الظرف الاقتصادي ونقص المحروقات أبرز دواعي الاعتماد عليها الحديث عن “المتجددة” يتجدد.. إنتاج متدنٍ للطاقات البديلة!
يتجدد الحديث عن أهمية وضرورة الاستثمار في إنتاج الكهرباء من الطاقات والمصادر المتجددة (الشمس، الرياح، المياه، وغيرها..)، كلما تجدد الحديث عن تراجع إنتاج الكهرباء على المستوى الوطني، أو على الأقل عدم تغطية هذا الإنتاج للاحتياجات التنموية المتزايدة جراء تنامي النشاط الاقتصادي، والضغط على الكهرباء داخل المدينة، إثر التزايد السكاني وعودة الاستقرار لأغلب المناطق.
ويعزز جدوى هذا الاستثمار ومردوديته، وجود مكامن طبيعية تساعد على هذا الإنتاج، فأيام السطوع في البلاد تتجاوز الـ 300 يوم، فيما الأيام المتبقية هي أيام سطوع جزئي، أما أيام غياب السطوع بشكل كامل فمحدودة جداً، والأمر نفسه بالنسبة لوفرة الجبال والمواقع العالية التي تضمن سرعة وقوة الرياح، علماً بأن هناك إمكانية لإنتاج الطاقة من صخور البازلت وغيرها.. والأهم من ذلك كله وجود من يشتري فوائض الطاقة المنتجة، فلِمَ يبقى هذا الإنتاج رمزياً وخجولاً، في وقت تنبهت فيه الدول حول العالم لأهمية (الطاقات النظيفة)..؟!
مطلوب تحفيز..
يقول المستثمر ركاد حميدي الذي يصف نفسه بأنه أول من حصل على ترخيص لتوليد الكهرباء من الرياح باستطاعة 500 ك وات ساعي عام 2015 وفق قانون الكهرباء 23 لعام 2010: كنت بداية الأمر متحمساً لمثل هذه المشاريع بوصفها تنتج طاقة نظيفة، وتوفر قطعاً أجنبياً على الخزانة، وتخلق فرص عمل كثيرة ومتنوعة، إلا أن هذا الحماس بدأ يفتر شيئاً فشيئاً.. لقد طالبنا الجهات الحكومية مراراً بمنحنا أراضي صخرية مملوكة للدولة لإقامة المشاريع عليها، لكن طلباتنا كانت دائماً، مع الأسف، تذهب أدراج الرياح..!
ويأسف حميدي لأن دولاً في الجوار العربي والإقليمي سبقتنا في إنتاج الطاقات المتجددة، بالرغم من أن سورية كانت سباقة في إصدار التشريعات المتعلقة بهذا النوع من الاستثمار، علماً بأن البلاد لديها إمكانات هائلة من الطاقات المتجددة بكل أنواعها، ولاسيما طاقتا الشمس والرياح، مشيراً إلى أهمية أن تلقى مشاريع إنتاج مثل هذه الطاقات بكل أنواعها رعاية حكومية خاصة.
ولفت حميدي إلى أن المستثمرين في هذا القطاع تعرضوا لخسائر طالت في أغلب الأحيان البنى التحتية لمشاريعهم، فقد استوردت شركته عام 2012، أي حتى قبل أن تحصل على الترخيص النظامي، عنفة ريحية تجريبية صناعة دانماركية جيدة (VESTAS)، وخلال عمليات تركيبها وتجريبها جنوب دمشق، استولت الجماعات المسلحة عليها وخربت مكوناتها، وما زالت على حالها حتى اليوم، في وقت كان مخطط لهذا المشروع أن يؤمن جزءاً مهماً من احتياجات ريف دمشق والقنيطرة من الطاقة.
ظلال الواقع..
يعوق نقص مادتي الفيول والغاز تأمين احتياجات البلاد من الطاقة؛ فهناك عدد كبير من محطات التوليد الـ13 متوقف عن العمل جراء العقوبات الاقتصادية الغربية الجائرة على موارد الاقتصاد الوطني عموماً، ومنها قطاع النفط كقطاع حيوي ومحرك للنشاط الاقتصادي، وتستطيع هذه المحطات، في حال عملت بكامل طاقتها، إنتاج 4200 ميغا واط، تسد نحو 80-90 بالمئة من حاجة السوق المحلية.
