من الأولويات المستعجلة رفع كفاءة وجاهزية مكافحة الحرائق الحراجية وحماية الغابات وتعزيز الشراكة مع المجتمع المحلي
بالرغم من اتخاذ الكثير من التدابير الاحترازية الوقائية الرامية لمواجهة المخاطر الكثيرة التي تنذر بانحسار الغطاء الحراجي وتضرره، وفي مقدمة هذه المخاطر الحرائق التي تتعدد أسبابها ومسبباتها الطبيعية والبشرية، إلا أن الاحتياجات المطلوبة لتنفيذ خطة المكافحة لاتزال من أهم التحديات التي تنعكس على مكافحة الحرائق، ما يجعلها خطراً داهماً يستنزف الطاقات والإمكانات، ويستنفد كل الأساليب والطرائق لإخماد جذوتها وبؤرتها بشق الأنفس، والأمثلة على الاستنزاف أكثر من أن تحصى عبر سنوات ماضية، وهنا تستوقفنا الخطة المعتمدة لمكافحة حرائق الغابات للعام الجاري بما تحتويه من مؤشرات حديثة دقيقة عن واقع الغطاء الحراجي في محافظة اللاذقية، وتضمينها التحديات والصعوبات التي تعترض خطة مكافحة الحرائق الحراجية، ما ينعكس على تطبيق الخطة الموضوعة أصلاً لحماية الغابات من حرائق الحراج كأولوية مطلوبة لضمان استقرار الغطاء الحراجي، وتنوعه الحيوي والطبيعي، وطابعه السياحي الجمالي.
صعوبات تعوق عملية الإخماد
تواجه عملية إخماد الحرائق الحراجية عدة صعوبات، ما يحمّل منظومة مكافحة الحرائق بشقيها البشري والتقني الفني أعباء إضافية تجعل من عملية الإخماد مشقة حقيقية، ومكابدة مزمنة أمام حماة الغابات، والقائمين على خطط وبرامج وقايتها، ويؤكد المهندس باسم دوبا، رئيس قسم الحراج والغابات في مديرية زراعة اللاذقية، أن أهم العقبات التي تعترض إخماد حرائق الغابات تكمن في قلة توفر المحروقات هذا العام، ما يؤثر سلباً على تنفيذ الخطة السنوية للطرقات الحراجية من شق، وترميم، وصيانة الطرق الحراجية، وخطوط النار، بالرغم من أهميتها الحيوية القصوى كشرايين تربط بين الغابات، وتمكّن فرق وسيارات الإطفاء من الوصول بالسرعة القصوى، وهناك صعوبة ناجمة عن الاعتماد على العمالة الموسمية وبأجور منخفضة، وهذا ما يجعل العمالة الجيدة وذات الكفاءة والخبرة والمهارة تبحث عن العمل بعيداً عن الإطفاء والعمل في قطاعات خاصة، سعياً للحصول على الأجر الأفضل والأكثر، وبالتالي تكون النتيجة الاستعانة بعمالة ذات كفاءة منخفضة، الأمر الذي ينعكس على جودة العمل وكفاءة الإخماد.
نقص مناهل المياه
أيضاً هناك صعوبة ناجمة عن نقص في نقاط ومناهل المياه، وخاصة في المواقع الحراجية الكثيفة، وإذا ما وجدت تلك النقاط التابعة للمؤسسة العامة لمياه الشرب، فهناك صعوبة في الاستجرار منها، وفي بعض الأحيان لا يمكن التزود من تلك النقاط والمحطات لأسباب تعود لمؤسسة المياه نفسها، وبيّن المهندس دوبا أن كثرة الأعطال في الإطفائيات والصهاريج من الصعوبات التي تؤثر على جاهزية وفاعلية الإخماد وكفاءته بسبب الضغط الشديد على عمل تلك الآليات في إخماد الحرائق، وكذلك تقليص العمر الزمني لتلك الآليات، ما ينعكس سلباً على الكفاءة المطلوبة للإخماد، ويضاف إلى هذا كله عدم وجود آلية متبعة في إخماد الحرائق الزراعية بسبب وجود معاناة وممانعة أثناء المرور من الأراضي المملوكة من قبل أصحاب العقارات المملوكة، وعدم وجود طرق زراعية كافية في تلك المناطق الزراعية.
