ما بين طرح “العلمانية” و”التماسك الاجتماعي” في ملتقى البعث للحوار د. عمران: إشكاليات طرح مصطلح العلمانية أثّرت على التماسك المجتمعي
اللاذقية- مروان حويجة:
في جو غنيّ بالرؤى والأفكار والطروحات الهامة، عقد ملتقى البعث للحوار في فرع اللاذقية للحزب جلسته الثالثة تحت عنوان “ما بين طرح العلمانية والتماسك الاجتماعي”، والتي شهدت على مدى ثلاث ساعات نقاشات ومداخلات قيّمة ومتنوّعة، حضرتها فعاليات شعبية وثقافية وإعلامية وحزبية.
وتحدّث الرفيق د. عبداللطيف عمران، المدير العام لدار البعث، خلال الملتقى الذي أقيم على مدرج دار الأسد للثقافة، عن مصطلح العلمانية في ضوء التوظيف الخاطئ للمصطلح، وما نتج عن ذلك من تشتيت وتحشيد لتأويلات ومآلات، وما أفرزه من إشكالية، شأنه شأن أغلب المصطلحات التي وصلت إلى بلداننا من أيام الحداثة وما بعد الحداثة، حيث احتدم السجال حول مصطلحات وافدة، وهذا ما أضرّ بالمجتمع والوحدة المجتمعية، وأوضح أنّه مع مطلع عام 2000 جاء طرح مفهوم “المجتمع المدني”، فاتحاً السجال حول هذا المفهوم، ما أفضى إلى استقطاب حاد في المجتمع، وكان الدافع لهذا الطرح تحرير العلاقة بين الدين والدولة، في وقت تزامن فيه الطرح مع الانفتاح وتعزيز الحوار لإفساح المجال أمام الجميع للإسهام الجاد معرفياً ووطنياً.
وبيّن د. عمران أن هناك تعاريف عديدة للعلمانية ذات مدلولات مختلفة، واللافت في هذا أن المصطلحات تحمل الفكرة, ونقيضها في التطبيق. منوّهاً إلى أنّ إثارة طرح العلمانية جاءت في السنوات الأخيرة مباشرة بعد تحرير حلب واندحار الجماعات الإرهابية بهدف خلق تباينات في المجتمع، برغم كل التأكيد، تلميحاً وتصريحاً، أنّه ليس هناك داع للانشغال بهذه الطروحات، مضيفاً: البعض فهم أنّ العلمانية إلحاد، في حين أنّه لاعلاقة أساسية للعلمانية بالإلحاد والإيمان، وهنا تحديداً تكمن إشكالية تتبدّى في مجتمعاتنا، إذ لا يمكن لنا استيراد مصطلحات من مجتمعات أخرى وأزمنة أخرى للانشغال في معالجاتها والاختلاف والانقسام في شأنها، وهنا نستلهم بالضرورة الوطنية والمعرفية ما أكّد عليه السيد الرئيس بشار الأسد بأنّه بعد كل هذا السجال ليست العلمانية هوية، بل ممارسة يُحتكم فيها على وطنية الممارسة.
ورأى د. عمران أنّ ما يهمنا حالياً هو تحرير أرضنا وهزيمة التطرّف والتكفير، وليس سجالاً حادّاً في قضايا ومفاهيم خارج الزمان والمكان اللذين نعيش فيهما.
وركّز د. عمران على الذهنية المنفتحة في التعاطي مع المصطلحات والرؤى والتجارب بما يعكس العلميّة في واقعنا ومجتمعنا وتنوعنا وتعدديتنا، فمثلاً نظام الجبهة الوطنية التقدمية نظام براغماتي وليس إيديولوجيا، وأيضاً هناك موقفنا من الاشتراكية في سياق طرح “الطريق العربي إلى الاشتراكية”، وعدم استمرارية هذا الطرح، وأيضاً تمّ في العام 2005 طرح اقتصاد السوق من حيث أن مفهوم اقتصاد السوق معطى رأسمالي لتتم إضافة “الاجتماعي” عليه، وأكّد أنّ الضرورة الوطنية تقتضي وتستوجب التفكير بمعطيات تؤسس لمفهوم السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي والوحدة المجتمعية، لأنّ هذه المعطيات موجودة في بلدنا، فالتماسك الاجتماعي انعكاس لروح العلاقات التي تربط بين الأفراد والمجتمع والدولة، وكذلك قوة الروابط بين الأفراد والمجتمع والمؤسسات الوطنية لتعزيز الأمن والأمان والسلم الأهلي والتنمية، والمقصود هنا تنمية مستدامة، بشرية وإنسانية، بما يبعث القوة على مواجهة الأزمات الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية، في حين يؤدي ضعف التماسك الاجتماعي إلى ضعف في البنى الفوقية، أي الوعي والالتزام والانتماء، ويؤدي ضعف البنى الفوقية إلى ضعف في البنى التحتية، أي الخدمات بما يؤدي إلى الفساد الإداري، الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا يجعلنا مطالبين بتعرية أسباب ونتائج القصور في العامل الذاتي، وما نتج عنه خلال هذه الأزمة، دون الاتكاء الشديد على نظرية المؤامرة، مؤكداً أن أيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي تتسم بالعلميّة والثوريّة، ومع الأسف فإن العلميّة أفضت بنا إلى مضطرب العلمانية، والثورية أوصلت إلى رفع شعار الثورة من حثالة العصر.
ودار حوار تفاعلي بين د. عمران والحضور.
افتتح الملتقى الرفيق هيثم إسماعيل، رئيس مكتب التنظيم الحزبي الفرعي، مشيراً إلى أهمية الموضوع المطروح في الملتقى كونه يمس واقعنا الراهن بكل تجلياته وتداعياته، فيما أكد الرفيق مصطفى مثبوت، رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام الحزبي الفرعي، أن القيمة الفكرية والثقافية النوعية المضافة للملتقى تتمثّل في تنوع الأفكار والرؤى المطروحة والتفاعل الواضح والجلي من الحضور والمشاركين مع القضايا المطروحة بما يجعل من ملتقيات البعث الحوارية ورشات عمل فكرية نوعية.