أكثر من بلاغ
من الجميل جداً أن يُحرضنا بعض المسؤولين على مواجهة الفاسدين لمحاسبتهم!
ولكن الأجمل أن يُحاسب كبار الفاسدين لا الصغار فقط!
والأكثر جمالاً أن يُكافأ مكتشف الفاسدين ولو معنوياً، لا أن يُعاقب بالنقل إلى ملاكات أخرى لممارسة عمل ليس من اختصاصه، أو لوضعه تحت التصرف لأنه أساء التصرف بالكشف عن الفساد!
وإذا كانت محاربة الفساد برفع الصوت عالياً فعالة… فإن مؤتمرات اتحاد العمال المركزية والفرعية بحّ صوتها وهي تقرع الأجراس عالياً لمحاسبة الفاسدين!
أما إذا كانت المكافحة تتطلب ضبط الفاسدين بالجرم المشهود فقد فعلها بعض مفتشي الرقابة، ولكن لأن “المضبوطين” من الكبار، أو لديهم شبكة واسعة ومعقدة من العلاقات فقد خرجوا “سالمين”، وتم نقل أو معاقبة من تورط بكشفهم!
لا ننكر أن الطروحات في المؤتمرات النقابية والحزبية جريئة جداً حول كل ما يتعلق بالفساد والفاسدين، ولكن النتائج دائماً هي “صفر مكعب” عندما يتطلب الأمر محاسبة الكبار وليس الصغار فقط… فلماذا؟!
والسؤال الدائم: من هي الجهات المكلفة بمكافحة الفساد تلقائياً، أي دون أن تتلقى أمراً مباشراً من جهة عليا؟
نعم… من هي هذه الجهات التي يجب أن تتحرك سريعاً للتحقيق في قضايا الفساد المثارة في المؤتمرات وورشات العمل الحزبية والنقابية؟
اللافت أن أغلب القضايا المثارة حول الفساد تتضمن ما يمكن وصفه بأنه أكثر من بلاغ للنائب العام، ومع ذلك يُخيّم الصمت المريب على الجهات التي يجب أن تُحقق وتسأل وتُحاسب… فلماذا؟
مثلاً… رئيس اتحاد العمال كشف في المؤتمر النقابي الأخير: فوجئنا أن هناك إدارات سارعت إلى توقيع العقود مع متعهدين فاسدين لحرمان الطبقة العاملة من فرصة العمل في هذه العقود!
ترى هل تحركت النيابة العامة أو هيئات الرقابة التابعة لرئاسة الحكومة أو أية جهة أخرى لمسائلة الإدارات التي تتعامل مع متعهدين فاسدين لمحاسبتها أو للتحقيق معها على الأقل؟
نجزم أن رئيس اتحاد العمال لديه المعلومات الموثقة حول الكثير من ملفات الفساد… ولكن من يدقق ويحقق ويحاسب عندما يتعلق الأمر بالكبار لا بالصغار؟
رئيس اتحاد عمال حمص كشف بدوره عن وجود 250 أمير حرب يملكون 500 مليار يتحكمون في المحافظة!
ترى هل أثار هذا البلاغ اهتمام أية جهة للاطلاع على ما تملكه نقابة عمال حمص من معلومات لتمارس بعدها دورها في التحقيق والمسائلة والمحاسبة؟
ربما لن تفعلها مع أصحاب المليارات… لكنها ستفعلها حتماً مع صغار الموظفين ولو على الشبهة بأنهم فاسدون!
وباعتراف وزير تموين سابق وهو بمثابة “أكثر من بلاغ” فإن هناك مافيات تسيطر على أسواق الهال!
الاتهام أتى من مسؤول… ومع ذلك لم تتحرك أية جهة، وتنفذ آلية فعالة تُمكّنها من وضع يد السلطات المعنية على مافيات أسواق الهال… فلماذا؟!
وسبق للمصرف المركزي أن اتهم مستوردي المازوت من لبنان بتحقيق أرباح بالمليارات دون أن يسددوا قرشاً واحداً للخزينة!
ومع أن المصرف زود وزارة المالية بأسمائهم ببلاغ رسمي فإن الوزارة لم تكترث بهذا “البلاغ” لتحصيل حقوقها، في الوقت الذي تلاحق فيه صغار المكلفين بلا رحمة ولا هوادة!
علي عبود