استنزاف الإمكانات
وأشار المهندس دوبا إلى عدم ورود إخماد الحرائق الزراعية ضمن خطة مكافحة الحرائق الحراجية، وبالتالي لا يكون توزع الإمكانيات لدى قسم الحراج والغابات بالشكل الأمثل لإخماد الحرائق الزراعية، لأن جميع الإمكانيات من إطفائيات وعمال الحرائق متوزعة في المواقع الحراجية، مع ملاحظة التراجع الواضح في خدمة المزارعين لأراضيهم خلال السنوات الأخيرة من فلاحة وتعشيب، الأمر الذي ساهم في خلق بيئة مناسبة لانتشار الحرائق، وزيادة عدد تلك الحرائق بشكل كبير، ما أدى إلى استنزاف إمكانيات منظومة إخماد الحرائق الحراجية والزراعية.
خروج الأبراج
ولفت المهندس دوبا إلى المنعكسات والآثار السلبية لخروج الكثير من أبراج مراقبة الحرائق من الخدمة نتيجة أسباب مختلفة، منها سيطرة المجموعات الإرهابية المسلّحة على بعض المناطق، وتعطّل بعض المحطات اللاسلكية الأخرى، وعدم توفر قطع تبديلية لإصلاحها، حيث يوجد بالخدمة حالياً فقط 11 برج مراقبة من أصل 38 برج مراقبة، ومحارس موزعة في مناطق المحافظة، وازدياد عدد الحرائق الحراجية والزراعية الناتجة عن اعتداءات المجموعات الإرهابية المسلحة بالقذائف الصاروخية خلال السنوات الماضية، وتضرر مساحات واسعة جراء هذه الاعتداءات.
تداخل الأراضي
ويؤكد رئيس قسم الحراج أن حرائق الغابات تعد من أصعب الحرائق بسبب تواجدها في مناطق جغرافية ذات طبيعة قاسية: (جبال– وديان– سفوح)، إضافة إلى تداخل الأراضي الزراعية مع الغابات، وهذه العوامل تزيد من الأعباء في مكافحة الحرائق، ولاسيما في ظل عدم وجود موظف محدد مسؤول عن كل جهة، ومؤسسة عامة ترسل إمكانياتها إلى موقع الحريق، وهذا الواقع يؤدي إلى الصعوبة البالغة في التواصل مع الإمكانيات المرسلة حين اندلاع الحريق من تلك الجهات، وقيام السائقين التابعين لتلك الجهات بالتصرف بشكل كيفي مزاجي، وعدم تقيدهم بتعليمات كوادر الحراج القائمة على إدارة الحرائق، وهذا ما يجعل الجدوى من مشاركة تلك الجهات المؤازرة ضعيفة جداً، ومن الصعوبات المتكررة والمعرقلة أيضاً اعتراض المواطنين لطريق الإطفائيات لحماية منازلهم، ويعمد بعضهم إلى تسيير الإطفائيات باتجاه ممتلكاتهم الخاصة، وفي كثير من الأحيان يتم فقدان السيطرة على إدارة الحرائق بفعل هكذا أعمال، ما يستوجب تشدد عناصر الشرطة في دورهم لتنظيم وتسهيل مرور آليات إطفاء الحرائق عند نشوبها، وتأمين انسيابية الحركة لتأمين سرعة الوصول بوقت قياسي إلى موقع الحريق قبل اتساع بؤرة اشتعاله، وتواجه كوادر منظومة الإطفاء معاناة ناجمة عن تكليفها بمهام خارج المحافظة للمشاركة في إخماد الحرائق، ما يزيد ويفوق الطاقة المتاحة، وأيضاً تعذّر إمكانية ترميم وصيانة الطرق الحراجية وخطوط النار في المناطق الساخنة، ما يؤثر سلباً على الأداء أثناء حدوث الحرائق.
حلول المعالجة الضرورية
حول الحلول والبدائل الضرورية لمعالجة وتذليل هذه المعيقات والصعوبات بيّن المهندس دوبا أنه من الضروري تأمين اعتمادات مالية إضافية لصيانة صهاريج الإطفاء، والجرارات، والتركسات، ولاستكمال حاجتنا من الأدوات والمعدات اللازمة كالخراطيم، والمرشّات الظهرية، وغيرها، وضرورة تأمين الاعتمادات اللازمة لاستئجار سيارات لنقل عمال فرق التدخل السريع، وتأمين مستلزمات عمال الحرائق من لباس، وطعام، وتعويضات، وتأمين صهاريج إطفاء وعددها 15 صهريجاً ذات حمولات مختلفة تتراوح ما بين 3000 إلى 4000 ليتر، إضافة إلى ما هو موجود، وصهاريج تغذية عدد 7، وصهاريج ذات حمولات مختلفة، إضافة إلى ما هو موجود، وسيارات نقل عامة حمولة 3 أطنان، عدد 12 سيارة و10 سيارات حقلية دفع رباعي لزوم العمل في المواقع الحراجية، ومتابعة تنفيذ خطة شق الطرق الحراجية، والمشاركة في إخماد الحرائق، ومن الأولويات تأمين الاعتمادات لإجراء الصيانة لمباني مراكز الإطفاء، وأبراج مراقبة الحرائق، وتأمين وحدة خياطة وتفصيل لباس عمال الحرائق (بدلات).
