أوروبا العالمية تتحدى ترامب
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع بلومبيرغ 6/7/2019
تعتبر الصفقة التجارية بين الاتحاد الأوروبي وأربعة من أكبر الاقتصاديات في أمريكا اللاتينية رداً حاسماً على كل من الرئيس دونالد ترامب ومؤيدي البريكست في بريطانيا.
الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بعد 20 عاماً من المفاوضات، سينهي التعريفات على 93٪ من صادرات “ميركوسور” إلى الاتحاد الأوروبي تدريجياً، مع حصول بقية الصادرات على معاملة تفضيلية. ستوفر الشركات الأوروبية – بما في ذلك تلك الشركات المصدّرة للسيارات وأجزائها والمواد الكيميائية والمنسوجات إلى البرازيل والأرجنتين وباراغواي وأوروغواي- في النهاية أكثر من 4 مليارات يورو (4.5 مليارات دولار) سنوياً.
تظهر أول صفقة رئيسية لـ ميركوسور والأكثر ربحية في الاتحاد الأوروبي من حيث مدخرات التعريفة الجمركية، أن أجزاء من نظام التجارة الدولية تقاوم ضغوط ترامب المدمّرة. كما أنها تذكر أيضاً بالصعوبات التي ستواجهها بريطانيا في توقيع صفقات تجارية مماثلة بعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي، لأن مثل هذه الاتفاقيات معقدة وتستغرق سنوات عديدة.
التوقيت، بالطبع، هو أهم شيء في السياسة، وإذا كان انتخاب الرئيس الأرجنتيني موريسيو ماكري في عام 2015 قد أعطى المحادثات زخماً جديداً، فإن الشكوك المحيطة بمحاولته لإعادة انتخابه في وقت لاحق من هذا العام قد أضافت ضغطاً لإنهائها. بالنسبة لرئيس المفوضية الأوروبية جان كلود جونكر، كانت أيضاً فرصة لتسجيل انتصار تجاري قبل تسليم زمام الأمور لخليفته في تشرين الثاني القادم.
كان الدافع الآخر للاتحاد الأوروبي، بالتأكيد، هو صعود الحمائية والشعبوية. كذلك فإن ضغط البريكست المستمر، وضغط ترامب المستمر وانتهاكه لقواعد النظام التجاري استحوذا على الاهتمام في أوروبا، فإذا لم يتمكّن الاتحاد الأوروبي من استخدام ثقله التجاري لتحقيق شيء ملموس لأعضائه، فسوف يزداد التساؤل عن الغاية منه. منذ انتخاب ترامب، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقات مع كندا والمكسيك واليابان، لكن الصفقة الجديدة تبعث برسالة تحدٍّ كبيرة.
هناك أسباب أخرى لتشجيع الصفقة. بالنسبة للتجار المستقلين، فإنها تمثّل انخفاضاً كبيراً لنفوذ جماعات الضغط القوية في الاتحاد الأوروبي وغيرها من المصالح الخاصة- وهذا ليس بالأمر السهل في كتلة تمّ انتقادها بحق، خاصة في بريطانيا، لكونها حمائية وبيروقراطية وتتحرك ببطء.
كما أعطت الصفقة الاتحاد الأوروبي نفوذاً على البرازيل لاستمرار التزامها باتفاقية المناخ، بعد أن هدّد بولسونارو بالانسحاب من اتفاق باريس بشأن تغيّر المناخ، وهنا قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: “إنه سيرفض أي صفقات مع دول تبقى خارج هذا الإطار”. في الواقع، تأكد أن الصفقة لم تُلغَ بعد اجتماع الرجلين لمناقشة المخاوف البيئية.
تتمسّك الاتفاقية بالمبدأ التحوطي، الذي يمنح سلطات الاتحاد الأوروبي الحق في التصرف لحماية صحة الإنسان أو البيئة، حتى ولو لم يكن الدليل العلمي قاطعاً. هذا لن يعطي الكثير من الأمل لمفاوضي الولايات المتحدة الذين يأملون في إقناع الاتحاد الأوروبي بقبول مقاربة أقل. وبالنسبة لمناصري البريكست، فإن الاتفاقية الجديدة هي تذكير بقيمة أقل خارج الخيمة التجارية الكبيرة للاتحاد الأوروبي. لقد جادلوا بأن بإمكانهم فقط التراجع عن الصفقات التجارية الحالية للاتحاد الأوروبي ثم إبرام اتفاقيات أكثر فائدة. تبدو هذه الافتراضات هشة، ومن بين نحو 40 اتفاقية تجارية يتمّ إبرامها، تم تحويل جزء بسيط إلى المملكة المتحدة، وبشكل جزئي في كثير من الأحيان. بالنسبة لأولئك الذين يأملون في إبرام اتفاقية تجارة حرة سريعة في حالة الخروج دون اتفاق، تعدّ اتفاقية “ميركوسور” بمثابة تذكير بأنه لا يوجد شيء يوحي بذلك.
إن اتفاق الاتحاد الأوروبي مع أمريكا اللاتينية يمكن ألاّ يتمّ، لكن لا يزال يحتاج إلى موافقة جميع البلدان الأعضاء وكذلك البرلمان الأوروبي، هناك الكثير من المعارضين. وصف المزارعون الإيرلنديون الاتفاقية بأنها “متهورة وخاطئة”. ويقول القائمون على صناعة “الإيثانول” في أوروبا إن الاتحاد الأوروبي يدفع بها إلى الهاوية. إنه أمر غير مريح بالنسبة لقوة فرنسا الزراعية أيضاً. ومع ذلك، فإن الاتفاقية تقول شيئاً ما عن الرغبة في فتح سوق بهذا الحجم لم تفز بها المصالح الحمائية، كما كانت الحال في الماضي، ورغم كل الحديث عن قوة بريطانيا العالمية، فإن أوروبا العالمية هي التي تتصدّر عناوين الصحف!.