وإلى جانب نقص الإنتاج والعقوبات الاقتصادية، تمثل التعديات على الشبكة الضلع الثالثة في مشكلة الطاقة، حيث يعمل (لصوص الكهرباء) على تبديد موارد الطاقة واستنزاف المال العام، ففي بعض المناطق توازي الطاقة المهدورة الطاقة المبيعة، إن لم تتفوق عليها؛ ما يستدعي ليس علاج هذه الظاهرة المستشرية وحسب، بل أيضاً تأمين البدائل المناسبة، ولاسيما في مراكز الإنتاج، وبالقرب من التجمعات والمناطق الصناعية العشوائية.
تنامي الطلب..
تنامى الطلب الوطني على الطاقة تحت تأثير عديد العوامل، ولكن أبرزها تمثل في الأضرار الكبيرة التي تعرض لها قطاع الكهرباء، جراء الحرب المفروضة على سورية، وما قامت به المجموعات الإرهابية من تخريب متعمد لمكونات هذا القطاع وبناه التحتية، فالقيمة التقديرية الأولية للخسائر بين عامي 2011-2018 بلغت، وفقاً لتقديرات وزارة الكهرباء، بحدود 2000 مليار ليرة سورية، علماً بأن هذا الرقم سيرتفع كثيراً عند الحديث عن حرمان الاقتصاد الوطني من العوائد الاستثمارية للطاقة المهدورة، أو غير المنتجة خلال هذه الفترة.
ومع تحرك عجلة الاقتصاد من جديد، بعد عودة مناطق الإنتاج للعمل، وانطلاق تباشير عملية إعادة الإعمار، فإن الطلب على الطاقة آخذ بالتنامي على نحو ملحوظ، وهنا لا بد من تحريض القطاع الخاص على الاستثمار في إنتاج الطاقات البديلة، ما يقودنا للبحث عن مصادر التمويل، وبالتالي يصبح السؤال الملح والمشروع: ماذا عن الفوائض المالية لدى المصارف والجاهزة للاستثمار؟
طُرح، وفي وقت سابق، موضوع تمويل المصارف العامة لمشاريع الطاقات المتجددة على اختلاف أنواعها، وتشاورت هذه المصارف فيما بينها للوصول إلى صيغة نهائية لهذا التمويل، تشمل جميع أنواع مشاريع الطاقة المتجددة سواء العاملة بالرياح أم بالشمس أم بالطاقة الكهروضوئية، بحيث يتم منح التمويل للأغراض المنزلية وللفعاليات التجارية، بالإضافة لدراسة إمكانية تمويل مشاريع إنتاج الطاقة الاستثمارية، التي يمكن لمنتجيها بيع إنتاجهم منها، ولكن حتى الآن لا توجد إجراءات ملموسة على أرض الواقع.. !
وجود كوادر منتجة..
يحفز قطاع إنتاج الطاقات المتجددة، وجود كوادر مؤهلة للإنتاج من المهندسين والفنيين، علماً بأنه تراكمت لدى السوريين خبرات كبيرة في هذا الإنتاج فرضتها سنوات الحرب، والحاجة الماسة لتأمين الطاقة البديلة، فالبلاد التي لديها حوالى 160 ألف مهندس، على حسب ما ذكر رئيس الوزراء المهندس عماد خميس في افتتاح المؤتمر الثاني والأربعين لنقابة المهندسين، هي بلاد لا تخاف على صنع مستقبلها..
ويكفي للدلالة على وفرة هذه الكوادر المؤهلة والمحترفة، تتبع ما ينشر على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بخصوص عدد السوريين حول العالم، الذي يقدمون إبداعاتهم وبراءات الاختراع المتعلقة بحلول الطاقة، وقسم كبير من هؤلاء يمكن أن يسهم في تنشيط حركة الاستثمار في هذه الطاقات في حال توافرت الظروف والشروط المناسبة لذلك، ومؤخراً حصل شاب سوري على ست براءات اختراع على مستوى إحدى المقاطعات الألمانية، بعضها تركز حول أبحاث في إنتاج الطاقات البديلة والسيارات التي تعمل دون وقود.
ومهما يكن من أمر، فإن عملاً جدياً على المستوى الوطني لا بد أن تقوم به الجهات ذات الصلة بإنتاج الطاقات البديلة في القطاعين العام والخاص، وهذا يقتضي الذهاب أبعد من مجرد تشجيع الإنتاج، بل يتعداه إلى تداول بيع منتجات هذه الطاقات كسلع ملموسة في الأسواق، طالما وجد باعة ومشترون لها، وذلك أسوة بما هو معمول به إقليمياً وعالمياً، كما لا بد أن يراعى عند تصميم المباني الخاصة والعامة والحصول على التراخيص، ضرورة لحظ أماكن على أسطحها وجدرانها توضع فيها ألواح ومستقبلات الطاقة الشمسية والريحية حسب الحالة والمنطقة والموقع الجغرافي..
أحمد العمار