الحد من نشوب الحرائق
وبشأن الأهداف المحددة والمعتمدة في خطة مكافحة حرائق الغابات أكد المهندس دوبا أن هدف الخطة الحد من أعداد الحرائق ليصل إلى أقل من 80 حريقاً هذا العام، كما تهدف إلى حماية الموارد الطبيعية: (غابات– تنوع حيوي)، والحفاظ عليها من التدهور والإقلال من مساحة الحريق ليصل إلى أقل حد ممكن من المساحة، وتعزيز الشعور العالي بالمسؤولية لدى سكان المناطق الحراجية الغابية، وخلق علاقة تعاونية بين هؤلاء السكان المجاورين للغابة، والمؤسسات الحكومية في مجال الحفاظ على الغابة ورعايتها والاهتمام بها، وذلك بإقامة علاقة منفعية متوازنة ومتبادلة بين السكان والغابات، وتعزيز مشاركة مؤسسات الدولة والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية في الحفاظ على الغابات من الحرائق، كما تهدف الخطة الموضوعة إلى رسم استراتيجية مستقبلية لإدارة مكافحة الحرائق من خلال اكتشاف الصعوبات في مكافحة الحرائق.
التدخل السريع
أما النتائج المتوقعة من خطة المكافحة الحراجية فيشير المهندس دوبا إلى العديد من النتائج، منها تخفيض عدد الحرائق من خلال التوعية والإرشاد، وتقليص المساحات المحروقة بالتدخل السريع لإخماد الحرائق، وأيضاً من المتوقع في تنفيذ الخطة زيادة خبرة العاملين في مجال إدارة الحرائق، وبناء الشراكة مع كافة الجهات للقيام بأعمال الوقاية من الحرائق ومكافحتها، ومساهمة السكان في الوقاية من الحرائق الحراجية ومكافحتها.
إجراءات الوقاية
ويؤكد المهندس دوبا أن الأولوية في كل برامج العمل والخطط الموضوعة تكمن في رفع جاهزية منظومة إطفاء الحرائق الحراجية، مع تفعيل خطة مكافحة الحرائق، وتوثيق التنسيق والتكامل في العمل بهدف تحقيق الحفاظ على هذه الثروة الحراجية الوطنية، وذلك عبر رفع كفاءة التعامل السريع مع الحريق عند حدوثه، مع اتخاذ حزمة تدابير وقائية مشددة لحماية الغطاء الحراجي، ومكافحة الحرائق الحراجية، ومنع التعديات على الغابات، وتعزيز برامج تنمية مواردها الطبيعية في هذه الفترة من السنة التي تحمل تحدياً للغابة بفعل حرارة الجو والجفاف، وارتياد السكان للغابات، مع التركيز على حماية الغابات بطرق وقائية، ومنع التعدي عليها، ومنع قطع الأشجار بأي شكل، وفرض أقصى العقوبات بحق كل من يتسبب بالتعدي على الغابات.
التشاركية مع المجتمع المحلي
ويؤكد المهندس دوبا على أولوية تعزيز النهج التشاركي مع المجتمع المحلي في حماية الغابات، مشيراً إلى أن القانون الجديد للحراج ركّز على إحداث الجمعيات الأهلية المتخصصة بحماية الغابات، وهذا لم يكن متاحاً سابقاً في القوانين السابقة، ما من شأنه أن يعطي المجتمع المحلي المجاور للغابات دوراً تشاركياً فعالاً في الحفاظ على الغابات، وباتت بموجب قانون الحراج الجديد للمجتمع المحلي أرضية قانونية رسمية للمشاركة في إدارة الثروة الحراجية، والاستفادة منها من خلال فقرة في القانون الجديد تنص على تشكيل لجان أهلية في المجتمع المحلي، ويمكن لها أن تعمل في مجال إدارة الغابات، والاستفادة من مواردها، واعتبر دوبا هذه التشاركية خطوة نوعية بالغة الأهمية، ومن الإنجازات التي حملها قانون الحراج الجديد، كما أن القانون الجديد فتح أفقاً جديداً في استثمار الثروة الحراجية من خلال الحفاظ على الغطاء الحراجي كأولوية مطلقة، وهذا يكفل الاستثمار الأمثل والمدروس للغطاء الحراجي بأسس علمية، وأساليب منهجية مدروسة تنبثق من تنفيذ روح القانون الجديد الذي يهدف في جوهره لحماية الحراج، وتنمية الموارد الطبيعية المتاحة.
مروان حويجة