منذر كم نقش.. وداعا
رحل الفنان التشكيلي السوري منذر كم نقش بعد مسيرة طويلة اتسمت بالبساطة والهدوء والصفاء، هذا الفنان الشفاف يعتبر من جيل الفنانين السوريين الذين حملوا على كاهلهم مسؤولية تعميق حضور اللوحة السورية في الربع الأخير من القرن الماضي على المستوى العربي والدولي، فقد ساهموا من خلال عملهم في تدريس الفن في جامعة دمشق وإنتاج اللوحة التي تحمل طابع الخصوصية والتجديد متفردين بشخصياتهم الفنية، ويأتي تميز تجربة الراحل من تلك الطهرانية العامرة في لوحته والمتمثلة في رهافة ألوانه وأشكال كائناته السماوية الخفيفة في وزنها النوعي والعميقة في معناها الروحي، حيث تتصاعد نحو قبة هذا الكون متماهية مع قداسة هذا الخلق حيث الكائنات طيور بيضاء بأجنحة كبيرة تشرب الضوء من نهايات أصابع الأنثى التي رسمها الفنان من ضوء وبرتقال مقدس.. لم يكن ذلك الرجل الهادئ إلا هو ذاته البسيطة والمسالمة والمتأنية كثيرا.. حين التقيته في معرضه الاستعادي الذي أقيم في المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق العام الماضي حدثني بلغة العارف بنهاية الأشياء كلها، حيث لا وقت للخوض في تفاصيل اللوحة ولا مكان للكلام أو للسؤال في حضرته.. لم يكن عليّ إلا أن استمع وأنظر في عينيه الصغيرتين وفي جسده الكهل الضئيل حيث يسكن قلبه الأبيض الحكيم، رافقني لوقت ذات صباح أمام لوحاته المعلقة بشكل أنيق هامسا ممتنا لصديقه الفنان مدير المركز الذي استضاف معرضه الكبير.. أحسست أنني برفقة طفل أبيض يحمل دولاب الهواء.. إنه الفنان الذي عاش لوحته وعاش الفن والحلم، وجعل الحياة أكثر جمالا وأبحر في قبة السماء بجسد الإنسان الطاهر من آثام الأرض.. لروحه البيضاء الرحمة.. وداعا منذر كم نقش.
أكسم طلاع