواشنطن من خلال تقديمه لها شيكاً على بياض. وهذا من دون النظر في اعتداء ترامب الاقتصادي والمالي على الحلفاء والأعداء على حدّ سواء، والذي يبدو أنه محاولة للقضاء على أي ميزة متبقية للنظام القائم على الدولار قبل انهياره.
يبدو أن الخطة طويلة الأمد للنخب الأمريكية تثير في بعض الأحيان صراع القوى العظمى من أجل تحقيق النصر ومن ثم بناء نظام مالي عالمي جديد فوق الأنقاض.
يعدّ بيع السندات الحكومية الأمريكية من قبل روسيا والصين والعديد من البلدان الأخرى مؤشراً مهماً على الاتجاهات الاقتصادية العالمية. إن تحويل هذه الأوراق المالية إلى ذهب وعملات أخرى هو تأكيد إضافي على التعددية القطبية. ويعتبر إدراج صندوق النقد الدولي لليوان في سلة عملاته الاحتياطية مثالاً ملموساً على نشوء عالم متعدّد الأقطاب فعلياً وتضاؤلاً لقدرة الولايات المتحدة. تأتي استدامة الدين العام والخاص للولايات المتحدة من ثقة المستثمرين في السندات الحكومية الأمريكية. يتعطّل النظام من خلال رغبة المستثمرين في شراء هذه النفايات المطبوعة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي. لا تكمن ثقة المستثمرين في قدرة الولايات المتحدة على سداد الديون بقدر ما تكمن في قدرتها على استخدام القدرات العسكرية الأقوى في العالم للتسلّط على الدول الأخرى في شراء الأوراق المالية الأمريكية التي تعمل فقط على زيادة تغذية الإمبريالية الأمريكية.
إن الجهود التي تبذلها موسكو وبكين لفك ارتباطهما عن هذا النظام هي الطريقة التي ستقطع بها الأكسجين عن التهديد الاقتصادي- العسكري الذي تمثّله واشنطن.
إذا اعتقدت الدولة العميقة في الولايات المتحدة أن بإمكانها أن تضغط للحفاظ على أية فوائد متبقية من نظام الدولار، والتسبّب بإشعال حريق هائل بين القوى العظمى، ثم تعيد إحياء نظام الدولار الأمريكي في شكل جديد فوق الأنقاض، فإنها تقوم بحسابات خاطئة فظيعة في التقدير.
إذا كانت التنبؤات التي تتعلق بالتقدم التكنولوجي من الآن وحتى عام 2025 صحيحة، مع الحوسبة الحكومية والذكاء الاصطناعي وما إلى ذلك، فمن المحتمل أن تتمكّن موسكو وبكين من تفادي نهاية العالم بنقرات الماوس على بعد آلاف الأميال.
في الحقيقة تخوض واشنطن حروباً مستمرة منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تقوم بعمليات سرية في أكثر من 50 دولة وتقتل ملايين المدنيين بشكل مباشر وغير مباشر، وكلّ ذلك تحت شعارات الديمقراطية والحرية المزيفة.
لابد لنا من الاعتراف بأننا نعيش في عالم قائم على الأكاذيب، مع استمرار وسائل الإعلام الرئيسية في إبقاء العالم في حالة من الارتباك.